صحافة

"المشهد اليوم"…ترامب يهدد "حماس" واتفاق وقف النار يترنّح!الرئيس السوري يشارك في قمة القاهرة العربية وعمليات "ضبط الحدود" مع لبنان تتواصل

الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حديثه مع عدد من الصحافيين في المكتب البيضاوي (أ.ف.ب)

تمرّ الهدنة الهشة بين اسرائيل و"حماس" في منعطفٍ خطيرٍ بعد توالي الأحداث ورفع سقوف المواجهات، بالتزامن مع "المباركة" والدعم اللامحدود الذي حصده رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من ساكن البيت الأبيض، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قدم له جرعات دعم إضافية ليستكمل مخططاته ويتبرأ من عهوده السابقة والتي نص عليها اتفاق وقف النار لاسيما لجهة ادخال المساعدات الإنسانيّة والاغاثية، وهو أمر تتلكأ فيه سلطات الاحتلال عن قصدٍ من أجل تضييق الخناق على الفلسطينيين وزيادة حجم الأعباء الملقاة على عاتقهم.

هذا التلكؤ المُتعمد دفع بحركة "حماس" لتأجيل موعد تسليم الأسرى الإسرائيليين المقرّر الإفراج عنهم السبت المقبل ضمن الدفعة السادسة "حتى إشعار أخر"، بغية زيادة الضغوط ودفع الوسطاء نحو الحصول على تعهدات واضحة لتنفيذ ذلك و"بمفعول رجعي"، وهو أمر فتح أبواب "الجحيم الحقيقي" على الحركة وفق الرئيس ترامب الذي دعا علنية حليفته، تل أبيب، لـ"الغاء" مفاعيل اتفاق وقف النار اذا "لم تتم إعادة جميع الرهائن بحلول ظهر السبت".

ولا يتردد الرئيس ترامب بين كل تصريح وآخر من إعادة الحديث نفسه وتكرار خطة تهجير الفلسطينيين من أرضهم رغم كل التنديد العربي والدولي، حتى وصل به الأمر لتحذير مصر والأردن بقطع المساعدات "إذا لم يوافقا على استقبال الفلسطينيين"، معرباً عن اعتقاده "أن الأردن سيستقبل لاجئين من غزّة". وسيكون هذا المقترح في صلب المحادثات التي سيجريها اليوم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في واشنطن، وفق معلومات أنه سينقل تداعيات وأثار القرار على الامن والسلم القومي وتهديده الاستقرار في المنطقة العربية لجهة جوهرية القضية الفلسطينيّة ورمزيتها الراسخة عبر العقود.

تزامناً، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي سلسلة من المحادثات الرفيعة المستوى مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن أمس وذلك قبل زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لم يبت موعدها بعد. وفي السيّاق، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن مصر أبلغت البيت الأبيض أنها" لا تنوي أن تكون شريكا" في مقترح ترحيل الفلسطينيين. وجاء ذلك في الوقت الذي يراوغ فيه نتنياهو لاجراء بحث جدي حول المرحلة الثانية من الاتفاق، بعدما أرسل وفداً دون صلاحيات الى العاصمة القطرية، الدوحة، ولم يمنحه أي تفويض ما دفعه الى العودة خالي الوفاض بعد تأخير دام أسبوع كامل بظل وجود رغبة اسرائيليّة عارمة لتمديد المرحلة الأولى.

