اقتصاديات الذّكاء الاصطناعي في الوطن العربي: الواقع والفرص!

وفقًا للأب المؤسِّس للذّكاء الاصطناعي جون مكارثي، فإنّ الذكاء الاصطناعي هو "علم وهندسة صنع الآلات الذّكية، وبخاصة برامج الحاسوب الذّكية". الذّكاء الاصطناعي هو وسيلة لجعل الحاسب الآلي أو التطبيق أو الروبوت الذي يتحكّم فيه الحاسب يُفكّر بالطريقة ذاتها التي يُفكّر بها البشر الأذكياء. يعمل الذّكاء الاصطناعي من خلال دراسة كيفيّة تفكير الدماغ البشري، وكيفية تعلّم البشر، واتخاذ القرارات، والعمل أثناء محاولة حلّ مشكلة، ثم استخدام نتائج هذه الدراسة كأساسٍ لتطوير البرامج والأنظمة الذكية.

اقتصاديات الذّكاء الاصطناعي في الوطن العربي: الواقع والفرص!

لأكثر من عقدَيْن من الزمن، أحدث الذّكاء الاصطناعي تحوّلات كبرى في مختلف القطاعات: من التعليم والرعاية الصحّية إلى النقل العام وقطاعات الأعمال والترفيه والصناعة وساحات الحروب. لذلك، تحوّل هذا القطاع إلى ساحة منافسة رئيسيّة بين دول العالم، وتسبّب مؤخّرًا في نقل الحرب التجارية بين الصّين والولايات المتحدة إلى مستوى جديد، تداعت له أسواق المال العالمية انهيارًا لظهور تطبيق صيني مفتوح، يتحدّى منافسيه في الولايات المتحدة على أصعدة القدرات والمواصفات والتكاليف.

الذّكاء الاصطناعي سيصبح مُحرّكًا رئيسيًّا للنمو الاقتصادي

وإذ تتبايَن ظروف المعيشة ومستويات الدخول في الدول العربية، فقد انعكس ذلك بوضوح على سياساتها وخططها لتبنّي الذّكاء الاصطناعي. فقد سارعت دول الخليج إلى تبنّي أحدث التقنيات والمؤسسات والمعايير والخطط لتوطين واستخدام الذّكاء الاصطناعي، مما انعكس إيجابيًّا على ترتيبها في المؤشرات العالمية. من ناحية أخرى، لا تزال دولٌ عربية أخرى تتلمّس طريقها، مع محاولات لتضمين مقررات الذّكاء الاصطناعي في بعض المناهج بهدف وضع أُسُس لهذه الصناعة المتطوّرة.

تتّفق التقارير الدولية على أنّ الذّكاء الاصطناعي سيصبح مُحرّكًا رئيسيًّا للنمو الاقتصادي، حيث تُقدَّر مساهمة الذّكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 بما يقترب من 19.9 تريليون دولار (وفقًا لتقديرات شركة البيانات الدولية IDC)، وهو ما يمثل حينها نحو 3.5% من النّاتج الإجمالي العالمي، ويتجاوز قيمة النّاتج المحلي الإجمالي للصّين حاليًا... تعتمد تلك التوقّعات على افتراض أنّ دمج الذّكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات - مثل التصنيع والرعاية الصحية والخدمات المالية والزراعة - من شأنه تحقيق عائد على الاستثمار يقترب من 500%. ومن المتوقّع أن ينبعَ هذا النمو من زيادة الكفاءة التشغيلية، وأتمتة المهام الروتينية، واتخاذ القرارات استنادًا إلى البيانات، والتوسّع في الأسواق الرّقمية والصناعات الجديدة.

في أعقاب انطلاق الثورة الصناعية الرّابعة، بدأت الحكومات والشركات في دول الخليج العربي ومصر تُدرك التحوّل العالمي نحو الذّكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدّمة. وقدّرت مؤسسة "برايس ووترهاوس كوبر" في الشرق الأوسط استفادة تلك الدّول بنسبة 2% من إجمالي عائدات الذّكاء الاصطناعي العالمية بحلول عام 2030، بما يعادل 390 مليار دولار أميركي. ومن المتوقّع أن تتحقّق أكبر المكاسب في دولتَيْ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث تشير التوقعات للعام 2030 إلى مساهمة الذّكاء الاصطناعي بما يعادل 14% و12.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلديْن على التوالي. وتُرجّح التوقّعات ذاتها أن يتراوح معدّل النمو السنوي في مساهمة الذّكاء الاصطناعي ما بين 20 و34% سنويًا عبر دول المنطقة، مع أداء متميّز في الإمارات العربية المتحدة تليها المملكة العربية السعودية.

أكبر فرصة للذّكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تكمُن في القطاع المالي

لقد أظهرت الإمارات والسعودية وقطر التزامًا واضحًا نحو تطوير وتنفيذ تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعي، وقد استثمرت الشركات العالمية الكبرى في هذه الدول في مجال التِّكنولوجيا الجديدة، بدعمٍ من الحكومات كمستهلك للتِّكنولوجيا. كان هدف تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الإفراط في الاعتماد على الوقود الأحفوري، حافزًا هامًّا لدول الفائض النفطي كي تستثمر في تقنيات التحوّل الرقمي والذّكاء الاصطناعي. وقد ساعد ذلك على تخفيف الآثار السلبيّة لتقلّبات أسعار النفط، خصوصًا في ظلّ صدمات "كوفيد-19" وما تلاها من اضطرابات جيوسياسية. بخلاف دول الخليج العربي، كان الانتقال نحو تبنّي تطبيقات الذّكاء الاصطناعي بطيئًا نسبيًّا، وذلك في غياب البنى الأساسية الداعمة، والقوى العاملة الماهرة، والتمويل اللازم، وهي عوامل رئيسيّة لتمكين تطوير الذّكاء الاصطناعي.

تختلف إمكانيات تبنّي الذّكاء الاصطناعي حسب القطاع، حيث وجد بحثٌ أجرته شركة البيانات الدولية (IDC) أنّ أكبر فرصة للذّكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تكمُن في القطاع المالي، مستحوذًا وحده على ما يقترب من 25% من إجمالي الاستثمارات في حلول الذّكاء الاصطناعي، يليه القطاع العام، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، وقطاع التصنيع.

الأجور المرتفعة المرتبطة بزيادة إنتاجيّة العمل في بعض القطاعات ستعزّز الطلب الاستهلاكي المدعوم بالقوى الشرائيّة

وتتوقّف المكاسب والوفورات المحقّقة في أي قطاع نتيجة تبنّي حلول الذّكاء الاصطناعي على عامليْن رئيسييْن:

أوّلًا - القدرة على أتمتة العمليات: فمن المرجّح أن تشهد القطاعات كثيفة العمالة، مثل التجزئة والصحة، بما لديها من نطاق كبير للأتمتة، أكبر المكاسب الأوليّة من تبنّي الذّكاء الاصطناعي، حيث يُتوقّع أن تشهد هذه القطاعات طفرات ملحوظة في إنتاجيّة العمل نتيجة لذلك.

ثانيًا - حالات استخدام الذّكاء الاصطناعي لتحسين المُنتجات: تشير بعض التقديرات إلى أنّ أعلى إمكانات تحسين المنتجات تكمُن في قطاعات الصحة، والسيارات، والخدمات المالية. وعلى الرَّغم من تبايُن فرص الاستفادة قطاعيًّا من تطبيقات الذّكاء الاصطناعي، إلّا أنّ المزايا تتعدّى العوائد المباشرة المحقّقة في قطاعات بعينها، إلى قطاعات أخرى تربطها بها علاقات تشابك أفقيّة ورأسيّة كمصدر لمدخلات الإنتاج والمواد الوسيطة أو مستهلك لمنتجاتها. وبالمِثل، فإنّ الأجور المرتفعة المرتبطة بزيادة إنتاجيّة العمل في بعض القطاعات، ستعزّز الطلب الاستهلاكي المدعوم بالقوى الشرائيّة في سائر أنشطة الاقتصاد.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن