اقتصاد ومال

هل يغامر ترامب بتخفيض الدولار وكيف سينعكس ذلك على العالم العربي؟

هل يضحّي دونالد ترامب بالدولار الأميركي؟ فعلى الرَّغم من الضجّة التي يثيرها الرئيس الجمهوري بحروبه الاقتصادية ومبادراته السياسية الغربية، فإنّ واحدةً من أكثر الأفكار جدلية لدى إدارته هي مسألة احتمال تخفيض قيمة الدولار التي سبق أن ردّدها ترامب نفسه قبل انتخابه.

هل يغامر ترامب بتخفيض الدولار وكيف سينعكس ذلك على العالم العربي؟

في الوقت الحالي، تستفيد أميركا من قوّة الدولار في نواحٍ عدّة أبرزها خفض التضخّم على المواطن الأميركي الذي يشتري السّلع المستوردة بسعر أرخص، وكذلك تمويل عجز الميزان التجاري والموازنة عبر بيع السندات الأميركية وغيرها من أدوات الدَّيْن التي ينظر لها العالم على أنّها وسيلة استثمار مضمونة.

لكن في المقابل، فإنّ الصناعة الأميركية أكبر خاسر من هيمنة الدولار، ويظهر ذلك في تفاقم العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة بنسبة 17.0% العام الماضي ليصل إلى 918.4 مليار دولار، وتزايد الواردات لا سيما الصناعية فيما تبلغ نسب صادرات الصناعة التحويلية نحو 47% من إجمالي صادرات السلع والخدمات الأميركية، (مقابل %80 للصين)، وهو ما يعني أنّ أغلب صادرات أميركا هي من الخدمات والمواد الخام المعدنية والزراعية مثلها مثل الكثير من الدول النامية، ولقد أدّى ذلك إلى تراجع عميق للصناعة الأميركية واعتماد السوق الأميركية على الواردات بشكل كبير، فعلى سبيل المثال تستورد الولايات المتحدة سيارات فقط من المكسيك بقيمة 78.5 مليار دولار، وتُمثّل السيارات المستوردة نحو 23% من السوق الأميركية بقيمة تُقدّر بنحو 150 مليار دولار مقابل صادرات من السيارات بنحو 90 مليار دولار. وفي صناعة السفن تُسيطر الصين على 44% من إجمالي إنتاج العالم مقابل 1% للولايات المتحدة، التي كانت الأولى عالميًا عام 1975.

قد يلجأ ترامب إلى البلطجة للسماح بإضعاف الدولار لتقوية الصادرات المحلية مع إجبار دول العالم على استمرار التعامل به

لذا يرى بعض الاقتصاديين أنّ ترامب محقّ بشكلٍ جزئي بشأن قيمة الدولار، ففي عام 2019، قدّر صندوق النقد الدولي أنّ قيمة الدولار الأميركي مبالغ فيها بنحو 6% إلى 12%، كما أنّ العملات المنافسة الكبرى مثل اليوان الصيني واليِنّ الياباني رخيصة نسبيًّا بالمقارنة.

ولكن إضعاف الدولار قد يعني تخلّي المستثمرين عن السندات الأميركية، وتراجُع مكانة الورقة الخضراء كعملة تداول اقتصادية رئيسية، وهي الميزة التي تساعد واشنطن على تمويل عجوزاتها الضخمة.

لحلّ هذه المعضلة قد يلجأ ترامب لحلّ غير اقتصادي، ببساطة استخدام القوة الأميركية أو بعبارة أخرى البلطجة أو "الزعرنة" الأميركية، للسماح بإضعاف الدولار لتقوية الصادرات والصناعة المحلية مع إجبار دول العالم على استمرار التعامل بالدولار، وظهر هذا واضحًا، في تهديد ترامب لدول "بريكس" بفرض عقوبات عليها إن تخلّت عن التعامل بالدولار.

ويعتقد محلّلو "وول ستريت" أنّ ترامب قد يدفع باتجاه عقد صفقة دولية مع القوى الاقتصادية الكبرى لإلزامها بقبول تخفيض الدولار أمام عملاتها مع الإبقاء على الدولار كعملة التداول والاحتياط الرئيسيّة في العالم، ولقد استقرّ المحلّلون على اسم لهذه الصفقة، وهو "اتفاقية مار-إيه-لاغو"، نسبة إلى نادي ترامب الخاص بولاية فلوريدا، وفقًا لتقرير وكالة "بلومبرغ" الأميركية.

وتأتي هذه الأفكار من أوراق طرحها أعضاء في إدارة ترامب قبل تولّيه السلطة لإصلاح ما يعتبرونه خللًا في النظام المالي العالمي.

وهناك سابقة دولية حدثت في عهد رئيس جمهوري آخر، هو رونالد ريغان، بحيث جرى عام 1985 توقيع اتفاق "بلازا" بين كلّ من الولايات المتحدة الأميركية واليابان وألمانيا الغربية وفرنسا وبريطانيا، الذي نصّ على رفع قيمة عملات هذه الدول ولا سيما اليِنّ الياباني مقابل الدولار، حتى يتقلّص العجز التجاري الأميركي بخاصّة مع اليابان، عبر ارتفاع أسعار صادراتها.

الدول العربية غير النفطية قد تتأثر بالضغوط التضخّمية بسبب تراجع الدولار لكنّ التأثير سيكون أوضح بالنسبة إلى دول الخليج

وكانت اتفاقية "بلازا" واتفاقية "لوفر" التي تبعتها في عام 1987، بمثابة ضربة للصادرات اليابانية وقُدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، لكنّ الأهم أنّها كانت بداية سلسلة الأحداث المأساوية للاقتصاد الياباني، فعندما ارتفعت قيمة اليِنّ بسرعة كبيرة من 240 ينًّا لكل دولار في 1985 إلى 120 ينًّا بحلول 1988 تأثرت الصادرات اليابانية، واضطرّت طوكيو لخفض سعر الفائدة لتحفِّز الطلب المحلي وتعوِّض الخسائر الناجمة عن الاتفاق، ومن هنا بدأت أزمة السيولة الكبيرة لديها وتزايدت المضاربات التي أدّت إلى الركود الياباني طويل الأمد.

من سيدفع ثمن هبوط الدولار؟

إضافةً إلى صعوبة تنفيذ هذه الأفكار، يُخشى أن تؤثّر في جاذبية السندات الأميركية التي تمثّل المصدر الأساسي لتمويل عجوزات واشنطن، ولمواجهة ذلك تُطرح فكرة إصدار أميركا لسندات حكوميّة من دون فائدة - تُسمّى الكوبونات الصّفرية - على أن يشتريها حلفاؤها، وتستحقّ بعد 100 عام!، وفقًا لبلومبرغ، وهناك فكرة أخرى تقترح تبادل وزارة الخزانة الأميركية بعض الحيازات الأجنبية الحالية للديون الحكومية الأميركية مقابل كوبونات صفرية طويلة الأجل، مع التهديد بسحب الضمانات الأمنية من الحلفاء الذين يرفضون المشاركة، أو فرض رسوم جمركية عليهم، أو كليهما، وهو توجّه يشبه الضغط الأميركي الحالي على أوكرانيا لإبرام صفقة المعادن النادرة.

كيف سيتأثّر العرب؟

تراجُع الدولار سيكون له تأثيرات كبيرة في العالم العربي، فالدول العربية غير النفطية، قد تتأثر بالضغوط التضخّمية التي ستحدث بسبب تراجع الدولار، على الرَّغم من أنّها قد تستفيد بشكل محدود من التراجع النسبي لقيمة ديونها المقوّمة بالدولار، وازدياد جاذبية ديونها مع تراجع جاذبية الديون الأميركية.

لكنّ التأثير سيكون أوضح بالنسبة إلى دول الخليج لأنّ أغلب عملاتها مرتبطة بالدولار، وهذا يعني انخفاض قيمتها، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وفي الوقت ذاتِه فإنّ دول الخليج لن تستفيد كثيرًا من ميزة تراجع أسعار عملاتها المحلية في زيادة الصادرات لصغر حجم صادراتها غير النفطية، على الرَّغم من أنّها يجب أن تحاول الاستفادة من هذا السيناريو بمحاولة تعزيز الإنتاج المحلّي للسلع، وهي عملية بدأت فيها دول مثل الإمارات والسعودية بالفعل.

هل آن الأوان لإيجاد بديل للدولار كأداة للتداول والادّخار؟

كذلك ستتضرّر دول الخليج نتيجة تراجع قيمة الديون الأميركية التي بحوزتها والتي تُقدّر بحوالى 300 مليار دولار، وسيؤثّر تراجع الدولار في إيراداتها النفطية، على الرَّغم من أنّ النفط كغيره من السلع قد يرتفع قليلًا مع تراجع الدولار، كما قد تتعرّض لضغوط كبقية الكتل المالية الرئيسية لدفعها لشراء السندات الأميركية الصفرية.

المشكلة أنّه حتى لو لم يُنفّذ ترامب هذا السيناريو، لكن مجرّد طرحه، مع استمرار حروبه الاقتصادية، قد يُضعف الدولار، وهو الأمر الذي يُعيد السؤال القديم للواجهة مجدّدًا، هل آن الأوان لإيجاد بديل للدولار كأداة للتداول والادّخار أم سيظل العالم مرهونًا بتقلّبات المصالح والأهواء الأميركية؟!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن