لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستنجح مجموعة البريكس في إحداث عملة موحّدة جديدة سنة 2023 مثل مع حدث مع اليورو سنة 1999؟ ولماذا لا يسعى العرب لإحداث عملتهم الموحّدة؟
سأدافع في هذه المقالة عن الفكرة التالية: خلق عملة بديلة عن الدولار يتطلّب توفّر معايير محددة ليس من السهل تحقّقها وعملة البريكس لا تتوفر فيها تلك المعايير. لكن العرب يمكنهم خلق عملة عربية موحّدة جديدة وفق الشروط المطلوبة.
ينبغي أولًا أن نتذكّر بأن مساعي التخلي عن الدولار واستبداله بعملات بديلة ليست أمرًا جديدًا ولكنه تفاقم مع العدوان الروسي على أوكرانيا واستخدام الولايات المتحدة الدولار كسلاح بتجميد 330 بليون دولار من المدخرات الروسية بفضل نظام السويفت الغربي للتواصل بين البنوك في العالم. ولقد شهدنا عدة مساعي تجارية بين عدة دول لإجراء تبادلات تجارية خارج الدولار (روسيا والصين، البرازيل، الهند وماليزيا)، وحتى في العالم العربي جرت محاولات من المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة والعراق للتخلي عن الدولار في تعاملات محدودة.
لكن ما هي المشكلة مع الدولار؟ ولماذا يريد البريكس والعرب التخلي عنه؟ والسؤال هو كيف فرض الدولار نفسه على العالم؟ إليكم تفاصيل القصة.
حصلت الولايات المتحدة من العالم على 31 تريليون دولار لتمويل ميزانية حكوماتها المتعاقبة
لم تفرض الولايات المتحدة الدولار على العالم، ولكن العالم هو الذي إتفق سنة 1944 على جعله العملة الاحتياطية الدولية. كان ذلك إحدى أهم مخرجات اتفاقية بريتون وودز التي نشأ بموجبها النظام النقدي والمالي الدولي الحالي المتكوّن من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتم الاتفاق في هذا الاجتماع الدولي على اعتماد الدولار عملة تبادل بين الدول عوض التعامل بالذهب كما كان في السابق. وتم الاتفاق بين الدول المجتمعة على جعل قيمة الدولار تتبع قيمة الذهب (0.031 كغ ذهب مقابل 35 دولار)، حيث أصبح الذهب هو المعيار الذي يسمح بطبع الدولار.
وبموجب هذه الاتفاقية الشهيرة وصلنا اليوم إلى أنّ الدولار أصبح يشكّل حوالى 88% من حجم التبادلات الدولية ويشكل 58% من الاحتياطات الأجنبية في البنوك المركزية حول العالم. وبفضل الثقة في الدولار كعملة دولية استطاعت الولايات المتحدة أن تحصل من العالم على 31 تريليون دولار من الدين العام لتمويل ميزانية حكوماتها المتعاقبة.
ورغم تراجع الدولار في التجارة الدولية وفي الاحتياطات النقدية والمساعي لمحوه أو استبداله من خلال منظمة البريكس، إلا أنّ محو الدولار من الوجود ليست فكرة مستحيلة ولكنها فكرة غير واقعية كما يذهب معظم المحللين الأمريكيين. إنّ إحداث عملة دولية بديلة عن الدولار يتطلّب أن يكون للعملة الجديدة المواصفات نفسها المتوفرة في الدولار حاليًا.
الدولار لديه ضعف أساسي هو انفصاله عن معيار الذهب
ومن المعايير المطلوبة في عملة دولية مرجعية مثل الدولار، الحياد السياسي والبعد عن سيطرة حكومة محددة عليها وحجم التداول بها. والكثير من العملات الدولية لا تتوفّر فيها هذه المواصفات. فالعملة الصينية اليوان هي عملة غير محايدة وخاضعة لسيطرة الحكومة الصينية وتستخدمها لدعم صادراتها، بل إنها ما زالت مرتبطة بالدولار الأمريكي. في المقابل، فإن الفرنك السويسري والعملة الكورية الجنوبية تبقى عملات محايدة بعيدة عن سيطرة الحكومات لكن حجمها في التداول محدود.
إنّ الدولار اكتسب مكانته الحالية لعدة سنوات من بين كل العملات لحدّ الآن بفضل الحياد السياسي وعدم تلاعب الحكومة الامريكية به مما منحه الثقة التي يتمتع بها في نظر المتعاملين الدوليين سواء كانوا أفراد أو شركات أو حكومات. لكن الدولار لديه ضعف أساسي واحد هو انفصاله عن معيار الذهب سنة 1971. ولهذا توسّعت الحكومة الأمريكية في الاستدانة من الداخل والخارج ونما عجزها بشكل خرافي حتى توصّل الجمهوريون والديمقراطيون إلى اتفاق حول وضع سقف للدين العام. وهذا الأمر تسبّب لها في خفض علامتها الائتمانية من قبل وكالة فيتش الأمريكية من AAA إلى AA+ في بداية شهر أغسطس من العام الحالي.
للعرب فرصة عظيمة في إحداث عملة موحّدة إذا اختاروا قاعدة الذهب أو النفط والغاز لإصدار تلك العملة
الآن ماذا سيفعل العرب؟ هل سيسارعون لدعم مساعي تقوية منظمة البريكس؟ أم أنهم سيتوجهون إلى توسيع مجموعة مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس للتعاون العربي الخليجي والأفريقي، وإحداث عملة عربية موحدة، وتكون هناك سياسة نقدية عربية خليجية أفريقية موحّدة يقودها بنك فدرالي عربي يصدر عملة عربية موحّدة تقوم على قاعدة الذهب أو النفط والغاز، حتى يتمّ إصدار النقود بقدر كمية الإنتاج المحلّي من هذه السلع، وحتى لا تطبع أي حكومة عربية أموالًا بدون غطاء من الذهب أو النفط والغاز ويتمّ لجم كل ميل إلى التضخم.
للعرب فرصة عظيمة اليوم في إحداث عملة موحّدة إذا اختاروا قاعدة الذهب أو النفط والغاز لإصدار تلك العملة. وهنا سيكون لهذه الخطوة الجريئة تأثير هائل على الولايات المتحدة لتعود بدورها إلى قاعدة الذهب التي تخلّت عنها سنة 1971. هكذا يمكن للعرب أن يُسهموا في عودة العالم إلى رشده القديم.
(خاص "عروبة 22")