صحافة

"المشهد اليوم"...غزّة في مهب "خطة ويتكوف" و"حماس" ترفض المساومةالشرع يكلف لجنة لصياغة الإعلان الدستوري والعقوبات الاميركية تطيح بوزير الاقتصاد الايراني

فلسطيني يسير بين ركام المباني في خان يونس جنوب قطاع غزّة وذلك مع تعثر استكمال مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار (رويترز)

تراجع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن كل البنود التي سبق وتم الاتفاق عليها وانقلب على مضامينها متمسكاً بخطة "أميركية" جديدة بديلة، خرجت فجأة الى العلن مع انتهاء مدة المرحلة الاولى من هدنة غزّة. فـ"خطة ويتكوف"، نسبة الى مبعوث الرئيس الاميركي للشرق الأوسط، تهدف لمحاصرة "حماس" والضغط عليها للقبول بتمديد الاتفاق فقط دون العمل الجدي لانهاء الحرب والبدء بالانسحاب الشامل واعادة الاعمار، بل التركيز على إستعادة اكبر عدد ممكن من الأسرى الاسرائيليين وبعدها استئناف القتال لتحقيق الهدف الاساسي، والذي بات واضحاً، تهجير الغزاويين من أرضهم قسراً ومحاصرتهم بشتى الطرق لدفعهم نحو المغادرة.

وبموافقة واشنطن يتعنت نتنياهو ويتمسك بتحديد "اليوم التالي" في القطاع المُحاصر وإملاء الشروط بينما يواصل تمدده وتوسعه العلني وقضم الاراضي في الضفة الغربية منتهكاً كل المواثيق والقرارات الدولية، ما يطرح العديد من الأسئلة عن دور الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ووظيفتهما التي باتت أشبه بـ"فولوكلورية" دون القدرة على نصرة الشعوب ووقف آلة الحرب ضدها. فمنذ اليوم الاول لوصول الرئيس دونالد ترامب يتلقى نتنياهو ويمينه المتطرف الدعم تلو الاخر، وآخره ما تم الاعلان عنه من تسريع وصول شحنات اسلحة جديدة تُقدر بـ4 مليارات دولار تضاف لمساعدات اخرى أقرت في وقت سابق، وذلك بهدف تمكين تل أبيب من التفوق العسكري والتكنولوجي في مواجهة كل من تعتبره "خطراً" عليها، سواء في غزّة أو الضفة أو لبنان أو سوريا وحتى ايران، التي يتم التلويح بعمل عسكري ضدها كل حين.

إزاء هذه المعطيات تقف حركة "حماس" اليوم أمام مفترق طرق، فإما الموافقة على "خطة ويتكوف" التي تقضي بتمديد الهدنة 50  يوماً اضافياً مقابل اطلاق سراح نصف الرهائن (الأحياء والأموات) المحتجزين لديها في اليوم الأول من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، وإما العودة الى القتال، وهو ما لا تريده الحركة ولا الدول التي رعت المفاوضات، أي قطر ومصر، ولكنها في الوقت عينه، لا يمكن أن تقبل، أي "حماس" والفصائل الأخرى المنضوية تحتها، بالمساومة عبر تقديم ورقة "الرهائن" على طبق من ذهب دون الحصول على ضمانات بوقف الحرب لانها تدرك غايات نتنياهو ومأربه، وهو ما تمسك به القيادي في "حماس" محمود مرداوي، الذي شدّد على ضرورة "تنفيذ الاتفاق بدءاً من تنفيذ المرحلة الثانية التي تضمن المفاوضات على وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الشامل وإعادة الإعمار، ومن ثم إطلاق سراح الأسرى في إطار صفقة مُتفق عليها... هذا ما نصر عليه ولن نتراجع عنه".

وإصرار الحركة لاقاه دعوة وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، إلى "البدء الفوري في المرحلة الثانية من الاتفاق"، معرباً عن أمله بـ"دور الاتحاد الأوروبي لمواصلة الضغط على إسرائيل، لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة". ويشكل حصار القطاع مجدداً بعد اعلان إسرائيل تعليق دخول السلع والإمدادات بشكل كامل واغلاق كل المعابر الخاضعة لسيطرتها تحدياً جديداً أمام القمة العربية الطارئة التي تُعقد غداً، الثلاثاء، في القاهرة لتبني موقف واضح برفض تهجير الفلسطينيين واعادة الاعمار. أما في الشق الميداني، فمع اليوم الاول من انتهاء المرحلة الاولى من الاتفاق، استهدفت قوات الاحتلال مناطق متعددة بالقطاع ما أدى لاستشهاد 4 أشخاص وإصابة 6 آخرين؛ ليصل العدد الإجمالي للشهداء الى 116 والمصابين 490 شخصاً منذ إعلان وقف إطلاق النار، بحسب ما أفادت به وزارة الصحة.

التطورات الفلسطينية على أهميتها لم تحجب الانظار عما يحدث في طهران مع اعلان نائب الرئيس الإيراني محمد جواد ظريف استقالته، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، وذلك بعد سحب البرلمان الايراني الثقة من وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي، وهو شخصية معتدلة ورئيس سابق للبنك المركزي. وكان 182 نائبا من أصل 273 صوتوا لصالح إقالة همتي أمس، الأحد، مع تصاعد وتيرة الاختلافات بشأن تعاظم الأزمة الاقتصادية في إيران واستفحالها وارتفاع معدلات التضخم. وقد ردّ الرئيس الايراني مسعود بزشيكان ذلك الى استمرار العقوبات الدولية المفروضة على طهران كما تأخر سداد الديون من العراق وتركيا، متعهداً بأن تسير الحكومة وفق سياسة المرشد علي خامنئي الذي سبق وأعلن رفض الحوار مع الولايات المتحدة الاميركية، رغم وجود بعض القوى التي تدعو الى ذلك كمخرج للأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعيشها البلاد.

أما في الشأن السوري، فيواصل الرئيس أحمد الشرع اتخاذ الخطوات الآيلة لتحقيق مرحلة الانتقال السياسي بعد سقوط نظام الأسد. فبعد مؤتمر الحوار الوطني الذي حدد فيه الاولويات الوطنية، أوكل، أمس، الى لجنة تضم سبعة قانونيين، بينهم سيدتان، مهمة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، ولكن دون تحديد أفق زمني لإنجاز عملها. ويأتي ذلك مع تعاظم المخاطر السياسية المحدقة بسبب التهديدات الاسرائيلية واخرها استغلال "الدروز" بحجة الدفاع عنهم وتوفير الحماية لهم، كما التخوف من انفلات الاوضاع الامنية واستغلالها من قبل فلول النظام السابق.

تزامناً، بدأت عناصر الأمن العام بالانتشار داخل مدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي وفرض سيطرتها حيث ساد هدوء حذر بعد يومين من الاشتباكات والاعمال العدائية. في حين تواصل الهيئة الروحية لـ"طائفة الموحدين الدروز" في المدينة مساعيها من أجل احتواء الأمر وتدارك مخاطره مع التشديد على أهمية ارساء الاستقرار والحفاظ على العلاقات مع مختلف اطياف النسيج السوري. ومن هذا المنطلق جاء تحذير رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط، دروز سوريا، من المكائد الإسرائيليّة في جبل العرب وسوريا، معلناً أنه سيزور دمشق للمرة الثانية قريباً للقاء الرئيس الشرع.

دولياً، اقترحت باريس ولندن هدنة لمدة شهر في أوكرانيا تشمل "الجو والبحر والبنية التحتية للطاقة" وذلك بعد اجتماع عُقد في لندن ضم 18 من قادة الدول الحليفة لأوكرانيا، بعد المواقف الاميركية الاخيرة والتي تدفع قادة هذه الدول لتحديد معالم المرحلة المقبلة بظل وجود تباين شاسع في وجهات النظر. وفي السيّاق، دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى زيادة الدول الأوروبية إنفاقها الدفاعي لما بين 3 و3,5٪؜ من إجمالي الناتج المحلي لمواجهة سياسات واشنطن في عهد دونالد ترامب. فيما شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أن السلام الدائم في أوكرانيا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال القوة، لافتة الى انها ستقدم "خطة شاملة حول طريقة إعادة تسليح أوروبا" في قمة الدفاع الخاصة بالاتحاد الأوروبي، الخميس المقبل.

وتقف القارة الاوروبية برمتها في موقف شديد الدقة والتعقيد لان اطلاق يد روسيا يعني زيادة المخاطر وامكانية توسع المطامع وهو ما حاولت هذه الدول شرحه لترامب خلال اللقاء معه في البيت الابيض لكن دون ثنيه عن الانفتاح الكبير مع موسكو، ولو على حساب هذه الدول وأمنها. من جانبه، كرر الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد مشادة البيت الابيض "العاصفة" والتي شكلت خرقاً فاضحاً لاصول الديبلوماسية، شكره وامتنانه للولايات المتحدة على دعمها، مؤكداً أن "الكل متفق على أنه لا يمكن تحقيق سلام حقيقي دون ضمانات أمنية قوية". وقال "ما نسعى إليه هو السلام، وليس حربا لا تنتهي. ولهذا نؤكد أن الضمانات الأمنية هي المفتاح لتحقيق هذا الهدف".

وكان مسؤولون أميركيون مقربون من الرئيس ترامب صعدوا من الانتقادات الحادة لزيلينسكي، ملمحين إلى ضرورة رحيله أو "عودته الى رشده وإلى طاولة المفاوضات مع الامتنان". هذا ويمضي ترامب في خطواته وقراراته المتسارعة في كل حدب وصوب والتي اسهمت بتغيرات جذرية في مقاربة العديد من الملفات. يُذكر أن "وكالة الصحافة الفرنسية" أشارت الى أن ترامب وقع على 79 "أمراً تنفيذياً" منذ عودته إلى الرئاسة في 20 كانون الثاني/ يناير، وهو رقم قياسي تاريخي يعادل ما أصدره سلفه الديمقراطي جو بايدن خلال عامه الأول بأكمله في البيت الأبيض.

