بعد نحو 12 عاماً، أقرّ الوزراء العرب خلال اجتماعهم الاستثنائي في القاهرة في 7 أيار 2023، استعادة سوريا عضويتها في جامعة الدول العربية، بما عبّد الطريق أمام حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في 19 أيار في الرياض، وفق قرار قضى بحسب تعبير مصادر عربية لـ"عروبة 22"، بانتهاج سياسة "الخطوة خطوة" مع العودة السورية، في إشارة إلى وضع مطالب عربية على جدول الأعمال السوري، من المتوقع أن يستغرق تنفيذها وقتًا طويلًا نظرًا إلى دقة هذه المطالب وتعقيداتها.
على رأس قائمة أهداف الحراك العربي الذي دفع باتجاهه كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والعراق، إعادة تمتين قواعد الدولة الوطنية بأشكالها المختلفة السياسية والأمنية والإقتصادية والثقافية والديبلوماسية، في سوريا، وتحريك عجلة الإصلاح الهيكلي والبنيوي... وقبل ذلك وبعده:
- بسط السلطات الرسمية السورية سيطرتها على أراضيها، وإنهاء تواجد الجماعات المسلحة والإرهابية
- تكريس هوية سوريا العربية ووقف التدخلات الأجنبية والخارجية في شأنها الداخلي
- العمل على إنجاز التسوية السياسية والحل الشامل الذي يسهّل عودة ملايين النازحين السوريين، وفقاً لقرارات الاجتماع التشاوري الذي عُقد في العاصمة الأردنية، لوزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا، وقرار مجلس الأمن 2254
- انفتاح السلطات السورية على المعارضة الوطنية غير المسلّحة وغير المرتبطة بالخارج، التي سيكون عليها مسؤولية مباشرة في إنجاح المسعى العربي لإنتاج الحل السوري
أما على الضفة المقابلة، فلا تزال دول عربية على موقفها الرافض للعودة السورية إلى جامعة الدول العربية، وتتقدم قطر صفوف المعارضين لهذه العودة، وهي عبّرت صراحةً عن موقفها هذا بالتشديد على كونها تعتبر أنّ "أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة"، وذلك بالتوازي مع تعمّد الدوحة التغيّب عن اجتماع القاهرة التحضيري للقمة العربية.
تفاهمات إقليمية تربط عضويًا بين الاستقرار الأمني والمصالح الاقتصادية
ولعلّ التحوّلات الإستراتيجية والسياسية التي يشهدها العالم، والانعكاسات المترتبة عليها في المنطقة، هي التي حتّمت إعادة ترتيب البيت العربي، من منظور مسؤولين عرب مطّلعين على الدوافع الكامنة وراء قرار التطبيع مع دمشق، تماشيًا مع ضرورات المرحلة الحافلة بالتحديات المتلاحقة، إقليميًا ودوليًا، بما يفرض "تنقية الأجواء ونزع فتائل التوترات وبواعثها، وتحجيم الأزمات في المنطقة".
غير أنّ المتبابعين لهذا الملف لا يغفلون عن الإضاءة على الامتعاض الأميركي الواضح والعلني لقرار إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، باعتباره مؤشرًا جليًا لتراجع الدور الأميركي كناظم وحيد لخطوط "خارطة الطريق" المستقبلية في المنطقة، لصالح نشوء تجمعات عربية - إقليمية تعمل على إعادة أقلمة الترتيبات السياسية والاقتصادية، بمعنى إنشاء تكتلات متعددة الأضلاع، باتت الرياض تشكّل نقطة ارتكازها العربية، وترمي إلى تصفير المشكلات والتوترات، وتطوير تفاهمات إقليمية تربط عضويًا بين الاستقرار الأمني والمصالح الاقتصادية ومسار التنمية في المنطقة.
لذا يبقى من الأهمية بمكان، ترقّب ما ستسفر عنه سياسة "الخطوة خطوة" في الانفتاح العربي على دمشق، لا سيما وأنّ الموضوع سيظلّ خاضعًا لـ"امتحان مستمرّ" على مستوى تطوّر العلاقات الثنائية التي تربط كل دولة عربية بسوريا، بقدر إثبات جديتها في تنفيذ المطلوب عربيًا منها، في مسار شاق وطويل... لن يكون بمنأى عن تأثيرات رياح المعارضة الأميركية للتوجهات العربية الجديدة.
(خاص "عروبة 22")