أثارت خطة ترامب ردود أفعال غاضبة بوضع اليد والاستيلاء على غزة (قطعة أرض رائعة مطلة على المتوسط ـ يتعامل ترامب مع غزة كرجل أعمال وعقارات وليس رئيس دولة بخطط ورؤية استراتيجية) ـ وتهجير سكانها 2.3 مليون المحاصرين والنازفين على مدى 16 شهرا لمصر والأردن وحتى لأندونيسيا وألبانيا وعلى اقتراح وزير الدفاع الإسرائيلي تهجيرهم إلى إسبانيا والنرويج أيضا حتى يتم إعادة بناء غزة!!
وُصفت الخطة بالخيالية والعنصرية والعودة لعصر الاستعمار الإمبريالي ونهاية عصر نظام الحريات والديمقراطية الليبرالية التي دشنتها الولايات المتحدة الأمريكية في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأثارت ردود أفعال غاضبة وناقدة بشدة من الحلفاء العرب والغربيين. بالسيطرة والاستيلاء على غزة. ونددت السلطة والفصائل الفلسطينية ودول عربية وحلفاء أمريكا الأوروبيون وروسيا والصين بأن الخطة ستشعل النار.
وكما وصفها السناتور الديمقراطي فان هولن بسكب البنزين على نار مشتعلة. وتقوض فرص التوصل لخفض التصعيد والمضي بمراحل اتفاق وقف إطلاق النار الثلاث وتبادل الأسرى والسجناء-وعرقلة تطبيع دول عربية وخاصة السعودية مع إسرائيل كما كان يأمل بايدن، وترامب ونتنياهو.. وللمرة الأولى يعلن رئيس بأسلوب صادم ومستفز تطهيرا عرقيا ودينيا لشعب كامل 2.3 مليون بتهجيرهم.. وامتلاك غزة وإعادة إعمارها وتحويلها لريفييرا الشرق الأوسط. وهو هدف اليمين الصهيوني!!!
ولم يُسأل ترامب عن موقف إدارته من ضم إسرائيل الضفة الغربية وبدلاً من الإشارة إلى أن ذلك غير شرعي ويعارض القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن وينسف حل الدولتين التي هي رؤية الفلسطينيين والعرب والأوروبيين و146 دولة من 193 دولة أو ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين!!
لذلك صدمت خطة ترامب الداخل الأمريكي الذي وصفه البعض بالمتهور ولأول مرة يشهد انقساما حزبيا ـ حتى داخل حزب ترامب الجمهوري وعبّر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن تشكيكهم بصعوبة تطبيق الخطة الخيالية. كما عبّر عدد من أعضاء الشيوخ الديمقراطيين عن انتقادات خاصة بعد التناقض حول احتمال إرسال قوات أمريكية إلى غزة من عدمه. ووصف النائب الديمقراطي آل غرين من ولاية تكساس مقترح ترامب بالشنيع وبالتطهير العرقي وأدانه، وقدم قائمة اتهام ضد ترامب والبدء بإجراءات عزله!!
ووصف الإعلام الأمريكي والغربي مقترح ترامب "بالخيال". والخطة غير قابلة للتطبيق. لكن ذلك لم يمنع نتنياهو الذي أكد بعكس الكثيرين بعلمه وترحيبه بخطة ترامب الرائعة والمقاربة الجديدة مع صقور اليمين المتطرف في حكومته حول غزة لتحقيق حلمهم التوراتي على حد زعمهم !والتي ستنهي سيطرة حماس وترحيل قادتها لخارج قطاع غزة.
وأعلن وزير الدفاع إسرائيل كاتس توجيه تعليمات للجيش على تأمين التهجير الطوعي للسكان من قطاع غزة. خاصة وأن ترامب ووزير خارجيته يرددان أن قطاع غزة منطقة مدمرة وركام من الأنقاض ولم تعد قابلة للحياة.
وفيما رفضت وأدانت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وفصائل فلسطينية مخطط ترامب، دعت حماس ترامب إلى التراجع عن تلك التصريحات غير المسؤولة والمتناقضة مع القوانين الدولية. وطلبت حركة حماس بعقد قمة عربية طارئة للرد على لمواجهة خطة ترامب. وطالبت بموقف عربي وإسلامي ودولي حازم يحفظ الشعب الفلسطيني وإقامة دولته الفلسطينية، وعاصمتها القدس.
وحسب مصادر أردنية سيحّذر العاهل الأردني الملك عبدالله الذي سيلتقي الرئيس ترامب هذا الأسبوع "أن ترحيل سكان غزة إلى الأردن سيزيد من حجم التوتر وهو وصفة للتطرف سوف تنشر الفوضى في الشرق الأوسط وتعرض السلام بين الأردن وإسرائيل للخطر، بل وتمثل تهديدا وجوديا للبلد ذاته". وفي موقف ملفت ومعبر وواضح عبرت عنه دول خليجية مثل السعودية وقطر والكويت ومصر ودول أخرى عن تمسكهم بحق الشعب الفلسطيني ورفض التهجير. وكررت السعودية في بيان وزارة الخارجية موقفها الثابت والراسخ ـ بدعم حق قيام دولة فلسطينية-ردا على مقترح الرئيس ترامب حول الاستيلاء على قطاع غزة وترحيل الفلسطينيين الذي تسبب بعاصفة من ردود الفعل الرافضة والمنددة.
وكذلك تأكيد الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية العامة الأسبق والسفير الأسبق في لندن وواشنطن ورئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ـ وبرسالة معبرة مرتديا الكوفية الفلسطينية في مقابلتيه مع شبكة سي إن إن باللغة الانكليزية واعقبها بمقابلة مباشرة مع قناة العربية معلقا على مقترح الرئيس الأمريكي بترحيل الفلسطينيين من غزة: "ما قاله الرئيس ترامب غير قابل للاستيعاب، ومن الخيال ان نعتقد ان التطهير العرقي في القرن الحادي والعشرين يمكن ان يتسامح معه مجتمع عالمي والمشكلة في فلسطين ليست الفلسطينيين بل الاحتلال الإسرائيلي".
لكن بعد أيام من طرح خطته بالاستيلاء على غزة وتهجير سكانها وبعد ردود الأفعال المنددة والرافضة، بدأ ترامب يتراجع تدريجيا عن احتلال غزة المتناغم مع اليمين الصهيوني المتطرف الذي سيفشل بعدما سمع الرد الصاعق والغاضب على مقترحه بالسيطرة واحتلال قطاع غزة وتهجير 2.3 مليون جميع سكانها واحتلالها وتحويلها لمجمعات سكنية بإطلالة على البحر الأبيض المتوسط!
وبعد التنديد والرفض حتى من حزبه، والرفض الفلسطيني والعربي والدولي واتهام ترامب بارتكاب تطهير عرقي ضد الفلسطينيين من أمين عام الأمم المتحدة وغيره. والتحذير من دفع المنطقة لمزيد من التصعيد والصراع وحتى التطرف وتجميد توسيع رقعة التطبيع العربي مع إسرائيل، وإعادة عصر الإمبريالية والهيمنة وشريعة الغاب والبلطجة-وحتى خسارته حلمه بجائزة نوبل للسلام، بدأ ترامب بالتراجع عن خطته من السيطرة الكاملة على غزة، للتهجير المؤقت. وقبل أيام أكد ترامب أنه ليس في عجلة من أمره "ولا داعي للاستعجال لتنفيذ خطته بامتلاك واحتلال قطاع غزة"!! وتحويله لريفييرا الشرق على المتوسط!!
وهكذا يتأكد أن ترامب ليس رجل سياسة، بل رجل استعراض وصفقات ومطور عقارات!!
(القدس العربي)