كما كان متوقعاً، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار في غزّة على وقع إفراغ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المحادثات من مضمونها وعرقلة استمراريتها وسط محاولات حثيثة لإطالة أمد المرحلة الاولى دون منح حركة "حماس" أي ضمانات بعدم العودة الى الحرب بعد انتهاء مراسم تسليم الأسرى الاسرائيليين المحتجزين لديها، وهو ما يعني عملياً، بعد رفض الحركة المقترح الاسرائيلي، امكانية العودة للقتال في أي لحظة وتحت أي ذريعة بظل دعم اميركي واضح لتل أبيب، التي تشعر بفائض قوة بعد ما تلا أحداث 7 أكتوبر من نتائج اسهمت في تعزيز تمدّدها في غزّة ولبنان وسوريا مع نقض التزاماتها والنكث بوعودها.
فاسرائيل تهدّد باستئناف القتال في القطاع المنكوب وتهجر سكان الضفة الغربية بشكل قسري يومياً من أرضهم وممتلكاتهم بعد السطو عليها بحجج واهية كما توسع بقاءها في 5 مواقع بجنوب لبنان وتهدد الرئيس السوري أحمد الشرع من "بوابة الدروز"، متسلحة بذريعة الدفاع عنهم وحمايتهم، خاصة انه منذ سقوط نظام بشار الاسد واسرائيل تواصل اعتداءاتها وانتهاكاتها في الجنوب السوري وتسعى لاضعاف دمشق وبقائها في حالة من التشرذم والتخبط، لان "سوريا قوية وموحدة" تزعج أحلام الاسرائيليين ومطامعهم التوسعية في المنطقة.
ولا يختلف مشهد الشرق الاوسط الشديد التعقيد عن مسرح الاحداث الدولية بعد المشادة الكلامية "الحادة" بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الابيض ومسارعة قادة الدول الاوروبية لدعم كييف والتأكيد على حقها في الدفاع عن اراضيها ضد المعتدي عليها، اي روسيا التي بدورها شعرت بـ"الانتصار" بما حصل في المكتب البيضاوي لانه يعزّز حصتها وفرصها التفاوضية، والتي كانت شبه معدومة قبل وصول ترامب الى سدة الرئاسة. وعليه يجد الاوروبيون أنفسهم اليوم في مأزق بعد التهديدات "الترامبية" المتكررة ويسارعون الخطى لايجاد حلول عملية وسريعة لتفادي الأثار الناجمة عن السياسات الاميركية الجديدة، والتي تخطت المتوقع.
وبالعودة الى تفاصيل التطورات الفلسطينية، يسعى نتنياهو، كما بات معلوماً، لتمديد اتفاق وقف النار في غزّة لمدة 42 يوماً إضافياً دون الشروع في مفاوضات المرحلة الثانية الساعية الى وقف الحرب والانسحاب الاسرائيلي الكامل من القطاع وارساء وقف للنار يُمكّن من البدء باعادة الاعمار بل حصرها فقط باطلاق سراح أسرى فلسطينيين وتمديد مفاعيل الهدنة. وعلى لسان أحد مسؤوليها رفضت "حماس" ما يطرح من صيغ واقتراحات، مؤكدة أن الحركة ترفض تمديد المرحلة الأولى وتصرّ على الدخول في المرحلة الثانية وفق اتفاق وقف النار.
وبينما تتواصل مناشدات ومطالبات أهالي الاسرى للبدء بالمفاوضات وعدم التسويف وتسريع اطلاق سراح ما يقارب 59 محتجزاً، من بينهم ما لا يقل عن 34 جثة، نشرت "كتائب القسام" فيديو يظهر أسرى اسرائيليين يودعون بعضهم، ما أثار حفيظة نتنياهو الذي تعهد بـ"مواصلة العمل بلا كلل لإعادة جميع المحتجزين وتحقيق جميع أهداف الحرب"، على حدّ تعبيره. وكان نتنياهو عقد مساء أمس، السبت، مشاورات استثنائية لتقييم الاوضاع في غزّة عقب انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، وذلك بمشاركة قادة الأجهزة الأمنية، ووزراء الدفاع والخارجية والشؤون الإستراتيجية والمالية. وقد خلصت هذه المشاورات إلى إعلان الموافقة على خطة المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف لوقف إطلاق نار "مؤقت" خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي الذي سيحتفل به في منتصف نيسان/ أبريل.
في سياق متصل، يتعمد نتنياهو اثارة الفوضى في سوريا واضعاف الادارة السورية الجديدة، منذ اليوم الاول لتسلمها مقاليد الحكم. وأوعز رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير الأمن يسرائيل كاتس إلى جيش الاحتلال الاستعداد "للدفاع" عن مدينة جرمانا شرق دمشق، على خلفية سقوط قتلى وجرحى، نتيجة الاشتباكات الدائرة بين فلول للنظام السوري ووزارة الدفاع السورية. وكان نتنياهو وكاتس أكدا، في بيان، أن إسرائيل "لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف بإلحاق الأذى بالدروز. وإذا ألحق بهم الأذى فسوف يتعرض للأذى من قبلنا". في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن 4 مصادر مطلعة أن "تل أبيب تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد".
لبنانياً، الذرائع الاسرائيلية وانتهاكاتها اليومية تثير قلق اللبنانيين الذين يحاولون بشتى الطرق تحقيق الانسحاب الشامل والكامل والعمل لتطبيق القرارات الدولية. ولكن المخاوف الحقيقية التي بدأت تساور الجميع هو ما يُحكى في الجانب الاسرائيلي عن "ضوء اخضر اميركي" للبقاء في جنوب لبنان، وهو ما يعني أن الاوضاع السياسية والامنية ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات. هذا ويستعد رئيس الجمهورية جوزاف عون لزيارة السعودية، غداّ، في اولى جولته الخارجية مند تسلمه مقاليد السلطة وما يكتنفه ذلك من مؤشرات ورغبة لبنانية باستعادة العلاقات التي تدهورت في الأونة الاخيرة والتأكيد على انتماء لبنان لعمقه العربي.
زيارة عون ومواضيع أخرى كانت محور اللقاء الإعلامي لـ"الشرق الأوسط"، والذي حدّد فيه عناوين المرحلة المقبلة ومعالمها الرئيسية، حيث جدد القول بإن "اللبنانيين تعبوا من حروب الآخرين على أرضه"، واضاف "لبنان أصبح يستحق أن تكون لديه نقاهة اقتصادية وسياسية، وتعب من تحارب السياسيين ومسؤوليه". كما شدد على أنه "لم يعد مسموحاً لغير الدولة القيام بواجبها الوطني في حماية الأرض والشعب"، مؤكداً أن "الدولة بمؤسساتها كافة ملتزمة بتطبيق القرار 1701. ولكن لا يمكنني إعطاء توقيت محدد. فكيفما تتحرك الظروف نحن جاهزون، نريد سرعة وليس تسرعاً". ونوه بأهمية العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية "فوضعها معروف على المسرح العالمي، قوة عظمى وعضو في مجلس الأمن ودولة مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط".
وإذ أشاد عون بدور السعودية "كإطلالة للمنطقة وللعالم كله كما أنها منصة للسلام العالمي"، تمنى "تصويب العلاقة لمصلحة البلدين وازالة كل العوائق التي كانت في الماضي القريب، حتى نبني العلاقات الاقتصادية والطبيعية بيننا، ويعود السعوديون إلى بلدهم الثاني لبنان". وأوضح أن المملكة كان لها دور كبير في انهاء الشغور الرئاسي في لبنان. وعن العلاقة مع سوريا، رأى أن "الأهم ترسيم الحدود البحرية والبرية مع الطرف السوري وصولاً إلى مزارع شبعا كما ايجاد حل سريع لملف عودة النازحين السوريين". وفي الإطار عينه، تفقد وزراء الداخلية والنقل والمالية في لبنان، الإجراءات الأمنية واللوجيستية المتبعة في مطار رفيق الحريري الدولي، غداة إحباط محاولة تهريب 2.5 مليون دولار من إيران إلى لبنان عبر تركيا يعتقد أنها كانت موجهة إلى "حزب الله". وينشط لبنان في الاونة الاخيرة بتشديد الخطوات المتخذة وذلك بعد حظر هبوط الطائرات الإيرانية في المطار وإخضاع الرحلات المقبلة من العراق للتفتيش.
وبما يتعلق بالمستجدات الاوكرانية، تصدرت المشادة الكلامية "الحادة" التي حصلت بين ترامب ونظيره الاوكراني في البيت الابيض الاهتمامات، خاصة بعد وقوف الحلفاء الاوروبيين الى جانب الاخير وتأكيدهم التمسك بحق اوكرانيا في الدفاع عن نفسها. وفي هذا الاطار، حذّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من أنه إذا لم يتمّ إيقاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإنه "سيذهب بالتأكيد إلى مولدافيا، وربما أبعد من ذلك إلى رومانيا"، معتبراً أن انسحاب الولايات المتحدة "المحتمل" من الملف الأوكراني "ليس في مصلحتها، لأن ما تفعله الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات يتوافق تماماً مع تقاليدها الدبلوماسية والعسكرية".
ويعقد الاوروبيون غداً قمة مصغرة لدعم أوكرانيا وذلك في سياق مواقف الدعم للتأكيد على أهمية ارساء سلام دائم وعادل ووقف الحرب وعدم الانحياز الى الجانب الروسي، بعد المواقف الاميركية الاخيرة، والتي استدعت عقد الدول الاوروبية العديد من الاجتماعات والقمم لتحديد خطط الدفاع عن أمنها الجماعي خاصة بعد التهديد الاميركي بالانسحاب من حلف "الناتو". ويدرك قادة هذه الدول اهمية دور واشنطن وضرورة التوافق معها، الا انهم ايضاً يتخوفون من التداعيات المستقبلية بعد التوافق الاميركي - الروسي الذي يثير العديد من التساؤلات ويخلق معضلات على الضفة الاوروبية التي تصارع من احل البقاء موحدة.
