تعيد الولايات المتحدة الاميركية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض تحديد الأولويات والإنطلاق بمسارات سياسيّة مُختلفة لم يعهدها الحلفاء والخصوم على حدٍ سواء. فسلسلة القرارات المُريبة والتصريحات المثيرة للجدل خاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينيّة والحرب الاوكرانية، تشي بأن الرجل الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإحلال "السلام" ووقف الحروب والالتفات للقضايا الداخلية مع رفع شعار "أميركا اولاً"، سيحقق ذلك على حساب سيادة واستقرار بعض الدول من خلال منح "تفويض" لاسرائيل لاستكمال توسعها وتهجير الفلسطينيين والتشجيع على ضم الضفة الغربية المحتلة كما الأمر عينه يبدو في اوكرانيا، التي تحولت الى "شاهدٍ" في إطار جولة المفاوضات الاميركية الروسية التي عُقدت، أمس، في السعودية.
ويتجلى الدعم الأميركي لاسرائيل ايضاً من خلال نقض تل أبيب لاتفاقها المُبرم مع لبنان بعد الانسحاب الاسرائيلي "الجزئي" من الجنوب رغم انتهاء مهلة تطبيق اتفاق وقف النار مع الاحتفاظ بخمس مواقع استراتيجيّة رئيسية على طول الحدود، وهو ما دفع بالرؤساء اللبنانيين الثلاثة الى عقد اجتماع طارئ في بعبدا، أكدوا، على إثره، اعتماد المقاومة "الديبلوماسية" والتوجّه رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أقر القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيليّة وإلزام تل أبيب بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية، مشددين على "اعتبار استمرار الوجود الإسرائيليّ في أي شبر من الأراضي اللبنانية احتلالًا، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج قانونيّة وفق الشرعية الدولية".
وفي التفاصيل الميدانية، انسحب العدو من البلدات والقرى التي كانت لا تزال تحت سيطرته وأبرزها يارون ومارون الرأس وبليدا وميس الجبل وحولا ومركبا والعديسة وكفركلا والوزاني، ما سمح للاهالي بالدخول اليها لتفقد أرزاقهم وممتلكاتهم والبحث عمن يزال تحت الركام. إلا أنّ عدم تحرر الأرض كاملة ترك "غصة" و"حسرة" بعدما بقي الاحتلال في اللبونة، وجبل بلاط، ومارون الراس، والحمامص، وموقع بين بلدتي حولا ومركبا. وسيكون لهذا الموضوع تداعياته وسيتصدر اولويات الحكومة في الايام المقبلة خاصة بعد نيلها الثقة في المجلس النيابي، حيث دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة تُعقد الاسبوع المقبل وذلك لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الذي أسقط لأول مرة معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، وحصر الدفاع بيد القوى الامنية والدولة حصراً.
هذا ويتحضر لبنان يوم الاحد لتشييع الامين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله في مراسم ضخمة ووسط توقعات بحضور حشود كبيرة بعدما اكتملت التجهيزات والتحضيرات. يُذكر أنه، في هذا الإطار، سيتم تعليق حركة الطيران في مطار رفيق الحريري الدولي خلال التشييع من الساعة 12 ظهراً إلى 4 بعد الظهر مع إعادة جدولة مواعيد الرحلات.
التطورات اللبنانية تواكب المستجدات العربية والاقليمية، لاسيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتداعيات المقترح الاميركي القاضي بتهجير سكان قطاع غزّة، حيث أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة ستستضيف القمة العربية الطارئة في 4 آذار/ مارس المقبل بعدما كان مقرراً أن تُعقد في 27 شباط/ فبراير الحالي، الا انه لأسباب لوجيستية ولضمان حشد اكبر عدد ممكن من الحضور عملت القاهرة على تغيير موعده. فيما تنشط مصر للترويج لمقترحها القاضي باعادة اعمار غزّة دون تهجير سكانها. ووفق المقترح فسيتم تقسيم القطاع الى 3 مناطق انسانيّة مع توفير الاموال اللازمة لاعادة الاعمار، ومن المقرر طرح الخطة على القمة العربية الطارئة المُرتقبة.
وفي هذا السيّاق، نقلت "العربي الجديد"، عن مصادر مصرية، قولها إن مشاورات موسعة تجري بين القاهرة وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، في شأن صياغة آلية شراكة وإشراف على لجنة مؤقتة يشكلها المصريون من شخصيات فلسطينية مستقلة، لا تتبع أياً من حركتي فتح وحماس أو السلطة الفلسطينية، لإدارة قطاع غزة، بإشراف مصري مباشر ومتابعة أوروبية، موضحة أن القاهرة توصلت إلى تفاهمات مع حركة "حماس" بالابتعاد عن كافة مظاهر الإدارة المدنية في القطاع بما فيها الجانب الأمني، مؤكدة أن الحركة أبدت مرونة وتعاوناً في هذا الجانب.
ونجحت المفاوضات ومساعي الوسطاء في اتمام صفقة ستعيد لاول مرة جثث اربع رهائن اسرائيليين يوم غد، الخميس، فيما ستطلق حركة "حماس" والفصائل ست رهائن "أحياء" يوم السبت، وذلك في إطار تسريع إطلاق مفاوضات المرحلة الثانية التي لم تبدأ بعد. وفي حال تم الاتفاق، ستكون إسرائيل قد حصلت في المرحلة الأولى على 33 أسيراً، ويتبقى لدى "حماس" 59 محتجزاً آخرين من بينهم 28 قتيلاً على الأقل. من جانبها، ذكرت وسائل اعلامية اسرائيليّة أن تل ابيب التزمت السماح بإدخال الكرفانات والمعدات الثقيلة إلى قطاع غزّة "بعد تفتيش صارم".
تزامناً، قالت "هيئة البث الإسرائيلية" إن نتنياهو قرر بدء المفاوضات بشأن المرحلة الثانية رسمياً، وأبلغ المجلس الوزاري السياسي والأمني (الكابينت) بذلك. وبحسب الهيئة، فإن مفاوضات المرحلة الثانية ستبدأ مع وصول المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف الى إسرائيل. الا انه بحسب صحيفة "معاريف" الاسرائيليّة، فإن احتمالات نجاح المفاوضات حول المرحلة الثانية "ليست عالية"، عازية السبب الى أن "حماس" لن تقبل بالمطلب الإسرائيلي بنزع سلاحها، علاوة على نفي قادتها إلى خارج القطاع وإزالتها من السلطة. وعليه، تقدّر مصادر إسرائيلية رفيعة أن "ثمة احتمالات عالية لوصول المفاوضات إلى طريق مسدود"، ما يمنح إسرائيل بحسبهم "شرعية للعودة إلى الحرب. وهذه المرّة بطريقة مغايرة كلياً، وأكثر شدّة، حيث ستُستأنف الحرب بدعم كامل من الرئيس ترامب".
وفي تطور أمني بارز، اعلنت قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) دمج المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة لها مع المؤسسات الأمنية للإدارة الذاتية، تمهيداً للدخول في هيكلية الجيش السوري، في حين دعا قائدها العام مظلوم عبدي، الرئيس أحمد الشرع لزيارة المناطق الخاضعة لسيطرة قواته بشمال شرقي سوريا، مهنئاً إياه بتوليه رئاسة البلاد للفترة الانتقالية. وهذا الاعتراف للأكراد بالشرع والاندماج قي الدولة سيسهم في خفض التصعيد على الجبهة السورية وترسيخ حد أدنى من الاستقرار بظل محاولات الادارة السورية الجديدة حشد الدعم العربي والدولي ورفع العقوبات لتدعيم الاقتصاد واعادة الاعمار، وهما معضلتان تواجهان دمشق بعد الحرب الطويلة التي استنزفت البلاد وقطاعاتها.
دولياً، يُخيم التباعد في وجهات النظر بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي بشأن التعامل مع الحرب في اوكرانيا على العلاقات بين الجانبين التي يعتريها الكثير من انعدام الثقة والمخاوف من تغيير النهج الاميركي الحاصل، خاصة بعد استبعاد كييف والدول الاوروبية عن الاجتماع الذي جمع الوفدين الاميركي والروسي في المملكة العربية السعودية. وقد انتقد الرئيس دونالد ترامب نظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي وصفه بـ"غير كفء"، وقال "خاب أملي، سمعت أنهم انزعجوا لأنهم لم يحصلوا على مقعد" إلى طاولة المحادثات. واذ وصف الاجتماع بين الوفدين الاميركي والروسي بـ"الجيد للغاية"، أكد أنه لن يعارض الأوروبيين في حال أرادوا إرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا لتوفير ضمانات أمنية في حالة التوصل إلى اتفاق سلام، لكن دون مساهمة الولايات المتحدة في هذه القوات، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز".
وكان الاجتماع بين الموفدين الأميركي والروسي خلص الى تعيين "فرق رفيعة المستوى" للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا، بحسب ما أفادت وزارة الخارجية الأميركية. ويعتبر هذا اللقاء هو الابرز منذ اندلاع الحرب الاوكرانية في العام 2022 ويؤسس لمرحلة جديدة من التقارب بين القطبين الاميركي والروسي خاصة بعد التباعد الكبير في عهد ادارة الرئيس السابق جو بايدن كما أنه يحضر الارضية للقاء يجمع ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
في غضون ذلك، جددت السعودية الترحيب باستضافة المباحثات في إطار مساعيها لتعزيز الأمن والسلام في العالم، وذلك خلال جلسة لمجلس الوزراء برئاسة ولي العهد رئيس المجلس، الأمير محمد بن سلمان. يُشار الى ان عدة دول عربية اعربت عن ترحبيها بالخطوة ودورها في إنهاء الحرب مع التأكيد على محورية الرياض والدور الذي تضطلع به في اطار دعم جهود السلام الدولية.
الى ذلك، تجهد الدول الاوروبية الى توحيد مواقفها رغم وجود اختلافات "شاسعة" في وجهات النظر، ويبرز دور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا لعقد اجتماع موسع اليوم، الاربعاء، لمناقشة الوضع الأمني في أوروبا وأوكرانيا، بحضور النرويج وكندا ودول البلطيق الثلاث (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) وجمهورية التشيك واليونان وفنلندا ورومانيا والسويد وبلجيكا.
وضمن الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم، نرصد أبرز التحليلات والمواقف التي أتت على الشكل التالي:
لفتت صحيفة "الرياض" السعودية أن المملكة "ستكون على موعد عقد قمة عربية مُصغرة يوم الجمعة المقبل، تستهدف تعزيز السلام في منطقة الشرق الأوسط، من خلال إيجاد رأي عربي موحد يرفض دعوات تهجير أهالي فلسطين، سواء في غزة أو الضفة الغربية خارج بلادهم"، موضحة أن "السلام في الشرق الأوسط، لا بد أن يرتكز على حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وهي مطالب لطالما شددت عليها المملكة مرات عديدة، واعتبرتها مبدأ لا تحيد عنه في تعاملها مع القضية الفلسطينية".
ورأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن ترامب "خرج للعالم يطرح فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة دون استيعاب ما تخلفه وراءها فكرة مجنونة تقود المنطقة بأسرها لدوامة حروب لا تنتهي وتقضي على فرص السلام إلى الأبد، وتشيع القضية الفلسطينية لمثواها الأخير ويوارى جثمانها الثرى". واضافت: "ما يتمسك به الرئيس الأمريكي ليس أمراً عابراً يمكن انقضاؤه بمرور الوقت أو فكرة طرحت بحديث حولها وإيجاد رؤية لأزمة وإنما جزء أصيل لمخطط إسرائيلي يجري تنفيذه بدعم أمريكي مطلق".
الأمر عينه تحدثت عنه صحيفة "عُمان" العُمانية بالقول: "تصريحات ترامب الأخيرة تجسد المشروع الصهيوني القديم نفسه، وكل ما في الأمر أنها تجسده بشكل فج وغير دبلوماسي؛ ومن ثم يكشف صراحة عن الوجه القبيح للسياسات الأمريكية الذي يتمثل في الذهنية أو العقلية الاستعمارية التي تقوم على روح الاستغلال والمنفعة والغزو والعدوان المسلح عند الضرورة". وخلصت الى أن هذه "السياسات الاستعمارية ليست سوى وجه جديد للاستعمار القديم".
أما "الشروق" الجزائرية، فتبنت وجهة نظر معاكسة حين وضعت الخطط التي يجري الحديث عنها في اطار سعي "بعض الأنظمة العربية بتهجير "حماس" من غزّة، عبر إسقاط حكمها، ونزع سلاحها، في إطار "خطة" بديلة لخطة ترامب المشؤومة، مع أنّها في الواقع هي الأفكارُ الخيالية ذاتها التي يروّج لها نتنياهو وكبار قادة اليمين الصهيوني المتطرّف"، موجهة تساؤلات للعرب مفادها "ما الذي جنيتموه بهذا "الاعتدال" المزعوم، غير الانبطاح للاحتلال الذي لم يعُد يجد حرجاً في الإعلان كل يوم أنّ الدولة الفلسطينية التي تسعون إلى إقامتها على 22% فقط من فلسطين التاريخية لن تقوم أبدا؟".
بدورها، أكدت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "نتنياهو يسعى إلى إطلاق أكبر عدد ممكن من المحتجزين لدى "حماس"، ثم العودة مجددًا إلى الحرب، لأنه يدرك أن الوصول إلى المرحلة الثانية يعني انهيار حكومته"، مستنتجة أن "حماس" تراهن على عدة عوامل، من بينها أن ترامب، على عكس سلفه الذي دعم الإبادة الجماعية باستخدام القوة المباشرة، يفضل تنفيذ تطهير عرقي "ناعم" عبر تهجير سكان غزّة. لكن استمرار الحرب خلال ولايته سيعرقل طموحه في الفوز بجائزة نوبل للسلام، ويعيق خطته المتعلقة بصفقة القرن"، على حدّ قولها.
على المقلب الآخر، اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أنه "من حسن حظ أوروبا، وربما العالم بأسره، أن عاد الروس والأمريكيون للجلوس وجهاً لوجه وحل الخلافات العميقة بينهما بالحوار والدبلوماسية، مشيرة إلى أن "هذا التطور من شأنه أن يقطع الطريق على أي تصعيد محتمل، وينقذ المجتمع البشري من خطر نووي أطل برأسه أكثر من مرة، خلال الحرب الأوكرانية. كما يمنح فرصة لتدارك الخسائر الاقتصادية التي أصابت قلب العالم، في أوروبا، بسبب اضطراب إمدادات الطاقة والغذاء والتجارة العالمية".
(رصد "عروبة 22")