وجهات نظر

هل ينزل ترامب من فوق الشجرة؟

صعد ترامب إلى أعلى الشجرة في الرابع من هذا الشهر، بتكراره مطلب تهجير الفلسطينيين إلى مِصر والأردن، وهذا اقتراح سبق طرحه في أطر وسياقات مختلفة حتى قبل إنشاء الدولة الإسرائيلية. وزاد ترامب بإعلانه أنّ الولايات المتّحدة تعتزم السّيطرة على قطاع غزّة وتحويله إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط.

هل ينزل ترامب من فوق الشجرة؟

هذا الإعلان من أقوى دولة في العالم عن اعتزامها الاستيلاء بالقوة على أرضٍ فلسطينية، مثَّل صدمة غير متوقعة لم يذهب إليها خيال أحد ممن اشتغلوا على سيناريوات اليوم التالي في غزّة. فلقد كان هناك مَن فكروا في إدارة عربيّة أو حتى مصريّة للقطاع، وشكّك آخرون في هذا الطرح الذي قد يجعل الجهة المعنيّة في وضع الوَصي على القطاع ويضعها لاحقًا في مواجهة مع حركات المقاومة. وهناك مَن ذهبوا إلى عودة السُّلطة الوطنية لحُكم غزّة، وحاجَجَهم آخرون بأنّ السلطة فاقدة مصداقيتها وشرعيتها الفلسطينية وبالتالي فقد يكون من الأوْفق البحث عن شخصيّة فلسطينيّة وازِنة تحظى بالمقبوليّة في الداخل ولا تثير مخاوف الخارج. وهناك مَن توقَّعوا أن ترجع إسرائيل لاحتلال القطاع، لكن ذكّرهم آخرون بتجربة الانسحاب من غزّة في عام 2005 وبأنّ المجرَّب لا يُجرَّب.

الكثير من المحلّلين ربطوا مفاجأة ترامب الصادِمة بولعه بالشهرة ولَفْت أنظار العالم

ثم أتى اتفاق وقف إطلاق النار وارتبط مفهوم اليوم التالي - ولو مؤقّتًا - بمفهوم الانتقال من مرحلة لأخرى في تطبيق الاتفاق. هذا كلّه حدث، أمّا أن يتخيّل أحد أن تستوليَ الولايات المتحدّة على قطاع غزّة فهو ما لم يخطر ببال أحد.

لم يأخذ الكثير من المحلّلين مفاجأة ترامب الصادِمة على محمل الجدّ، بل ربطوها بولع الرئيس الأميركي بالشهرة ولَفْت أنظار العالم، وأنه كما تحدّث عن رغبته في ضمّ كندا واحتلال غرينلاند واستعادة قناة بنما فإنه تحدّث عن السيطرة على غزّة. ورأى آخرون أنّه مع التسليم بأنّ ترامب يمتلك من أدوات الضغط في قطاع غزّة ما لا يمتلكه في الحالات الأخرى، إلّا أنّهم تحدّثوا عن عاملَيْن أساسيَّيْن قد يدفعان به للنزول من أعلى الشجرة.

العامل الأول خارجي أيّ الرفض الفلسطيني والعربي والعالمي لخطة ترامب، وهذا الرفض له أسبابه الحقوقية والقانونية بالتأكيد، لكن له أيضًا علاقة بالرغبة في كبح جماح إدارة ترامب وآثاره الكارثيّة من أوّل إشعال الحروب التجارية وحتى إضعاف المؤسسات الدوليّة مرورًا بخلْق أسباب الفوضى غير الخلّاقة.

أما العامل الثاني، والذي سيركّز عليه هذا المقال لقدرته على التأثير في شخص مثل ترامب، فإنه يتعلّق بالمشاكل الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي والتي ستجعله يُركِّز عليها.

هناك بدايةً المشكلة المترتِّبة على إعادة هيكلة الإدارات الحكومية لتقليل أعداد موظفيها وخفض ميزانياتها مما أثار حنق قطاعات واسعة من الأميركيّين ودفعهم للجوء إلى القضاء. هناك أيضًا رغبة ترامب في إعادة ترشيح نفسِه لولاية رئاسية ثالثة. وعلى الرَّغم من أنّ هذه الخطوة تتطلّب تعديلًا دستوريًّا يقترحه ثلثا أعضاء مجلسَيْ النواب والشيوخ وهو ما لا يملكه الجمهوريّون في الوضع الحالي، إلّا أنَ البعض يرى إمكانية التّحايل عن طريق ترشّح جي دي فانس نائب ترامب للرئاسة في 2028 وترشّح ترامب نائبًا له، ليعود فانس ويستقيل بعد فوزه ويخلفه ترامب. هذا التّخطيط فيه الكثير من الخيال لكنه مع شخص مثل ترامب ربما يستحقّ المغامرة.

ترامب يحتاج إلى إعادة ترتيب البيت الأميركي الداخلي قبل أن يتطلّع لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني

كما توجد ثالثًا منافسة إيلون ماسك النّجم الصاعد كالصّاروخ في سماء السياسة الأميركية - وهي المنافسة التي بدأَت وسائل الإعلام تتحدّث عنها على أساس أنّ ماسك ربما يكون خليفة ترامب. هنا أيضًا يوجد قيد دستوري لأنَّ ماسك من مواليد جنوب أفريقيا ما يجعله فاقدًا لأحد شروط الترشّح للرئاسة، ومع ذلك هناك نقطتان جديرتان بالاهتمام، إحداهما أنّ فتح الباب لتعديل الدستور من أجل زيادة عدد ولايات الرئاسة قد يُغري بالسّعي وراء المزيد من التعديلات الأخرى كما في تعديل شرط الميلاد، مع مراعاة وجود التعقيدات الإجرائية نفسها التي سبقت الإشارة إليها. والنقطة الأخرى أنّ ماسك يمتلك أهم عناصر القوة في المجتمع الأميركي وهي الثروة الطائلة والذّكاء بشقّيْه الفطري والاصطناعي والطموح غير المحدود. وبالتّالي فإنّ ماسك يشكّل تهديدًا محتملًا لترامب. وبالفعل، بدأَت تتّضح بعض بوادر التوتّر الخفي بين الرجلين بعد نحو ثلاثة أشهر من فوز ترامب بولاية ثانية. ويظهر لنا ذلك حين نقارن ما قاله ترامب عن ماسك في خطاب النجاح حيث وصفه بأنه "النجم الخارق والعبقري الذي لا مثيل له في العالم كله" - بما قاله ترامب للصحافيين مطلع هذا الشهر عندما ذكر ما نصّه "لا يستطيع إيلون ماسك أن يفعل ولن يفعل أي شيء من دون موافقتنا".

صفوة القول إنّ ترامب يحتاج إلى إعادة ترتيب البيت الأميركي الداخلي قبل أن يتطلّع لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبالتّالي فإنَّ بقاءه فوق الشجرة قد لا يطول. ولئِن كان هذا لا يعني أنّ مشروع التهجير طُويت صفحته للأبد، لكنّه يعني أنه ربما يمضي بعض الوقت قبل أن يعتلي ترامب أو غيره الشجرة نفسها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن