يستعد الرئيس الاميركي دونالد ترامب للتوجه إلى المملكة العربية السعودية، خلال شهر ونصف الشهر المقبلين، لتشكل أولى محطاته الخارجية منذ وصوله الى البيت الابيض، خاصة مع الدور المحوري الذي تلعبه المملكة في استضافة المحادثات الاميركية - الروسية بشأن أوكرانيا وغيرها من الملفات التي اصبحت فيها الرياض شريكاً استراتيجياً على الصعيدين المحلي والدولي. في وقت تتسارع فيه الجهود العربية لاعادة قنوات التواصل بشأن مفاوضات المرحلة الثانية من وقف اطلاق النار في غزة وبعد القمة العربية الطارئة التي أقرت بالاجماع "الخطة المصرية" لاعادة الاعمار والتعافي المبكر في القطاع، والتي رفضتها واشنطن باعتبارها "لا تلبّي التطلّعات".
وهذا الرفض الاميركي سيكون مدار بحث في الأيام القليلة المقبلة خاصة أن الجهود العربية تصب في صالح ايجاد حلول عملية دون تهجير الفلسطينيين من أرضهم ورفض كل المخططات الرامية الى ذلك وهذا ما عكسه اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي تبنى مخرجات "قمة القاهرة" وما صدر عنها من قرارات. فيما تتعاظم المخاوف من انهيار تام لهدنة غزة مع الخروقات الاسرائيلية المتمادية لاتفاق وقف النار ودون حصول اي تقارب في وجهات النظر ما يعني استئناف الحرب، التي تتوعد تل أبيب بأنها ستكون "أكثر شراسة".
ويتزامن هذا مع "التحذير الأخير" الذي وجهه ترامب لحركة "حماس" باطلاق سراح المحتجزين لديها فوراً غداة استقباله رهائن أُفرج عنهم من غزة مؤخراً، في حين اتهم مسؤولون حكوميون أميركيون إسرائيل بتسريب معلومات إلى وسائل الإعلام حول المفاوضات المباشرة بين واشنطن والحركة في محاولة لتخريب المحادثات. فبحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن تل أبيب تعارض المحادثات، لأنها تخشى أن تفقد الولايات المتحدة اهتمامها باستمرار الصفقة في حال نجاحها في تحرير المواطنين الأميركيين الخمسة المحتجزين لدى حركة "حماس".
في غضون ذلك، كشفت مصادر "حماس" لـ"الشرق الأوسط" كواليس المحادثات غير المسبوقة مع الجانب الاميركي، حيث أشارت إلى "أنه من المفترض أن تكون هناك لقاءات أو اتصالات أخرى ستُعقد في الفترة المقبلة، في حال توافقت الولايات المتحدة مع المطالب التي قدَّمها وفد الحركة برئاسة خليل الحية، والذي طالب بتدخل أميركي جاد من أجل وقف الحرب بشكل كامل، والعمل على ضمان انسحاب إسرائيل من القطاع". وكانت الحركة أكدت أن "التهديدات الإسرائيلية بالحرب والحصار لن تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن"، مشددة على التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.
سورياً، ترخي التوترات الداخلية بظلالها على الأوضاع العامة في البلاد، بعد محاولات فلول النظام السابق اثارة الشغب والفوضى في عدد من قرى الساحل السوري، ذات الأغلبية العلوية، حيث أفاد "المرصد السوري لحقوق الانسان" بمقتل 16 عنصراً من قوات الأمن جراء هجمات وكمائن نفّذها مسلحون مُوالون للنظام المخلوع في بلدة جبلة وريفها. ويعتبر ارساء الاستقرار وفرض الأمن من أهم التحديات التي تواجه الادارة السورية الجديدة التي تؤكد سعيها للضرب بيد من حديد وعدم اعطاء اي فرصة للمخلين بالامن بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وقيادة البلاد نحو الاقتتال مجدداً.
وعلى وقع فرض حظر التجول في طرطوس وحمص واللاذقية وملاحقة المتورطين بالأحداث الاخيرة، نقلت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" عن مصدر من إدارة الأمن العام اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، رئيس المخابرات الجوية السابق في سوريا، والمتهم بمئات عمليات الاغتيالات في عهد عائلة الأسد، بينها "الإشراف على اغتيال" الزعيم الدرزي اللبناني كمال جنبلاط في 16 آذار/ مارس 1977. إلى ذلك، تسعى الادارة السورية نحو تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية واعادة بناء الدولة ومؤسساتها، محاولة الاستفادة من الانفتاح العربي والقبول "المبدئي" للدول الاوروبية التي ترفع تدريجياً العقوبات التي فرضتها إبان حكم الأسد. وأمس أعلنت الحكومة البريطانية رفع العقوبات عن 24 كياناً حكومياً سورياً ومنها مؤسسات عاملة في قطاعات الطاقة والنقل والمال.
في المستجدات الدولية، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نيته زيارة السعودية، الاثنين المقبل، مشيرا الى أن فريقاً من المفاوضين الأوكرانيين "سيبقى في السعودية للعمل مع شركائنا الأميركيين". وكان موقع "أكسيوس" الإخباري أفاد في وقت سابق، بأن مسؤولين أميركيين وأوكرانيين بارزين سيجتمعون في السعودية، الأربعاء المقبل، لمناقشة الجهود الرامية لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية. ونقل الموقع عن مصدرين مطلعين توقعاتهما بمشاركة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، في الاجتماعات.
من جهته، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" مارك روته، إن الرئيس ترامب أوضح التزام الولايات المتحدة والتزامه الشخصي تجاه الحلف. واعلن عن "تفاؤله بحذر" بأن يؤدي الحوار بين واشنطن وكييف الى "نتائج جيدة" للمضي قدماً بايجاد حل للحرب الاوكرانية واحلال السلام. وكانت المشادة الكلامية الحادة بين الرئيسين ترامب وزيلينسكي دفعت واشنطن الى خفض حجم المساعدات الاميركية العسكرية المقدمة وهو ما دفع نحو تساؤلات كبيرة عن مستقبل الحرب وقدرة اوكرانيا على التصدي للهجوم الروسي دون مساعدة الحليف الاقوى، اميركا.
هذه المخاوف وغيرها دفعت الاتحاد الاوروبي لعقد "قمة أوروبية طارئة" في بروكسل دقوا خلالها ناقوس الخطر وأعربوا عن مخاوفهم الحادة بعد التباعد الاميركي - الاوروبي والاختلاف "الحاد" في وجهات النظر، حيث شددت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين الى أن "أوروبا تواجه خطراً واضحاً وحاضراً، وبالتالي يجب أن تكون قادرةً على حماية نفسها والدفاع عن نفسها". ويصارع الأوروبيون الوقت من أجل اقرار خطة التسلح التي عُرضت خلال على القمة والهادفة إلى توفير مبلغ 800 مليار يورو، عبر وسائل عدة، على أن يتم مناقشة جوانبها التقنية خلال اجتماع قادة القوات المسلحة في البلدان الأعضاء الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس، الاسبوع المقبل.
على المقلب الاخر، حذرت روسيا على لسان مسؤوليها بأن "التصعيد الأوروبي" لن يخدم السلام في أوكرانيا. فيما عدّت وزارة الخارجية الروسية أن وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار في أوكرانيا، وفقاً لمقترح باريس وكييف، أمر "غير مقبول على الإطلاق". يُذكر أن عدة تقارير صحافية أشارت الى محادثات سرية عقدت بين مسؤولين من ادارة ترامب ومعارضين سياسيين لزيلينسكي من أجل تشجيعهم على خوض الانتخابات الرئاسية التي تأجلت منذ العام الماضي. ومن أبرز الشخصيات التي تم التواصل معها زعيمة المعارضة الأوكرانية يوليا تيموشينكو، وبيترو بوروشينكو الذي شغل منصب رئيس أوكرانيا خلال الفترة الممتدة بين 2014 إلى 2019.
وانعكست تطورات المشهد العام على عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:
اعتبرت صحيفة "البيان" الإماراتية أن "الإصرار الأمريكي على عدم قبول بيان القمة العربية الطارئة بالقاهرة، والعودة للتمسك باقتراح الرئيس دونالد ترامب بضرورة تهجير أهل قطاع غزة هو خطأ أمريكي استراتيجي سوف تكون له آثار سلبية لا يمكن توقعها!"، مشددة على أن ما أسمته "الغموض، والتناقض، والتشدد والتهديد، واللامنطق في السلوك السياسي أمر شديد الخطورة في إدارة ترامب".
وبحسب صحيفة "البلاد" البحرينية، فإن "خطابات القادة العرب والبيان الختامي لقمة القاهرة مرتبطان ببعضهما البعض، سواء ما يرتبط بالحل البعيد للدولتين، أو ما يخص ثوابت قمة الرياض عام 2002 التي أكدت أن لا سلام من دون وطن قابل للحياة للفلسطينيين في غزة والضفة الشرقية وعاصمتها القدس الشريف"، موضحة أن "القمة العربية خرجت بتضامن حماسي، لكنها لم تخرج بقرارات محددة إلا فيما يتعلق بالوفد الذي سيزور البيت الأبيض قريبًا لشرح الموقف العربي إلى الرئيس ترامب"، وفق قولها.
وتحت عنوان "ماذا بعد القمة؟"، دعت صحيفة "الأهرام" المصرية "الدول العربية أن تبذل أقصى الجهد لوضع الخطة موضع التنفيذ، وإذا تصور البعض أن مصر وحدها ستظل تتحمل عبء القضية الفلسطينية فهذا تصور خاطئ تماما لأن فلسطين هي قضية العرب جميعا"، لافتة الى ان "اللحظة الراهنة في منتهي الخطورة، ليس على القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مستقبل الأجيال العربية المقبلة بكاملها".
أما صحيفة "القدس العربي"، فتطرقت الى المباحثات بين واشنطن و"حماس"، اذ أشارت الى انه "من غير المتوقع أن تغيّر هذه الصفقة الفرعية بين الأمريكيين و"حماس" لو تمّت، مسار المفاوضات بشكل كبير، ولكنّها تشير، بالتأكيد، إلى وجود أولويات أمريكية مختلفة عن الأولويات الإسرائيلية"، مؤكدة أن مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، عليه أن يوازن بين قرارات القمة العربية (والإسلامية) المعتدلة والممكنة التحقيق، ونزعات نتنياهو وكاتس وزامير لمواصلة الحرب ضد "حماس"، من جهة أخرى.
من جانبها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "العلاقة الغربية مع منطقة الشرق الأوسط هي علاقة معقدة، مليئة بالتناقضات والمصالح المتضاربة"، منوهة أن "البدائل والحلول للمنطقة تكمن في تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية كما تعزيز التعاون الإقليمي وبناء شراكات إستراتيجية لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية، كما يجب على الغرب مراجعة سياسته في المنطقة لضمان احترام حقوق الإنسان ومبادئ العدالة".
في سياق مختلف، نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصدر مقرب جداً من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن المرشد الإيراني علي خامنئي اتفق مع الأخير على ضرورة التحفظ عن مقترح روسيا للتوسط في المفاوضات بين إيران والرئيس ترامب، مشيراً (أي المصدر) الى أن خامنئي رفض طلب بزشكيان بالاستقالة أو التنحي، كما رفض تسمية وزير للاقتصاد"، بعد تنحية البرلمان الايراني الوزير السابق وتحميله مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية في البلاد التي ترزح تحت العقوبات الشديدة وبين سياسات "الضغوط القصوى" التي جدد ترامب انتهاجها منذ وصوله للبيت الابيض مجدداً.
(رصد "عروبة 22")