من جهته، اعلن زيلينسكي أنه ما زال "مستعداً" لتوقيع اتفاق المعادن مع الولايات المتحدة"، ولكنه جدد ربطها بتوفير "الضمانات الامنية"، وهو ما ترفضه واشنطن التي تريد اتفاقاً اقتصادياً خالصا وتضع موضوع الضمانات بالملعب الاوروبي. تزامناً، أفادت شبكة "سكاي نيوز" بأن بريطانيا وأوكرانيا وقعتا اتفاقية لتقديم 2.6 مليار إسترليني إضافية في شكل قروض لدعم القدرات العسكرية في أوكرانيا. وجاء هذا الاتفاق خلال استقبال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للرئيس الأوكراني في لندن أمس، السبت.
هذه التطورات والمستجدات كانت محور عناوين المقالات والصحف العربية الصادرة اليوم. واليكم أبرز ما تناولته الجولة الصباحية:
فتحت عنوان "لحظة حرجة جديدة في غزّة"، كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "إن التلويح بعودة الحرب على غزّة، يعني سقوطاً أخلاقياً جديداً واستباحة للأبرياء، وفشلاً جديداً للمجتمع الدولي في حل القضية الفلسطينية"، مؤكدة أن "عودة الحرب لن تنهي المشكلة، ولن تعيد من بقي من الرهائن الإسرائيليين أحياء مثلما عاد السابقون في الهدنة الحالية وهدنة نوفمبر 2023".
ولفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أنه "ثمة العديد من المعوقات التي تقف حائلا أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وهى الإصرار الإسرائيلي على نزع سلاح الفصائل الفلسطينية خاصة حركة "حماس"، وهو ما يستحيل تنفيذه لأن النزع يعنى غياب أي أوراق ضاغطة للفصائل في مواجهتها لبقاء قوات الاحتلال"، مشددة على أن مصير المباحثات "لا يزال مبهماً وسط جهود متواصلة، من قبل الوسطاء لضمان تنفيذ التفاهمات المتفق عليها".
ووفق صحيفة "الدستور" الأردنية، فإن "مواصلة خيار الحرب يشكل عملية استنزاف عسكري وبشري ومالي، أرهق الاقتصاد الاسرائيلي، رغم كل الدعم الذي وفرته الولايات المتحدة لهم، منذ عملية أكتوبر إلى الآن، وآخره إقرار تقديم سلاح بما يُقارب من 3 مليارات دولار". وقالت: "نتنياهو بكل الأحوال سيبقى مناوراً وأسيراً لكل الاحتمالات والخيارات، بعد أن قدمت له المحكمة ملاذاً حتى شهر آيار/ مايو، لتشكيل لجنة التحقيق المدنية على قاعدة "التقصير" بسبب مفاجأة عملية 7 أكتوبر".
بدورها، رأت صحيفة "الراي" الكويتية أن "زيارةُ عون للسعودية تأتي في الوقت الذي تتعاظم التحديات أمام لبنان الرسمي"، الذي، بحسب رأيها، "يبدو واقعاً بين مطرقة مندرجات اتفاق وقف النار مع اسرائيل وتطبيق القرار 1701 وسندان "الإطباق" الإسرائيلي على تنفيذها بموازين "التفوّق" الذي عبّرت عنه الحرب ونتائجها، وصولاً إلى احتفاظها بخمس تلال إستراتيجية على الحدود ومضيّها في تظهير "حق حرية الحركة" وضرب أهداف في كل لبنان "درءاً لخطر وشيك" أو في طور التشكّل".
أما صحيفة "النهار" اللبنانية فتساءلت عن سبب عودة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي المفاجئة الى العراق بعد عامين من المغادرة، موضحة أنّ "إعادة الاعتبار للكاظمي تأتي في ظروف عراقية حرجة ووسط تحوّلات إقليمية ليس العراق بمنأى عنها، الأمر الذي أثار تكهّنات في شأن دوره المحتمل في المرحلة المقبلة" خاصة بظل التحضير للانتخابات البرلمانية المقرّرة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل كما مع تصاعد حدة التوتر بين بغداد وإدارة الرئيس الأميركي.
الى ذلك، أشارت صحيفة "البلاد" البحرينية الى أنه "في عالم يتسارع تغيره بوتيرة غير مسبوقة، لم تعد السياسة الدولية تعرف الثبات أو الاستقرار، بل تحولت إلى ساحة ديناميكية تتحكم فيها مجموعة متغيرات، وتحالفات مؤقتة، وأزمات متجددة". وأضافت "لم يعد توازن القوى التقليدي الذي ساد في القرون الماضية، بل أصبح مشهداً مُعقداً تُشكله التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتقلبات الاقتصادية الحادة، والصراعات الجيوسياسية المتزايدة".
(رصد "عروبة 22")