ومع ترك "حماس" أبواب التفاوض مفتوحة، تعالت المواقف الاسرائيليّة المهددة حيث أشار وزير الأمن يسرائيل كاتس إلى أنه "أصدر تعليماته للجيش بالاستعداد بأقصى درجات التأهّب، لأيّ سيناريو مُحتمل في غزّة". فيما دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي السابق إيتمار بن غفير، إلى تنفيذ "هجوم شامل على غزّة وقصف المساعدات"، مطالباً بالعودة "إلى الحرب والتدمير". ويتماهى هذا التدمير مع الافكار الاميركية التي تلقى تشجيعاً اسرائيلياً واضحاً، حيث قال بنيامين نتنياهو، في كلمة ألقاها أمام الكنيست وسط حالة من الصخب والاعتراض: "إننا نعمل على كسر المحور الإيراني والقضاء على المنظومة الصاروخية لـ"حماس" وقوة الرضوان في "حزب الله"، مشدداً على أن "من يرفع سيفه في وجهنا سوف نسحقه، ونحن نغيّر الشرق الأوسط، والحرب لم تنتهِ بعد".

وربط نتنياهو بين رؤية ترامب واليوم التالي، وخاطب المعارضة قائلاً: "لطالما تحدثتم عن اليوم التالي، والآن لديكم رؤية واضحة، ترامب قدم فكرة ثورية لما بعد "حماس"، حتى لا تعود غزة دولة إرهاب... لقد عدت من الولايات المتحدة برؤية مختلفة من دون "حماس" ودون السلطة الفلسطينيّة". ويثير "اليوم التالي" عدة مخاوف من دفع الفلسطينيين الى التهجير القسري بعد غياب الحلول العملية البديلة، خاصة بين "حماس" والسلطة الفلسطينيّة بقيادة الرئيس محمود عباس. وكان ترامب كرّر مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، فبعد شراء غزّة وإمتلاكها، صرح أن الفلسطينيين لن يكون بمقدورهم العودة إلى غزّة "إذ سيحصلون على مساكن أفضل بكثير". وأردف "بعبارة أخرى، أتحدث عن بناء مكان دائم لهم". كما قال، في حديث صحفي، "في الأثناء، سأملك أنا هذه (الأرض). فكروا فيها كمشروع تطوير عقاري من أجل المستقبل. ستكون قطعة أرض رائعة. لن يتم إنفاق كثير من المال".

في غضون ذلك، وسعت قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال التعليمات الخاصة بإطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بالتزامن مع تمدّد نطاق عملياتها لتشمل مدن وبلدات أخرى على وقع حملات التهجير والاعتقالات العشوائية. والتعليمات الجديدة الصادرة تسهل قتل المدنيين الفلسطينيين حتى لو كانوا غير ضالعين بالمعارك، بمن فيهم الأطفال، وهو ما يعني قتل أي شخص فلسطيني يصادفه جنود الاحتلال. وجاء ذلك بحسب ما كشفته صحيفة "هآرتس" بمبادرة من قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، اللواء آفي بلوت، وقائد فرقة الضفة الغربية ياكي دولف.

وعلى المقلب السوري، حدّد الرئيس أحمد الشرع رؤيته ومعالم المرحلة المقبلة، راسماً خطوط واضحة حول آلية العمل. وفي حين رأى "أن عقلية الثورة لا تبني دولة"، شدّد على أن "المرحلة الجديدة تشمل إعادة بناء الدولة، والتنمية الاقتصادية، والسعي نحو الاستقرار والأمن الإقليمي، وطمأنة الدول المجاورة وإقامة علاقات استراتيجية بين سوريا والدول الغربية والدول الإقليمية". ولفت إلى أن تعيينه كرئيس كان وفقاً للأعراف الدولية وبعد التشاور مع خبراء دستوريين. وقال: "الآن سننتقل إلى الحوار الوطني، الذي سيشمل طيفاً واسعاً من المجتمع، وسيؤدي إلى توصيات تمهد لإعلان دستور جديد، كما سيتم تشكيل برلمان مؤقت، وسيتولى هذا البرلمان تشكيل لجنة دستورية لصياغة الدستور الجديد".

من جهتها، نقلت "العربي الجديد" عن مصادر دبلوماسية مصرية، قولها إن القاهرة تلقت إشارات إيجابية تفيد بأن الشرع سيحضر اجتماع القمة العربية ممثلاً عن سوريا. وتبحث القمة المزمع عقدها أواخر الشهر الحالي الأوضاع في غزّة، ولاسيما الخطط الإسرائيلية - الأميركية لتهجير سكان القطاع. وبحسب المصادر عينها، فإن "دوائر مصرية تعكف في الوقت الحالي على ترتيب لقاء على هامش القمة، بين الشرع ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي".

الى ذلك، شهدت الحدود اللبنانيّة - السورية هدوءاً حذراً ولم يسجل أي إطلاق نار بعد قيام الجيش اللبناني بتعزيز انتشاره وإغلاقه المعابر غير الشرعيّة بالسواتر الترابية. ومنذ سقوط النظام، تحاول الإدارة السورية الجديدة بتضييق الخناق على "حزب الله" والسيطرة على خطوط إمداده بالاسلحة كما بتوقيف شبكات التهريب وتجار المخدرات من خلال إحكام السيطرة على المنافذ والمعابر من الجانب السوري، خصوصاً أن الحدود المشتركة بين البلدين تحولت في عهد النظام المخلوع الى مركزٍ مُنظم لمثل هذه العمليات. وهذا الكلام عبر عنه قائد المنطقة الغربية في إدارة أمن الحدود السورية مؤيد السلامة، الذي أكد أن "حزب الله" "بات يشكل تهديداً بوجوده على حدودنا، من خلال رعايته لمهربي المواد المخدرة والسلاح"، مشيراً إلى بدء حملة تمشيط لضبط الحدود الغربية.

وبما يتعلق بلبنان، أفادت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر أنّ "نتنياهو طلب من ترامب تأجيل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان إلى ما بعد 18 شباط/فبراير الحالي"، في ظل ضغط لبناني واتصالات على أعلى مستوى لضمان عدم تلكؤ تل أبيب بتنفيذ الإنسحاب الكامل رغم أن الجانب الاسرائيلي يحاول ضمان بقائه في عدد من التلال الاستراتيجية المشرفة بهدف بسط سيطرته وهو الذي يعمد بشكل يومي الى خرق اتفاق وقف النار. وهذا التحدي سيكون من أولويات الحكومة الجديدة التي يحاصرها عدة قضايا داخلية ضاغطة بعد أكثر من عامين من التعطيل، ومنها أهمية اقرار خطة ماليّة وإصلاحات اقتصادية كما تحضير البلاد لاجراء انتخابات نيابية، الالتزام ببنود القرار 1701 وتطبيق مفاعيله لارساء الاستقرار الذي سيمهد الطريق أمام إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيليّة الأخيرة.

أما ايرانياً، فقد هاجم الرئيس مسعود بزشكيان في خطاب ذكرى "ثورة 1979" الرئيس ترامب بعد عودته الى سياسة "الضغوط القصوى"، متهماً إياه بالسعي إلى "تركيع" بلاده، وقال: "إذا كانت الولايات المتحدة صادقة بشأن المفاوضات، فلماذا فرضت عقوبات علينا؟". وأضاف "يريدون ترسيخ فكرة ضعف إيران لدى الرأي العام، وأن هذا هو أفضل وقت لضربها... لكنهم سيأخذون أحلامهم معهم إلى القبر".

ولم تختلف اهتمامات الصحف العربية الصادرة اليوم التي صبّت عناوينها ومقالاتها في اتجاه القرارات الاميركية الداعية لتهجير الفلسطينيين وسط اشادة اسرائيليّة وتخوف عربي. وبهذا الاطار نرصد أبرز ما ورد:

رأت صحيفة "الوطن" البحرينية أنه "وبسبب العنجهية الإسرائيلية في التعامل مع ملف غزّة، فإن مستقبل عمليات السلام بين إسرائيل وبقية الدول العربية بات مهدداً هو الآخر، وبالتالي فإن حُلم إسرائيل بالتطبيع مع دول عربية كبرى لم يُعد ممكناً الآن، بل أصبح بعيد المنال". وقالت: "لن ينفع إسرائيل لجوءها إلى حلفائها لتحقيق أهدافها بشأن غزّة، سواء بتهجير أهلها، أو استمالة المزيد من الدول العربية للتطبيع معها، وهؤلاء الحلفاء مهما جدوا واجتهدوا في دعم إسرائيل، فإن هناك حدوداً لا يقبل العقل أو المنطق تجاوزها".

واعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن تراجع ترامب "لم يأتِ من فراغ ولكنه كان نتاج ضغط دبلوماسي مصري شديد ورفض دولي واسع لخطة حاول خلالها أن يظهر أنه القلب الرحيم الذي لا يريد لأهل غزّة العيش في الجحيم وسط الدمار والخراب وأن بإمكانهم العودة إليها بعد إعادة تعميرها وتحويلها إلى جنة وريفيرا.. والجميع يعرف أن المخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية"، محذرة من أن "الخطر سيظل قائماً طالما بقي في البيت الأبيض وظل حليفه الصهيوني بالسلطة في إسرائيل.. ولن تمنعهما أي قوانين أو قرارات أو شرعية دولية".

هذا ونبهت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "فكرة ومشروع الدولة الفلسطينية لم يتعرض لتحديات وجودية ومخاطر إستراتيجية مثلما يتعرض لها هذه الأيام، كما لم تواجه الدول العربية تحديات وجودية كما هو في هذه المرحلة"، موضحة أن "هذه التحديات قد تكون فرصة ليتوحد الفلسطينيون من خلال تنسيق مواقف كافة فصائل المقاومة، كما أن التصريحات الأمريكية والإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني والأمن العربي تعد فرصة ثمينة لتقارب الدول العربية وتنسيق مواقفها".

وفي الاطار عينه، رأت صحيفة "الوطن" العُمانية أن "ترامب حاول أن يوهم العالم بأنَّه يسعى للسَّلام وإطفاء الحرائق ووقف الحروب من دون أن يدرك مخاطر التهجير القسري لشَعبٍ يقاوم هذا المنحى في مسار القضية الفلسطينية، لافتة الى أنه تحول "من ساعٍ للسَّلام ـ كما يزعم ـ إلى محرِّض على إشعال النيران وتسعيرها، في موقف حوَّله إلى أداة من أدوات التَّحريض على سلبِ حقوق الآخرين".

وتحدثت صحيفة "القدس العربي عن ما اسمته تعامي الرئيس الأميركي عن حقيقة "أن أسباب الحال التي ظهر عليها الرهائن الإسرائيليون إنما تعود إلى تعنت نتنياهو ودأبه على إفشال صفقات تبادل سابقة، وهذا باعتراف وزير حربه السابق يوآف غالانت"، مؤكدة أن "سلوك ترامب ليس مفاجئاً بالطبع، إذْ لا يُنتظر منه ما هو أدنى من دموع التماسيح الزائفة الانتقائية هذه، خاصة وأنها تصدر عن تاجر عقارات يسيل لعابه على امتلاك قطاع غزّة".

من جانبها، تناولت صحيفة "الدستور" الأردنية زيارة الملك عبدالله الثاني الى واشنطن حيث نوهت إلى أن "الزيارة تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، فهي تأتي في توقيت سياسي دقيق وبالغ الحساسيةِ، إذْ تتصاعد أدخنة الأزمات في المنطقة،لكن الملك يحمل معه اللاءات التي يعرفها الأردنيون والعالم جيداً". وأردفت "فلسطين ليستْ أوراقاً في ملفات ترامب، فلسطين وطنٌ من لحم ودم، وتاريخ أمة ضاربة في عمق التاريخ، ومستقبل ممتدّ، تريد أنْ تستكمله مع أمتها الكبيرة، وهذا بالطبع ما يجب أنْ يفهمه ترامب".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن