في أوّل عملية جويّة معروفة لإثيوبيا منذ سنوات، نفّذت قواتها الجويّة ضربات ضدّ مسلّحي الحركة في إقليم شبيلي الوسطي في الصومال، الذي كان بؤرة اشتباكات ضدّ القوات الحكومية المدعومة من قوات الاتحاد الأفريقي، عقب توقيع اتفاق أمني بين الصومال وإثيوبيا الشهر الماضي.
وتعني الاستعانة بسلاح الجو الإثيوبي، عدم قدرة القوات الصومالية بمفردها على إدارة المعركة، كما تشير لترتيباتٍ جديدة تتجاوز مجرّد التعاون الأمني التقليدي إلى تنسيق عسكري أوسع، بما يسمح لإثيوبيا بشنّ عمليات مباشرة داخل الصومال. ويعتقد مراقبون أنّ أيّ تغلغل إثيوبي أعمق في الشأن الصومالي، سيؤدي إلى فقدان مقديشو استقلالية قرارها الأمني.
وفي إشارة ضمنية إلى معرفة بلاده المسبق بالضربة، اعتبر وزير الدفاع الصومالي عبد القادر نور، أنّه "لا يمكن تنفيذ أي ضربات جوية في الصومال من دون علم الحكومة"، لافتًا إلى أنّ "اتفاق أنقرة" للمصالحة بين الصومال وإثيوبيا، هو بمثابة إطار عمل للجهود المشتركة ضدّ حركة الشباب.
وتَراجع الصومال عن تحفظاتِه السابقة بشأن انضمام القوات الإثيوبية إلى بعثة الاتحاد الأفريقي، كما تخلّى الرئيس حسن شيخ محمود عن تهديداته بدفاع بلاده ضدّ أي محاولة للاستيلاء على أراضيها، بعد اتفاق أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، على منحها قاعدة بحرية هناك.
ويعاني الصومال من تهديدات إرهابية مستمرّة من "حركة الشباب"، التي لا تزال تنفّذ هجمات دموية، كما أنّ الانسحاب المشكوك فيه لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، يُثير مخاوف بشأن قدرة الجيش الصومالي على تأمين البلاد.
استعراض للقوة
لم تفقد "الحركة"، على الرَّغم من تعرّضها لضربات جوية أميركية وإثيوبية متوالية في الأسابيع الماضية، قدرتها على مواصلة حربها، حيث نفّذت استعراضًا عسكريًا لمقاتليها الجدد، الذين طالبهم أميرهم، أبو عبيدة عمر، بالاستعداد لمرحلة جديدة من الحرب، ولواجبات أكثر خطورة.
#AS released a new military parade video showcasing their fighters graduating from one of its training camps. #Somalia pic.twitter.com/x1vd2Ajik3
— MOGADISHU BREAKING (@Mogadishu_News) March 10, 2025
كما هاجمت "الحركة" بجرأة، اجتماعًا في بلدة بلدوين في وسط الصومال، لشيوخ قبائل محلية ومسؤولين حكوميين، لمناقشة كيفيّة التحرك ضدّها.
وعلى الرَّغم من نجاح الجيش الصومالي، منذ إطلاق المرحلة الأولى من هجومه الواسع النّطاق بدعم جوي أميركي وتركي، ضدّ "الحركة" التي تسيطر على مساحات واسعة من جنوب الصومال ووسطه، وتحرير مناطق كبيرة في جنوب البلاد ووسطها، فما زالت المرحلة الثانية للهجوم تعاني مشاكل، بسبب عدم القدرة على الاحتفاظ بالأراضي المحرّرة حديثًا ونشر قوات كافية.
وتجلّى هذا في تعبير وزير الدفاع الصومالي، عن ضيق صدره من تجاهل المدنيين، التحذيرات الرسمية بعدم التعامل مع "الحركة"، بعد تنفيذ ضربة جوية في "سيل باكاد" استهدفت قادة منها.
وعكست ردود الصوماليين على تغريدة الوزير، الذي لا يمتلك أي تاريخ عسكري على الإطلاق، فجوة واضحة بين الحكومة والشعب في المناطق النائية، وعدم الاقتناع بفعّالية أسلوبها في محاربة "حركة الشباب" في المناطق المستهدفة.
وتخشى القاهرة من أن تستغل إثيوبيا هشاشة الوضع الأمني في الصومال وعجْز حكومته عن إدارة الحرب على الإرهاب من دون دعم خارجي، لترسيخ وجودها العسكري في منطقة القرن الأفريقي.
وبحسب مسؤول مصري، تحدث لـ"عروبة 22"، فإنّ أيّ توسّع إثيوبي في المنطقة، يستدعي حذرًا ديبلوماسيًا واستعدادًا استراتيجيًّا، لمنع تحوّل هذه المنطقة إلى ساحة جديدة للضغط على المصالح المصرية.
كما يعتقد ديبلوماسي في مقديشو، أنّ توسيع إثيوبيا لوجودها العسكري في الصومال، يمنحها منفذًا استراتيجيًّا جديدًا، قد يهدّد التوازنات في المنطقة، لافتًا إلى وجود مخاوف من أن يكون للتدخل الإثيوبي المتزايد، انعكاسات إقليمية خطيرة على ميزان القوى في القرن الأفريقي، خصوصًا فيما يتعلق بالمصالح المصرية.
وفي رسالة وجّهها للرئيس الصومالي، اتهمه عبد الله عبيد عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب، بإهمال الجيش، وانتقد ما وصفَه بالسياسة الخارجية غير المستقرّة، التي تعتمد على مصالح آنية قصيرة المدى.
قاعدة عسكرية لمصر
ومع الخوف من اتساع الفراغ الأمني، الذي يمكن أن تستغلّه "حركة الشباب"، لتضع نفسها في موقع المدافع عن الأمّة، ويمنحها الظروف المناسبة للبقاء، تعاني مصر من خسائر بسبب استمرار تعطّل حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتأثيرات ذلك على قناة السويس، جراء تهديدات الحوثيين في اليمن.
ومع ذلك تستعدّ مصر، التي أكد رئيسها عبد الفتاح السيسي عدم سعيها لتهديد أيّ طرف، لإنشاء قاعدة عسكرية داخل الصومال، لتدريب قواته المسلحة. وقد عبّر الصومال عن حاجته لمشاركة قوات مصرية، من المتوقع أن تصل جوًّا وبحرًا، ضمن البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، بعدما نقلت في السابق أسلحة ومعدات إلى هناك.
تُـمثّل براغماتية الصومال، في الاستفادة من دعم مصر وإثيوبيا، في حربه ضد المتطرّفين، مخاطَرةً عزّزها تأكيد مسؤول صومالي، أنّ تقديم السلاح والتدريب يعني المشاركة المباشرة في الحرب.
وهكذا، يبدو أنّ مصر تواجه موقفًا استراتيجيًّا صعبًا، ينبغي أن يجعلها حذرة لعدم الانزلاق إلى حرب داخل الصومال ضدّ "حركة الشباب"، التي بنت شعبيتها على التصدّي لإثيوبيا!.
(خاص "عروبة 22")