وتنوعت اهتمامات الصحف العربية التي صدرت اليوم، حيث عكست اهتماماً بمختلف القضايا ذات التأثير العربي من غزة الى سوريا فلبنان وصولاً لتداعيات الحرب الاوكرانية، ونرصد:

رأت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "الدول التي تدّعي نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان هي ذاتها التي تستثمر في تأجيج الحروب. وكأن هناك تخطيطاً لإبقاء فئة من البشر بين الموت والمعاناة، بينما فئة أخرى تتحكم بمصيرهم، ترسم الحدود بالنار والبارود، وتقرر من يعيش ومن يموت"، جازمة بأن "كل ما يجري من نزاعات وكوارث يوحي بأن النظام العالمي مصمم لإبقاء الفوضى، حيث لا إرادة حقيقية لنشر السلام، ولا نية لترسيخ العدل والمساواة".

واعتبرت صحيفة "الشروق" المصرية أن "الجرس قُرع في أوروبا، وقبله قُرع في الشرق الأوسط، وعلى المنطقتين تدبر أمرهما، بعد أن كشر ترامب عن أنيابه مهدداً بافتراس أوروبا أو بيعها أو تأجيرها، بعد أن كاد يفترس منطقتنا بمحاولة فرض تهجير الملايين من سكان غزة وتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة مخيمات جديدة للاجئين جدد"، واصفة مشادة ترامب وزيلينسكي بأنها "ليست مجرد مشادة كلامية بين رئيسين، بل تجسد بداية لعهد خطير يكون فيه الدائن سيدا والمدين عبدا"، على حدّ تعبيرها.

وفي الإطار نفسه، أشارت صحيفة "الغد" الأردنية الى أن "ما يقوم به الرئيس الأمريكي من إيجاد طريق لإنهاء النزاع الروسي الاوكراني بفرض الامر الواقع، شجع إسرائيل ليس فقط في الإجراءات التي تتخذها في الأراضي الفلسطينية، لا بل التوسع في الأراضي السورية لتعزيز موقعها"، مستنتجة أن "العالم مقبل على إعادة التشكيل في ظل ظروف جيوسياسية فوضوية، وان الدول الصغيرة وخاصة صاحبة المواقع الاستراتيجية منها، ستكون موقع صراع بين الدول الكبرى وقد تتعرض للإكراه بالطرق الاقتصادية او العسكرية او بطرق أخرى".

هذا وشدّدت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "خطورة المشادة التي حدثت في المكتب البيضاوي أن يتحول "الأسلوب الترامبي" إلى عُرف في العلاقات الدولية لحل المشاكل والأزمات والحروب، بعيداً عن مبادئ العدالة والحقوق الوطنية للدول". وخلصت الى أن "طرح ترامب الإلغائي بتهجير مليوني فلسطيني من غزّة، بحجة تحويل هذه المنطقة المنكوبة إلى ريفييرا الشرق الأوسط، يبقى الدليل الساطع لعقلية تاجر العقارات الذي يُدير السياسات الدولية في العالم".

من جهتها، تناولت صحيفة "الصباح" العراقية ما وصفته بـ"الدبلوماسية السعودية الناعمة التي تكسب المزيد من الثقة سواء في عودتها المؤثرة في سوريا ولبنان، وفي استثمار انحسار المظلة الايرانية عن البلدين، لتعزز الرياض مواقفها بالتأكيد على خيارات "الدولة" ورفض ما عداها". واضافت "هذه المتغيرات الاقليمية إذا ما أضيفت إلى العلاقة المتوترة بين أوروبا وادارة ترامب، وتزايد شعبية اليمين القومي المتطرف، تنبئ بأجمعها، أن العالم يشهد منعطفات حادة تدفع نحو اختلال نظام العلاقات الدولية وازدراء الاعراف والقوانين والمعاهدات".

الى ذلك، أكدت صحيفة "الراي" الكويتية أن محطة رئيس الجمهورية جوزاف عون في القاهرة للمشاركة في القمة الطارئة تحمل بدورها أهميةً خاصة ليس فقط لأنها أول إطلالة له على العالم العربي بل لأن جوهر البحث، أي الوضع في قطاع غزة، "موصولٌ" بما قد يَنتظر لبنان الذي خرج من الحرب الطاحنة مثقلاً بدمار هائل ومثخناً باحتفاظ "خبيثٍ" من إسرائيل بخمسة تلال استراتيجية"، متناولة ايضاً زيارته للسعودية اليوم "لمعاودة شبْك الوطن الصغير مع شَبَكة الأمان العربية التي اقتيد بعيداً عنها".

على المقلب الأخر، لفتت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن دعوة الزعيم التاريخي لـ"حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان لالقاء السلاح وحل الحزب "سوف تترك أثرها لدى الأكراد في جبال قنديل في العراق ولدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا، إذ إن المسار الكردي في تركيا لا بد أن يلقي بظلاله في البلدين نظراً للتواصل والتداخل بينهما"، متطرقة الى "العوامل الداخلية والخارجية التي لعبت دوراً في التغيير الفكري لدى أوجلان وانتهاجه الخط البراغماتي نتيجة المراجعات التي قام بها خلال سنوات سجنه".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن