تتسارع وتيرة التطورات في المنطقة العربية والعالم منذ وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى البيت الابيض وتصريحاته المثيرة للجدل خاصة بما يتعلق بفلسطين وشعبها ومستقبل البلاد الرازحة تحت ظروف اقتصادية ومعيشيّة متدهورة نتيجة الحرب الاسرائيليّة الشعواء التي استمرت 15 شهراً وما يقابلها من عملية عسكرية مستمرة في الضفة الغربية، والتي شرّدت حتى اليوم ما يُقارب الـ50 ألف فلسطيني. وتتعاظم المخاوف العربية، لاسيما في مصر والاردن، من تكرار مواقف "التهجير القسري" لتحقيق رؤية "ريفييرا غزّة".
وتتمسك واشنطن برؤيتها التي أعاد ترامب التأكيد عليها خلال لقائه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني متسلحة بحاجة هذه الدول اليها، حيث أن حجم مساعداتها لمصر يبلغ 1.4 مليار دولار لهذا العام، فيما حصة الأردن تتجاوز 1.45 مليار دولار، معظمها تقوم على المعونات الاقتصادية. ولطالما استغلت الادارات الاميركية المُتعاقبة هذه "الورقة" للمساومة وفرض أجندتها على الدول العربية التي ستحاول الخروج بموقف موحد وخطة عربية متكاملة خلال القمة المُزمع عقدها في القاهرة أواخر الشهر الحالي. وليس من المعروف حتى اللحظة قدرة هذه الدول وخطتها في التأثير على ترامب ودفعه نحو التخلي عن مطلب التهجير وتنفيذ خطط اسرائيل التوسعيّة وتعزيز نفوذها.
انطلاقاً من ذلك، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني على وحدة موقف بلديهما بشأن غزّة، وشدّدا على أهمية البدء في إعادة إعمار القطاع على الفور دون تهجير سكانه مع التشديد على "التعاون الوثيق" مع الرئيس ترامب بهدف تحقيق "السلام الدائم عبر مسار حل الدولتين". وتصرّ الدول العربية على التمسك بالمبادىء واللاءات لجهة رفض التهجير والتوطين واستمرار الحرب وتداعياتها الكارثية. ومن هنا يدأب الوسطاء على إيجاد حلول لمنع انهيار الهدنة الهشة في القطاع المنكوب واستئناف المرحلة الاولى من الاتفاق بما فيها دفع "حماس" للعودة عن قرارها وتسليم الرهائن الاسرائيليين بعد غد السبت مقابل الالتزام بالبروتوكول الانساني وادخال المساعدات، لاسيما الوقود والمعدات الطبية بشكل عاجل.
ولهذه الغاية، وصل وفد من "حماس" الى القاهرة لاجراء مباحثات مع المسؤولين المصريين بالتزامن مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى إسرائيل حيث ستصب محادثاته في إطار استكمال مفاوضات وقف النار، وذلك بعدما هدّد ترامب بفتح "أبواب الجحيم الحقيقي" على "حماس" في حال عدم تسليم الرهائن، الأمر الذي تبناه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراءه من اليمين المتشدّد الذين دعوا لنسف الهدنة والعودة فوراً الى الحرب والتدمير.
وبعد الدول العربية وتكرار مواقفها الرافضة، انتقد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مقترح ترامب، معتبراً "أن الوضع في غزّة لا يمكن حله بصفقة عقارية". فيما عارضت الصين، ما وصفته بـ"التهجير القسري" للفلسطينيين، مؤكدة أن "غزّة للفلسطينيين وهي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية". الى ذلك، أشارت وزارة الخارجية الأميركية الى أن الوزير ماركو روبيو سيزور أوروبا والشرق الأوسط من 13 إلى 18 شباط/فبراير الحالي، موضحة أنه سيزور ألمانيا وإسرائيل والسعودية والإمارات.
القضية الفلسطينيّة وتداعياتها الخطيرة لم تحجب الاضواء عما يجري في لبنان بعد اعلان الجيش الإسرائيلي تمديد فترة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار للمرة الثالثة، رغم الرفض اللبناني والاتصالات التي أجريت على أكثر من صعيد من أجل الضغط لتحقيق الانسحاب الكامل خلال الموعد المحدد في 18 شباط/فبراير الجاري. وفي هذا الاطار، نقلت "هيئة البث العامة الإسرائيليّة" عن مسؤولين كبار في الحكومة قولهم إن الاحتلال حصل على "إذن" من الولايات المتحدة بالبقاء في عدة نقاط في لبنان بعد الموعد المُتفق، دون تأكيد أميركي رسمي حتى الساعة.
هذا ويستغل العدو الاتفاق حيث تواصل قواته تفجير المنازل وجرف الأراضي والممتلكات في القرى والبلدات الحدودية بشكل يومي، ما يزيد من الخسائر الاقتصادية والضغوط الملقاة على عاتق الدولة اللبنانية. يُشار الى إن الطيران الإسرائيلي خرق أمس جدار الصوت فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية، محلقاً على علو منخفض للمرة الأولى منذ دخول اتفاق وقف النار حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. في غضون ذلك، اتهم بيان لجيش الاحتلال "فيلق القدس" و"حزب الله" بأنهما "استغلا مطار بيروت لتهريب أموال مخصصة للتسليح على رحلات مدنية". وأضاف البيان "أبلغنا آلية مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار لإحباط عمليات تهريب الأموال عبر المطار".
وفي المشهد السوري، أعلنت الرئاسة الروسية عن اتصال هاتفي للرئيس فلاديمير بوتين، بنظيره أحمد الشرع، هو الأول من نوعه بين الجانبين، منذ سقوط النظام السابق الذي كان من أشد حلفاء موسكو. ووصف الكرملين المحادثة بـالـ"بنّاءة وعملية وموضوعية"، حيث جرى خلالها مناقشة "عدة قضايا ملحة تتعلق بالتعاون العملي في المجالات التجارية والاقتصادية والتعليمية وغيرها"، كما أبدى بوتين استعداد بلاده للمساعدة في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا. وتحاول روسيا منذ سقوط نظام بشار الأسد بإرسال عدة اشارات ايجابية وداعمة للقيادة الجديدة بغية الحفاظ على مصالحها في سوريا، وعلى رأسها القاعدتين العسكريتين اللتين تعتبران أولوية للعاصمة الروسية لما تكتسبان من بعُد استراتيجي جيوسياسي. بدورها لم تكن حكومة الشرع بعيدة عن هذا الانفتاح الذي قابلته بالترحيب والتأكيد على العلاقات التي تجمع بين البلدين.
وعلى خطٍ موازٍ، اجتمع الشرع مع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني بعد صدور قرار التشكيل من أجل بحث مستقبل البلاد، بحسب ما ذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا). في وقت أكد وزير الخارجية أسعد الشيباني أن حكومة جديدة ستولد في آذار/مارس القادم، أي بعد انتهاء المدة المحددة لحكومة تسيير الأعمال الحالية، مطالباً الأطراف الدولية بدعم سوريا الجديدة وإقناع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة برفع العقوبات الاميركية، التي تزيد من الضغوط الاقتصادية التي ترزح تحتها البلاد.
وفي حدث دولي لافت قد يضع حداً للحرب الدائرة في أوكرانيا، أعلن الرئيس ترامب أنه سيعقد اجتماعه الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السعودية، بمشاركة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجاء ذلك بعد بضع ساعات من مكالمة هاتفية استمرت ما يقارب الساعة ونيّف بين ترامب وبوتين حيث ناقشا خلالها أهمية وقف الحرب الدائرة في أوكرانيا والشروع في محادثات "فورية". يُذكر أن اتصال مماثل حصل بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي أمل في أن تتدفع واشنطن نحو تعزيز "فرص التوصل الى سلام" في بلاده.
إزاء هذه التطورات الحاصلة، تداعى وزراء خارجية ست دول أوروبية (فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا) وأوكرانيا الى عقد اجتماع في باريس، ليل أمس، حيث أكدوا أن أوروبا وكييف ينبغي أن "تشاركا في أيّ مفاوضات" لوقف الحرب الدائرة، مشددين أيضاً على أن "أوكرانيا يجب أن تستفيد من ضمانات أمنية قوية". وتنبع المخاوف الاوروبية من أن يصب الاتفاق لصالح روسيا وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الذي قال إن "التخلي عن أوكرانيا وإجبارها على الاستسلام، سيكون بمثابة تكريس نهائي لقانون الأقوى ودعوة موجّهة إلى جميع الطغاة على هذا الكوكب لغزو جيرانهم والإفلات من العقاب".
أما في الشق الايراني، فقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة قولها إن تقييماً أعدته الاستخبارات الأميركية خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس السابق جو بايدن خلص إلى أن إسرائيل تفكر في توجيه ضربات واسعة هذا العام لمواقع إيران النووية، لافتة الى أن "إسرائيل ستضغط على إدارة الرئيس ترامب لدعم الضربات، حيث تعتبره أكثر ميلاً للانضمام إلى الهجوم من الرئيس بايدن وتخشى من فوات فرصة وقف سعي طهران للحصول على سلاح نووي".
المواقف العربية الرافضة لمخطط التهجير عكستها الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث نرصد:
أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "ترامب تعهد غير مرة بأنه سينهي الحرب المروعة في غزّة وسيعمل على إحلال السلام في المنطقة، وربما استبشر البعض بتعهداته أو انخدعوا، لكن ما يطرحه اليوم بشأن السيطرة على القطاع الفلسطيني وامتلاكه وبيعه أو جلب جنسيات عدة لاستيطانه، أمر صادم ومروع، ولن يستطيع عربي واحد أن يقبله"، مشددة على أن "التخلي عن الأرض هو تخلٍّ عن الهوية والوجود، وهذه الرسالة يجب أن تستوعبها إدارة ترامب، وأن تبحث عن مقاربات أخرى غير تهجير الفلسطينيين والسيطرة على غزّة".
ورأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن القمة العربية المقبلة التي ستُعقد في القاهرة "هي فرصة العرب لمنع تصفية القضية الفلسطينيّة"، داعية الدول العربية، في مقال، أن "تبدأ من اليوم وليس الغد بأن تبعث برسائل لأمريكا تفيد أن بأيديهم أوراق قوة كما كانوا في حرب 1973 مثل قطع البترول وعدم التطبيع مع إسرائيل، فهل تستطيع الدول العربية أن تكون لها كلمة قبل القمة العربية المقبلة حتى تكون لقراراتها معنى؟".
بدورها، أكدت صحيفة "الغد" الأردنية أن القمة التي جمعت بين ترامب والعاهل الاردني في واشنطن "جرت في مناخات مغايرة تماما لما كان سائدا إبان صفقة القرن في عهد ترامب الأول، حيث الانقسام والتباين في المواقف العربية والدولية حيالها". وأضافت "القمة الأردنية الأميركية هي بداية لتحرك عربي ودولي يحفر قبر خطة التهجير الترامبية لكن من المهم أن يمسك العرب زمام المبادرة ويمضوا في تطبيق مشروعهم، حتى لا يقال إن لا خطة على الطاولة غير خطة ترامب"، وفق تعبيرها.
ومن وجهة نظر صحيفة "الوطن" العُمانية، فإن الموقف الاميركي "لم يعُد مجرد انحياز سياسي تقليدي، أو حماية من الحساب، بل أضحى إعلاناً عن شراكة مباشرة في تنفيذ مخطط استيطاني قائم على تفريغ الأرض الفلسطينيّة من سكانها تحت غطاء السَّلام والإدارة الصَّحيحة"، لافتة الى أن "ما يزيد الأمر خطورة أن هذه الرؤية تأتي في لحظة مفصليّة، حيث يتعرض قطاع غزّة لعدوان غير مسبوق يستهدف بنيته الأساسيّة وسكانه، وكأن الحصار والتدمير الجماعي ليسا سوى مقدمة قسرية لدفع الفلسطينيين إلى قبول التهجير كخيار وحيد".
من جانبها، قالت صحيفة "عكاظ" السعودية "واحدة من مشكلاتنا في هذا الإقليم هي عدم استقراره لمدة مئة عام وأكثر، ومقارنة مع أوروبا -القريبة منا- سنجد أن آخر صراعات شهدتها كانت الحرب العالمية الثانية، بينما عاش الإقليم العربي عشرات الحروب والانقلابات والثورات والخضات"، معتبرة أنه "لا مجال أمام الإقليم العربي إلا الخيار الاقتصادي وإلا سنبقى نرزح تحت وطأة الحروب والدماء والآلام لسنوات طويلة، فلا أتصور أن السوريين ولا اللبنانيين ولا الفلسطينيين -على سبيل المثال- قادرون على تحمل المزيد من الدماء والمآسي".
إلى ذلك، علّقت صحيفة "اللواء" اللبنانية على قرار التمديد الاسرائيلي الجديد لاتفاق وقف النار في لبنان بالاشارة الى أنه "يتعارض كليا مع وعود واشنطن، ويبقي لبنان في مرحلة مراوحة جديدة مع الحاجة الضرورية، للمباشرة بازالة الأضرار التدميرية للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وبدء عملية إعادة الاعمار". وخلصت الى أنه "ساعات قليلة ينتظرها لبنان، لمعرفة الموقف الاميركي، الذي يتراوح حاليا، بالزام إسرائيل للانسحاب أو الانحياز الكامل لها، كما تفعل باستمرار".