الذّكاء الاصطناعي أداة واعدة لزيادة الإنتاجية، وتقليل الفاقِد وترشيد الموارد الزراعية، كما يمكن توظيفه في صنع أنظمة تستخدم تقنيات قادرة على جمع البيانات وتحليلها واستخدامها للتنبؤ أو التوصية أو اتخاذ القرار.
ومن أهمّ الأمثلة على تطبيقات الذّكاء الاصطناعي في المجال الزراعي استخدام أجهزة الاستشعار الحديثة لجمْع المعلومات حول التركيب البنائي للتربة وخصائصها بما في ذلك مستويات الرّطوبة والملوحة ونسبة المغذّيات فيها وتحليل تلك البيانات باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي. كما يمكن تحديد احتياجات التربة من الأسمدة والمغذّيات الزراعية التي تعدّل من درجة خصوبتها مما يوفّر كميات هائلة من الأسمدة المُهدرة والتي قد تؤدي إلى تدهور كلّ من التربة والنبات لأنها تزيد عن الحاجة الفعلية.
لأنظمة الذكاء الاصطناعي دور أساسي في ترشيد مياه الري مما يؤدّي إلى توفير نحو 40% من المياه المستخدَمة
وتُستخدم أيضًا أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الطقس للتنبؤ بالتحدّيات المحتملة والمؤثّرة في المحاصيل الزراعية خلال مراحل النموّ المختلفة مثل موجات الجفاف وتفشي الآفات الضارّة ما يعطي الفرصة للمزارع لاتخاذ التدابير الوقائية في الوقت المناسب للحفاظ على المحصول خلال كافة مراحل نموّه.
ولأنظمة الذكاء الاصطناعي دور أساسي في ترشيد مياه الري وتجنّب الإفراط فيها حيث تحدّد الاحتياجات المائية الفعليّة للنباتات من خلال تحليل دقيق لظروف الطقس والتربة، والتي يتم توظيفها في تحديد جداول ريّ دقيقة لنظم الريّ الحديثة مما يؤدّي إلى توفير من 35% إلى 40% من المياه المستخدَمة.
وتُستخدم أيضًا تقنيات الاستشعار عن بُعْد والصور الجويّة للكشف المبكر عن تفشّي الآفات أو الأمراض النباتية ممّا يسمح بالتدخل السريع وتطبيق العلاجات المناسبة في المناطق المتأثرة فقط ما يقلّل من استخدام المبيدات التي تؤثر في جودة المحاصيل وتُقلل من فرص تصديرها نتيجةً للأثر المتبقّي للمبيد ويتّضح ذلك بصورة واضحة في العديد من الدول العربية مما أدّى إلى تطوير حلول محلية مبتكرة وفعّالة لمراقبة وإدارة الآفات بطريقة أكثر دقّة واستدامة.
من أهمّ الأمثلة على ذلك، مشروع "العيادة الذكية" الذي أطلقته وزارة الزراعة المِصرية، وهو مشروع يُقدّم نموذجًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يعتمد على الإرشاد الرّقمي للمزارعين عبر تطبيق إلكتروني يُقدّم الحلول الخاصة بصحة النباتات والتعامل مع الآفات في ثوانٍ معدودة من خلال تطبيقٍ يعمل بالصوت على الهواتف الذّكية لتمكين المزارع البسيط الذي لا يجيد القراءة والكتابة من التعامل معه، وجرى اختبار قدرة التطبيق المبتكر في التعرّف إلى الأمراض ووصف نوع وكمية المبيدات اللّازمة للتغلّب عليها بنسبة نجاح وصلت إلى حوالى 97%، وهو معدّل غير مسبوق مقارنة بالطرق التقليدية، كما أنّ اللغة العربية أعطت التطبيق ميزةً جديدةً تزيل حاجز اللغة عند المستخدِمين.
ويمكن للذّكاء الاصطناعي أيضًا التغلب على واحدة من أهمّ مشاكل الزراعة والتي تتمثّل في تفشي الحشائش والأعشاب الضارة التي تنافس النباتات في الحصول على المياه والأسمدة وتؤدي إلى تقليل الإنتاجيّة بنسب تصل إلى حوالى 31.5% مما يؤدّي إلى خسائر اقتصادية فادحة.
كما يمكن للطائرات بدون طيار التقاط بيانات الصور الجوية التي يمكن استخدامها لمراقبة ظروف المحاصيل والتربة مع تحليل هذه البيانات لتقديم رؤى حول صحة المحاصيل، ونوعية التربة، ومراحل النمو.
