قضايا العرب

عودة العلاقات المصرية الإيرانية.. لطهران مآرب آخرى!

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

منذ مطلع العام الجاري، بدا أنّ هناك اهتمامًا متزايدًا من جانب إيران لاستعادة وتطبيع العلاقات المقطوعة مع مصر رسميًا قبل 4 عقود، رسائل طهران المباشرة عبر كبار مسؤوليها، وغير المباشرة التي أرسلتها عبر وسطاء لم تتوقّف على مدى الشهور الثمانية المنقضية، في المقابل لم يخرج من القاهرة ما يدلّ على تجاوبها مع تلك الرسائل.

عودة العلاقات المصرية الإيرانية.. لطهران مآرب آخرى!

بحلول منتصف العام شهدت المحاولات الإيرانية تصاعدًا تدريجيًا، من خلال وساطة عراقية وعُمانية، على أمل إعادة المياه إلى القنوات الدبلوماسية مع مصر.

أبرز الرسائل المباشرة، جاءت عبر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي في مايو/أيار الماضي عندما أبدى ترحيبًا كبيرًا باستئناف العلاقات مع مصر، أثناء استقباله سلطان عمان هيثم بن طارق في العاصمة طهران، إذ أوضح خامنئي أنّ بلاده ليس لديها أيّ مشكلة في "عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة".

لا يمكن مقارنة مستوى التصريحات عن استعادة العلاقات الإيرانية السعودية، بكثافة الرسائل الواردة من طهران للقاهرة

وبعد يوم واحد من تصريحات خامنئي، أعرب المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي، عن استعداد بلاده لتعزيز العلاقات مع مصر، مؤكدًا أنّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لفت إلى أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن من جانب وزارة الخارجية.

ثمّة تساؤلات باتت تفرض نفسها على المشهد بشأن تلك الرغبة المُلحّة، والتي ظهرت بشكل واضح تجاه مسار عودة العلاقات مع مصر تحديدًا، دون غيره من مسارات سياسة "تحسين علاقات الجوار" التي أعلنتها طهران، إذ لا يمكن مقارنة مستوى التصريحات الرسمية التي سبقت الإعلان الرسمي عن استعادة العلاقات الإيرانية مع السعودية بوساطة صينية، بكثافة الرسائل الواردة من طهران للقاهرة.

ماذا تريد إيران من مصر؟

تتعدّد المكاسب الاستراتيجية التي يمكن أن تحقّقها إيران من وراء تطبيع العلاقات مع القاهرة، في ظل المكانة الإقليمية التي يفرضها موقع مصر الاستراتيجي، وثقلها العربي والإسلامي، خاصة إذا أضفنا لذلك عنصر الوقت الذي تخوض فيه طهران معركة تفاوضية مع واشنطن وحلفائها من أجل صياغة اتفاق نووي جديد، وتصاعد حرب العمليات النوعية بينها وبين تل أبيب.

في هذا الصدد يرى الدبلوماسي الإيراني السابق جعفر قناد باشي أنّ مصر بمثابة حلقة وازنة بين كبرى الدول الإسلامية، نظرًا إلى موقعها الجغرافي والسياسي، موضحًا أنه فضلًا عن نفوذ مصر في الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، فإنها تتمتّع بموانئ عدّة على البحرين الأحمر والمتوسط، وأنّ التقارب الإيراني المصري سينعكس إيجابيًا على حركة عبور السفن الإيرانية من قناة السويس.

إستغلال إيران لتأثير مصر في بعض الدوائر الإقليمية، لا يغيب عن تفكير القاهرة عند تعاطيها مع محاولات الوساطة

كما يرى قناد باشي، الذي تولى منصب سفير بلاده في ليبيا سابقًا، أنّ تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين طهران والقاهرة كفيل بقطع الطريق على الأطراف التي تراهن على وضع مصر في المعسكر المعادي لإيران.

وتتطابق رؤية قناد باشي مع ما ذهب إليه فدا حسين مالكي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، والذي نقلت عنه وكالة أنباء "مهر" الإيرانية قوله؛ إنه "من المهم للغاية إعادة العلاقات بين إيران ومصر، لأنّ مصر من أقدم الدول وأكثرها حضارة في المنطقة والعالم، لذلك فإنّ مكانة مصر عالية ومهمة للغاية مقارنةً بالدول الأخرى".

عين إيران على استغلال تأثير مصر في بعض الدوائر الإقليمية، وهذا لا يغيب عن تفكير القاهرة عند تعاطيها مع محاولات الوساطة، وفق ما ترصده مراكز دراسات وأبحاث مصرية مقرّبة من دوائر صناعة القرار. فبحسب تحليل لدورية السياسة الدولية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإنّ إيران ترى في عودة العلاقات مع مصر فرصة لتحقيق عدد من المكاسب، في مقدّمتها كسر الحصار الدولي.

"في حال عودة العلاقات مع مصر، ستتمتّع إيران بمزايا نسبية، نظرًا للمكانة الإقليمية التي تتمتّع بها القاهرة، لكونها دولة القلب للوطن العربي، وتشترك في العديد من التحالفات، مما يتيح فرصة جيدة لإيران لإفشال سياسة الولايات المتحدة الرامية إلى عزلها دوليًا، وحشد العداء لها، خاصة بين الدول العربية".

