يزداد الوضع في قطاع غزّة سوءاً مع تعنت اسرائيل واستغلالها الفرصة المتاحة لاستكمال إبادة الشعب الفلسطيني الذي يجد نفسه بين فكيّ كماشة، فيما استنكارات دول العالم وادانتها للجرائم المرتكبة لا تجد اذاناً صاغية لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يضرب بالقوانين والمعاهدات عرض الحائط لانه طوال فترة الحرب الاسرائيليّة، التي استمرت ما يقارب الـ15 شهراً، لم يجد تحركات حاسمة وخطوات جريئة تردعه خاصة أن الولايات المتحدة الاميركية تسانده وتقدم له الدعم اللامتناهي سواء عبر التصريحات اليومية أو شحنات الاسلحة والذخيرة ناهيك عن الموقف "الصادم" المتعلق بتهجير الفلسطينيين لاقامة "ريفييرا غزّة".
ورغم التراجع المحدود للرئيس الاميركي دونالد ترامب عن فكرة التهجير أمام الرفض العربي الكامل، والذي تجلى بالقمة العربية الطارئة التي عُقدت في القاهرة، الا ان نتنياهو وزمرته المتطرفة يعملون على قدم وساق لتحقيق هذا المخطط وتنفيذه وتضييق الخناق على الفلسطينيين. والى جانب ذلك، تتجلى أهداف أخرى خلف استئناف القتال ومنها تهرّب نتنياهو من تحمل المسؤولية عن إخفاقات 7 أكتوبر وسعيه الدؤوب الى تمرير قانون الموازنة خلال الأيام القادمة والحفاظ على ائتلافه واطالة أمد بقائه في السلطة اطول فترة ممكنة خاصة أنه يواجه ضغطاً شديداً من عائلات الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس" ومطالبته بوقف الحرب فوراً.
وبالتالي تشكل عودة إسرائيل للتصعيد ضربة قاصمة للوسطاء كما فشلاً ذريعاً للإدارة الأميركية التي أعلنت عزمها انهاء الحروب وتبريد المنطقة، فيما هي تعيد سياسة الرئيس السابق جو بايدن بمنح تل أبيب الضوء الأخضر لاستمرار العنف ومجازر الابادة. أما الدول العربية، فرغم اجتماعاتها وبياناتها فلا تزال مواقفها دون القدر المطلوب لانها لا تشكل اداة ضغط حقيقية للّجم العدوان ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.
وفي التفاصيل الميدانية، أعلن الجيش الإسرائيلي استئناف العمليات البرية، التي وصفها بـ"المحدودة" و "المركزة" في وسط وجنوب قطاع غزّة بهدف وضع خط فاصل بين شمال القطاع وجنوبه وتوسيع المنطقة العازلة، فسيطرت قوات الاحتلال على منطقة ممر نتساريم وصولاً الى طريق صلاح الدين. كما نشر الجيش لواء غولاني في جنوب القطاع تمهيداً لعمليات مستقبلية وذلك بالتزامن مع القائه منشورات على مناطق في بيت حانون وخان يونس بشمال وجنوب القطاع تأمر السكان بإخلاء منازلهم.
تزامناً، استمرت الضربات الجوية المكثفة لليوم الثالث على التوالي موقعة المزيد من الشهداء والجرحى الذين غصت بهم المستشفيات والمرافق الصحية التي تعاني من شح في الأدوية والمعدات والوقود جراء الحصار المطبق الذي ينفذه الاحتلال على القطاع منذ بداية الشهر الحالي. بينما حمَّلت حركة "حماس" إسرائيل وقياداتها المسؤولية عن تداعيات التوغل البري في محور نتساريم، داعية الوسطاء إلى "لجم هذه الخروق والانتهاكات غير المسؤولة" من الجانب الاسرائيلي. وتتمسك الحركة بالاتفاق المبرم وتدعو الى تطبيقه والعمل به فوراً مبدية استعدادها للتفاوض شرط أن يؤول أي مقترح، في نهاية المطاف، الى وضع حدّ للحرب وإنهاء القتال وإرساء هدنة طويلة في القطاع.
في السيّاق، ندّدت جامعة الدول العربية بما عدّته "إجحافاً" من جانب إسرائيل برسالة السلام التي أطلقتها الدول العربية مجتمعة خلال "قمة القاهرة"، معلنة، في ختام اجتماع غير عادي على مستوى المندوبين الدائمين، عن تشكيل مجموعة عمل عربية لمتابعة قرارات القمة الطارئة. أما في إسرائيل، فقد حشد المعارضون لسياسات نتنياهو أكثر من 40 ألف متظاهر شاركوا في احتجاجات واسعة غمرت تل أبيب والقدس وبئر السبع وحيفا وعشرات المواقع الأخرى.
وبموازاة عودة جرائم الابادة في غزّة، يستمر الحوثيون في تصعيدهم حيث أعلن الجيش الإسرائيلي تمكنه من اعتراض صاروخ أطلق من اليمن قبل اختراقه الأجواء الإسرائيلية. وقد تسببت حالة الهلع عقب دوي صفارات الإنذار في عدة مناطق بإسرائيل، في ساعة مبكرة من صباح اليوم، بإصابة 13 شخصا خلال توجههم إلى الملاجئ كما باجلاء نتنياهو من الكنيست إلى منطقة محمية.
هذا وتتواصل الغارات الاميركية التي تستهدف مخابىء وتحصينات الجماعة في صعدة وصنعاء ومدن أخرى لليوم الخامس على التوالي، في وقت علق الرئيس الاميركي دونالد ترامب على مجريات الاحداث متوعداً بالقضاء على من أسماهم "بالهمجيين الحوثيين". ودعا، في الوقت عينه، ايران الى وقف ارسال الإمدادات العسكرية "فوراً" وأن تترك الجماعة "تقاتل بنفسها". يُشار الى أن وكالة "سبأ" للأنباء بنسختها الحوثية، ذكرت أنه تم تشييع جثامين 16 من الضباط المقاتلين التابعين للجماعة والذين "استشهدوا في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، على حدّ قولها.
في إطار متصل، يستكمل الرئيس الاميركي سياسة "الضغوط القصوى" على ايران حيث منحها مهلة شهرين للتوصل الى اتفاق نووي جديد، بحسب ما صرحت به مصادر لموقع "أكسيوس" والتي أشارت إلى أن رسالة ترامب إلى المرشد الايراني علي خامنئي كانت "صارمة" لجهة تحذير طهران من عواقب رفضها العرض المقدم اليها من واشنطن ومواصلة برنامجها النووي. وحتى الساعة تدرس ايران الرد على الرسالة التي تلقتها من قبل مبعوث الرئيس الاماراتي أنور قرقاش في وقت تتفاقم فيه الاوضاع الاقتصادية الداخلية نتيجة العقوبات الاميركية المفروضة.
لبنانياً، أوضح المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أن "الولايات المتحدة تدعم الرئيس اللبناني جوزيف عون وحكومة الرئيس نواف سلام في سعيهما لبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وتنفيذ إصلاحات لتعزيز مؤسسات الدولة، وتلبية مطالب الشعب اللبناني"، نافياً ما أشيع في الساعات الاخيرة عن وجود طلب اميركي من لبنان للتوجه إلى مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل، واضعاً اياه في اطار "التضليل والكذب" بهدف "إثارة البلبلة". ولا تزال اسرائيل تحتل خمس تلال استراتيجية في جنوب لبنان وترفض الانسحاب منها وتستكمل اعتداءاتها بشكل يومي ما يضع المزيد من التحديات على عاتق الحكومة الحالية.
الى ذلك، أحكم الجيش اللبناني سيطرته على كامل بلدة "حوش السيد علي" وصادر الأسلحة الموجودة في المنازل على الجانب اللبناني من الحدود المشتركة مع سوريا وذلك بعد أيام من الاشتباكات العنيفة التي اوقعت قتلى وجرحى وهجرت ما يقارب الـ500 عائلة. وتسعى الحكومة الحالية الى ايجاد حلول للقضايا العالقة بين البلدين، لاسيما ما يتعلق بموضوع النازحين السوريين ومسألة التهريب عند الحدود والمعابر غير الشرعية، والتي سبق وناقشها الرئيسين اللبناني والسوري على هامش القمة العربية التي عقُدت في القاهرة للبحث بتطورات الوضع الفلسطيني.
في المعطيات الدولية، أجرى الرئيس الاميركي إتصالاً هاتفياً بنظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي لوضعه في اطار المكالمة التي أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي افضت الى اتفاق بوقف هجمات موسكو على البنية التحتية للطاقة في اوكرانيا لمدة 30 يوماً. ولفت زيلينسكي الى أن فرقاً أوكرانية وأميركية قد تجتمع في السعودية في الأيام المقبلة لمناقشة التفاصيل الفنية لوقف إطلاق النار الجزئي. واذ وصف مكالمته مع ترامب بأنها كانت "إيجابية وجوهرية جداً وصريحة"، قال "تحدثنا عن احتمال سيطرة الولايات المتحدة على محطة نووية أوكرانية واحدة، هي محطة زاباروحيا" التي تحتلها روسيا، وليس محطات عدة كما أشارت واشنطن في وقت سابق.
ولم تغب الأوضاع الفلسطينية ومشاهد عودة الحرب الى قطاع غزّة عن عناوين ومقالات الصحف العربية. وفي الجولة الصباحية اليوم نركز على أبرز ما ورد:
أكدت صحيفة "الوطن" القطرية أنه "ورغم بعض الإدانات، لا يوجد تحرك جدي من القوى الكبرى لوقف العدوان، مما يمنح إسرائيل مساحة للمناورة". وقالت: "مطلوب منا كفلسطينيين وعرب ومسلمين تكثيف التحركات الدبلوماسية، واللجوء إلى المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، لتوسيع دائرة المواجهة القانونية والإعلامية وتعزيز حملات المقاطعة وكشف جرائم الحرب في الإعلام العالمي".
واعتبرت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "هدنة الحرب في غزّة لم تكن سوى مجرد هدنة بالحدود الدنيا، أديرت بمعادلات المصالح الدولية أكثر مما راعت حق الفلسطينيين في الحياة، وحين قررت آلة الحرب العودة، لم يكن هناك مانع، لا من واشنطن، ولا من عواصم القرار الأخرى". وأضافت "وبينما تحصي غزّة شهداءها، يبقى السؤال معلقاً؛ كم من الدماء يجب أن تُسفك حتى يدرك العالم أن الفلسطينيين ليسوا مجرد أرقام في تقارير إخبارية؟ وكم من المجازر يجب أن تُرتكب قبل أن ينكسر الصمت المخزي؟".
وشددت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن "النتيجة المنطقية التي توصل إليها ضمير العالم هي أن إسرائيل غير جادة في أي جهود تبذل لإحلال السلام، ولا يمكن الاعتماد عليها في هذا الشأن"، مؤكدة أن "كل محاولات قادة إسرائيل للهروب من طريق السلام سوف تبوء بالفشل، ولن تنجح شلالات الدماء البريئة لأطفال غزة في طمس حقيقة أن هؤلاء القادة يرتكبون جريمة شنعاء سيتوقف أمامها التاريخ طويلا".
ومن وجهة نظر صحيفة "الغد" الاردنية، فإن "عالم اليوم محكوم بقانون القوة لا قوة القانون. واشنطن بيدها القرار العالمي وتستطيع أن تفعل ما تشاء، وانحيازها لإسرائيل لا يجهله الأعمى، فكيف بحركة فلسطينية اختبرت ويلات هذا الدعم المطلق لعقود طويلة؟"، معلنة أنه "لا وسيلة لوقف شلال الدم في غزة حاليا وعلى الفور سوى قبول "حماس" بمقترح ويتكوف ومن بعد ذلك البحث في خيارات أخرى تضمن الوصول للمرحلة الثانية من المفاوضات وانسحاب إسرائيل الكامل من القطاع".
بدورها، نبهت صحيفة "القدس العربي" الى أن "ما نراه من تصعيد وتوغلات إسرائيلية في سوريا، والإصرار على البقاء في النقاط الخمس المحتلة في جنوب لبنان، والتوتّر المتزايد في اليمن، وتهديدات الحرب ضد إيران، وما يسميه نتنياهو "الحرب على سبع جبهات" تشير إلى عاملين رئيسيين، الأول هو تعزيز سلطات نتنياهو، والثاني هو طبع إسرائيل بطابع اليمين الفاشيّ المتطرّف الذي يعتبر الإبادة، والتطهير العرقي للفلسطينيين، هدفيه الرئيسيين"، بحسب تعبيرها.
ودعت صحيفة "الصباح" العراقية العرب الى "التيقن، ولو متأخرين أن إسرائيل لا تعمل فقط من أجل البقاء كـ"دولة" في المنطقة، بل تسعى إلى تحقيق مشروعها التوسعي عبر تفتيت الدول العربية وإثارة النزاعات الطائفية والعرقية، لضمان بقائها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط"، مطالبة اياهم باعادة "النظر بسياساتهم الداخلية والخارجية خاصة وأنهم يملكون ثروات طبيعية هائلة تحتاجها دول الغرب، فضلا عن موقعهم الجغرافي المهم".
وفي إطار متصل، لفتت صحيفة "اللواء" اللبنانية الى أنه "ما يحاك للبنان من بوابة الجنوب، قد يكون أكبر بكثير من التكهنات، مع جنوح الوضع الميداني نحو التفلت التدريجي وقد يصل الى عودة الحرب والمواجهة". واضافت: "هذه المرة قد يكتسب لبنان بثلاثيته الجيش والشعب والمقاومة شرعية الدفاع عن السيادة التي تكفلها مواثيق الأمم الدولية. فهل تمهد "تل أبيب" لجولة جديدة من الحرب استنادا على ما تزعمه حماية للشمال الفلسطيني المحتل وسكان المغتصبات الفلسطينية؟".