ومن خلال الذّكاء الاصطناعي أمكن تصنيع "روبوتات ذكية" تقوم بإزالة الحشائش ميكانيكيًّا أو باستخدام جرعات دقيقة من المبيدات، كما أمكن للذكاء الاصطناعي توفير أجهزة تعمل بالليزر يمكنها التخلص من الحشائش بمعدّل فدانيْن في الساعة بدقّة تصل إلى حوالى 99%.
الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا في تحسین سلاسل الإمداد والتسويق مما يساعد على تجنّب فائض الإنتاج أو نقصه
وفي مجال الحصاد الآلي برزت أيضًا أجيال من "الروبوتات الذكية" كحلّ مبتكر لحصاد الثمار بكافّة أنواعها داخل الصُّوَبِ الزراعية وهي روبوتات مزوّدة بكاميرات دقيقة وأذرع ميكانيكية يمكنها تحديد لون الثمرة ودرجة نضجها وموقعها على النبات وبالتالي يمكن ضبط الروبوت وتغذيته بالبيانات التي تحدّد مواصفات الثمرة المطلوب قطفها دون غيرها مما يقلّل من الفاقِد ويضمن أعلى جودة ممكنة للمحصول من دون الحاجة إلى التدخل البشري.
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على مراحل الزراعة والحصاد فقط، بل يلعب دورًا متزايدًا في تحسین سلاسل الإمداد والتسويق للتنبؤ بالطلب المستقبلي على المنتجات الزراعية مما يساعد المزارعين على التخطيط المستقبلي وتجنّب فائض الإنتاج أو نقصه.
كما أنّه من خلال استخدام أجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء يمكن تتبّع مسار المنتجات من المزرعة إلى المستهلك ممّا يضمن جودة وسلامة المنتجات الزراعية.
ونظرًا لتعدّد مشاكل الربط بين المزارعين وقطاعات الإرشاد الزراعي والتسويق والبحث العلمي في العديد من البلدان العربية، فقد بدأ بعض الدراسات الناجحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التغلّب على تلك المشاكل، بحيث تمّ تطبيق برنامج مزرعة (Mazrae) في مصر لربط المزارعين بالمتاجر وأسواق الجملة بصورة مباشرة مما يقلّل من الوسطاء ويزيد من أرباح المزارعين. ولقد تمّ أيضًا تقديم بطاقة تُدعى "كارت الفلاح الذكي"، والتي تتيح للمزارعين في مصر سهولة الحصول على التقاوي والأسمدة والمبيدات وكذلك الإرشادات الزراعية اليومية بطريقة سهله وفعّالة.
يجب اللحاق بثورة الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة والعمل على توطين التطبيقات والتقنيات وإنتاجها محلّيًا
وبالنّظر إلى تعدّد التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في الوطن العربي، تتضح أهمية الحاجة إلى التوسّع في الدراسات والأبحاث والمشاريع التطبيقية بما يتناسب مع ظروفه والتي من خلالها يمكن تغيير نهج الزراعة التقليدية والالتحاق بالثورة التّكنولوجية العالمية، بخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي حيث من المتوقع أن يرتفع سوق الذكاء الاصطناعي في المجال الزراعي من 1.7 مليار دولار عام 2023 إلى 4.7 مليارات دولار عام 2028.
وإذا كان العالم العربي قد فوّت إلى حدٍّ كبير المراحل الأولى لثورة الذكاء الاصطناعي التي تركّزت بشكل كبير في مجال المساعدة الشخصية على الكتابة والبحث والتشخيص الطبي والصناعة والتصميم، فإنّه يجب أن يحاول اللحاق بثورة الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة، وألّا يكتفي بمحاولة نقل هذه التطبيقات والتقنيات، بل العمل على توطينها وإنتاجها محلّيًا لكي تساعد على تحسين قطاعه الزراعي بشكل فعّال عبر إيجاد أنظمة وتطبيقات محلّية ملائمة لظروفه وفي الوقت عينه تُقدّم قيمة مضافة بدلًا من استيرادها.
ويمكن أن تؤدي عملية التكامل العربي في هذا المجال، عبر تبادل الخبرات والتجارب وتكبير حجم السوق أمام أدوات الذكاء الاصطناعي المنتجة محليًّا، إلى تعزيز تنافسيتها وفرص نجاحها.
(خاص "عروبة 22")