ثمّة عامل آخر يجعل من استعادة العلاقات مع مصر أولوية قصوى بالنسبة لطهران، إذ تسعى الأخيرة لتوظيف تلك العلاقة كورقة ضغط يمكن استخدامها للمناورة في المفاوضات النووية من جهة، وإدارة الصراع مع إسرائيل من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار يُرجع مركز "شاف" للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا، الأسباب التي تدفع إيران للتقارب مع مصر إلى الحضور المصري البارز في القضايا الإقليمية، وكسر العزلة المفروضة على إيران، ومواكبة مسار المصالحات في المنطقة، وكذلك بعث رسائل تقارب إلى بعض دول المنطقة، على أساس مدى أهمية المكانة الإستراتيجية لمصر... إذ "ترغب طهران في كسب الدور المصري البارز، لمحاولة تحجيم سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تسببت في زيادة أزمات المنطقة".

على ماذا تعول طهران؟

يُعيد مراقبون تكثيف طهران لرسائل التقارب مع القاهرة، إلى إدراك إيراني لطبيعة الظرف الراهن الذي تمرّ به مصر على المستوى الاقتصادي، وعمق أزمة العملة الأجنبية التي تواجهها، فبحسب مصدر بحثي مقرّب من دوائر صناعة القرار، فإنّ الجانب الإيراني خلال محادثات تمهيدية جرت في بغداد، استعرض المكاسب التي يمكن أن تعود على القاهرة في حالة استعادة العلاقات، معدّدًا المزايا الاقتصادية في هذا الشأن، ويأتي في مقدّمتها عوائد السياحة الدينية الإيرانية التي ستفد إلى القاهرة، مشيرًا إلى أنّ مصر تسعى إلى تعظيم مدخلاتها من السياحة الدينية بشقّيها الإسلامي والمسيحي، إذ تعكف على مشروعين أحدهما معنيّ بتطوير مسار العائلة المقدسة، والآخر متعلّق بتطوير أضرحة آل البيت، وهو المشروع الذي يتمّ بشراكة مع طائفة البهرة.

تشترط القاهرة تقديم ضمانات حقيقية بشأن سياسات إيران تجاه الإقليم وعدم تدخّلها في الشؤون الداخلية للدول

ورقة السياحة الدينية التي تعوّل عليها طهران ربما تكون مغرية للقاهرة بالنظر للإحصاءات الرسمية، إذ يزور العراق سنويًا وفق إحصائيات حكومية إيرانية وعراقية نحو 5 ملايين زائر إيراني في أربعينية وفاة الحسين فيما يُعرف بـ"الزيارة الأربعينية"، وهي الأعداد التي يمكن أن تتردّد على "مراقد آل البيت المنتشرة في مصر".

وبقدر الإغراءات بالنسبة للقاهرة، بقدر المخاوف الأمنية، وهو الملف الحاضر بشكل دائم ضمن أية محاولات إيرانية لاستعادة العلاقات، إذ تشترط القاهرة تقديم ضمانات حقيقية بشأن سياسات إيران تجاه الإقليم وعدم تدخّلها في الشؤون الداخلية للدول.

وسبق أن تحدّث وزير الخارجية المصري سامح شكري عام 2016 عن مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية والعراقيل التي تواجهها، مؤكدًا أنّ عودة العلاقات مشروط بـ"وجود تغيير في المنهج والسياسة إزاء المنطقة، والسعي إلى بناء علاقات على أسس من التعاون والاحترام المتبادل والتكافؤ في المصالح، واحترام استقلال الدول العربيّة وسيادتها على أراضيها وعدم التدخّل فيها، والكفّ عن السعي إلى فرض النفوذ".

وفي مارس/ آذار الماضي أعلنت الحكومة المصرية أنها ستسمح للسائحين الإيرانيين باستئناف زياراتهم لمصر للمرة الأولى منذ عشر سنوات، لكنها قصرت وجودهم على مدن جنوب سيناء بتأشيرة عند الوصول وبكفالة شركات السياحة، ضمن خطوات أعلنتها لإنعاش القطاع السياحي.

الأمر الآخر الذي تراهن عليه إيران ربما الربط بين تطبيع العلاقات، وتهيئة الأوضاع الأمنية أمام السفن العابرة بالمجرى المائي لقناة السويس.

هل تستطيع مصر الوصول لصيغة "استعادة العلاقات" مع إيران دون التأثير سلبًا على علاقاتها الدولية والإقليمية والخليجية

وتهتمّ مصر بأمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لما لذلك من تأثير كبير على حركة الملاحة في قناة السويس، التي تجاوز دخلها السنوي الـ7 مليارات دولار، في ظل العلاقة الوثيقة بين إيران وجماعة الحوثيين في اليمن والذين تعتبرهم القاهرة مصدر تهديد للملاحة في البحر الأحمر.

ورقة لعب أخرى تدرك طهران جيدًا أهمّيتها بالنسبة للقاهرة، وربما كانت حاضرة في الأحاديث التمهيدية بين الجانبين، والمتمثّلة في ملف الوضع في قطاع غزة والوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وذلك على ضوء تمويل إيران لبعض الفصائل في ظل العلاقات القوية معها.

ختامًا، يظلّ هناك تساؤل هام متعلّق بمدى إمكانية وصول مصر لصيغة تمكّنها من استعادة العلاقات مع إيران دون المساس أو التأثير سلبًا على علاقاتها الدولية والإقليمية والخليجية الأخرى، خاصة في الوقت الذي تعوّل فيه القاهرة كثيرًا على الدعم الأمريكي لها أمام المؤسسات الدولية المانحة لتسهيل حصولها على قروض تساعدها على تجاوز الأزمة الاقتصادية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن