كل المعطيات والوقائع السياسية لا تشي بالوصول إلى تفاهمات تجنب المنطقة أثار الحرب الآخذة بالتوسع في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة فيما لبنان وسوريا يعانيان من تداعيات الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة ومساعي تل أبيب الدؤوبة للابقاء على احتلالها وتوسيع عملياتها العسكرية بحجة الحفاظ على أمن مستوطناتها. في وقت تتعاظم فيه التهديدات ضد ايران التي تم "تقليم أظافرها"، بعد سلسلة الضربات التي تلقتها أذرعها في منطقة الشرق الأوسط وأخرهم الغارات الاميركية المتواصلة على الحوثيين في اليمن.
فايران التي كانت تفاخر، في وقت سابق، باحتلال أربعة عواصم عربية، تراقب اليوم عن كثب ما يجري من حولها وتنظر بعين القلق والترقب لمستجدات الأحداث، خاصة أن التنسيق الاميركي - الاسرائيلي على أوجه، ما دفعها لعرض التفاوض غير المباشر مع واشنطن عبر القناة العُمانية. وبينما لا يزال هذا العرض قيد الدراسة، بدا لافتًا ما أشارت اليه تقارير غربية، من بينها تقرير لصحيفة "التلغراف"، ومفاده أن طهران بصدد إعادة تقييم سياستها الإقليمية، بما في ذلك وقف دعمها للحوثيين. ورغم عدم وجود أي مؤشرات فعلية تؤكد ذلك، الا أن طهران يمكن في إطار التخفيف من التصعيد تجاهها ان تلجأ الى تقديم التنازلات خاصة أن العلاقة بين واشنطن وطهران تمر بمرحلة مفصلية. ويبقى السؤال الأهم هنا: هل ستنجح استراتيجية "الضغوط القصوى" في إجبار طهران على تقديم تنازلات حقيقية، أم أن الإيرانيين سيجدون طرقًا "ملتوية" أخرى للمراوغة وكسب الوقت؟
وفي إنتظار معرفة ما ستحمله الايام القادمة، تصدرت زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، بيروت سلم الأحداث خاصة أنها تأتي على وقع الجدل بشأن نزع سلاح "حزب الله" ومواصلة تل أبيب تعدياتها على لبنان رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وقد أحيطت اللقاءات التي عقدتها مع كبار المسؤولين، يتقدمهم الرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري بالتكتم عن التفاصيل رغم أن البعض حاول إشاعة أجواء "ايجابية وبنّاءة".
وبحسب المعلومات، فإن أورتاغوس تطرقت الى موضوعين أساسيين خلال لقاءاتها وهما: سلاح "حزب الله" وتطبيق القرار 1701 وبسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيها كما شددت على أهمية الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة كشرط مقدم لإعادة الإعمار، وهو الملف الذي يثقل كاهل الحكومة خاصة أن عدد كبير من العائلات لم تعد الى منازلها واراضيها مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي في عدوانه من جهة وعدم اطلاق خطة للاعمار والتعافي من جهة ثانية. هذا ومن المتوقع أن تستكمل الموفدة الاميركية لقاءاتها اليوم، حيث ستلتقي كلّا من وزير المالية ياسين جابر وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد قبل أن تختم زيارتها بمؤتمر صحافي توضح فيه أبرز المعطيات.
عليه، ستبقى الزيارة موضع اهتمام ومتابعة، خاصة أن المناقشات ستتوالى تباعًا بالتوازي مع وجود محاولات جادة لتحييد لبنان وعدم ادخاله في أتون حرب جديدة. في المقابل، تزداد الاوضاع في غزة بالتأزم والتفاقم، خاصة أن كل مقومات الحياة باتت شبه معدومة مع مواصلة الحصار وقطع الكهرباء والمياه، ناهيك عن توسع العمليات العسكرية وتقطيع أوصال القطاع واستمرار القصف الهمجي دون توقف حاصدًا المزيد من الارواح والضحايا. وهذه الاوضاع الكارثية تخيم على جهود الوسطاء، ولاسيما مصر التي تحدثت عن مقترح جديد، في مسعى إلى تقليص الهوة وسد الفجوات بين "حماس" وإسرائيل. وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ"الشرق الأوسط"، فرصة جديدة للتهدئة قبيل عيد الفصح اليهودي في 20 نيسان/ أبريل الجاري.
وتعول القاهرة على المساعي التي يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة الاميركية لجهة دفع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى تبني المقترح والتوقف عن خلق العثرات لإطالة أمد الحرب، وذلك مع توقع توجه الاخير الى واشنطن اليوم للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ووفق بيان صادر عن مكتب نتنياهو، فإن الاجتماع "سيناقش الرسوم الجمركية، والجهود المبذولة لإعادة الرهائن الإسرائيليين من غزّة، والعلاقات بين إسرائيل وتركيا، والتهديد الإيراني، والمعركة ضد المحكمة الجنائية الدولية" عقب اتهامها نتنياهو بارتكاب جرائم حرب في القطاع الفلسطيني.
سياسيًا أيضًا، ناقش الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقوم بزيارة الى القاهرة، "أهمية استعادة التهدئة في غزة من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية"، بحسب ما ورد في بيان الرئاسة المصرية. فيما كرر وزير الخارجية بدر عبد العاطي، خلال لقاء جمعه مع وفد من حركة "فتح" الفلسطينية، موقف بلاده الداعم للسلطة الفلسطينية، مؤكداً "رفض المحاولات الإسرائيلية لتقويض وحدة الأراضي الفلسطينية وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية"، محذراً من عواقب استمرار الصمت الدولي المخزي تجاه ما يجري.
إلى ذلك، يتوجه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى الشرق الأوسط الأسبوع الجاري، ومن المقرر أن يلتقي في العاصمة الاماراتية، أبوظبي، مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، الذي يرأس فريق التفاوض الإسرائيلي، حسبما ذكر موقع "أكسيوس"، نقلاً عن مسؤول أميركي، والذي لفت أيضًا إلى أن ويتكوف قد يسافر أيضاً إلى الدوحة أو القاهرة، إذا كانت هناك تطورات ملموسة بشأن مفاوضات هدنة غزة. ويأتي ذلك مع اعلان المتحدث باسم "كتائب عز الدين القسام" أبو عبيدة، "عدم نقل الأسرى الاسرائيليين من المناطق التي تطلب إسرائيل إخلاءها، وإبقاءهم ضمن إجراءات تأمينٍ مشددة، لكنها خطيرةٌ للغاية على حياتهم"، مضيفاً: "إذا كانت إسرائيل معنية بحياة هؤلاء المحتجزين فعليها التفاوض فورًا من أجل إجلائهم أو الإفراج عنهم".
تصريح أبو عبيدة ترافق مع تسجيل مصور، أمس، بعنوان "الوقت ينفد" يظهر فيه أسيران إسرائيليان لدى "القسام" وهما يحملان نتنياهو مسؤولية ما يجري ويطالبان "بالتوحد" لوقف الحرب واستئناف المفاوضات. وفي سياق متصل نظمت عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة وقفة احتجاجية بالقرب من مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب أعربوا فيها عن قلقهم بشأن مصير ذويهم منذ استئناف إسرائيل القتال.
أما في اليمن، فقد أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، في وقت مبكر اليوم، أن القوة البحرية للجماعة استهدفت سفينة إمداد تابعة لحاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" بصاروخ باليستي. في المقابل، ذكرت معلومات صحفية عن مصرع شخص واصابة أربعة آخرين بجروح جراء الغارات الأميركية التي استهدفت منطقة حفصين غرب مدينة صعدة. يُذكر أن هذه الغارات أتت ردًا على هجمات الحوثيين، الذين يسيطرون على بعض مناطق اليمن، على السفن في البحر الأحمر منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 دعماً للفلسطينيين في غزة، بحسب قولهم.
على المقلب الأخر، احتشد آلاف الأشخاص في واشنطن وفي أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة متظاهرين ضد سياسات ترامب الاقتصادية التي وصفوها بـ"التدميرية" على برامج الرعاية الصحية الفيدرالية والعاملين في الحكومة. وكانت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي على 180 دولة حول العالم دخلت حيّز التنفيذ، أمس السبت، مع تزايد الاعتراضات على التغييرات الجذرية التي يجريها في السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة منذ لحظة وصوله الى البيت الابيض.
الهمّ الفلسطيني وتداعياته على المنطقة برمتها يخيم على اهتمامات الصحف العربية، حيث نورد هنا أبرز ما تم رصده خلال جولتنا الصباحية:
تحت عنوان: "حرب الضفة المنسية"، كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "في الوقت الذي تتسلط فيه الأضواء على المجازر الإسرائيلية الرهيبة في قطاع غزة، تعيش الضفة الغربية المحتلة وضعاً لا يقل خطورة، وتشهد معركة تصفية شرسة للوجود الفلسطيني من خلال توسيع سياسة هدم المخيمات وتنفيذ حملة تهجير غير مسبوقة للسكان"، لافتة الى أن المذابح المستمرة في غزة وما يجري في الضفة "وجهان لحرب إسرائيلية واحدة، تعمل على إنهاء القضية الفلسطينية ومصادرة حل الدولتين".
وأشارت صحيفة "الوطن" القطرية الى أن "غياب وساطة فعالة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، سوف يؤدي إلى إطالة حلقة العنف المفرغة، لا سيما في قطاع غزّة"، متطرقة الى ما نشر في بعض وسائل الاعلام من معلومات حول قيام قطر بدفع أموال للتقليل من جهود مصر أو أي من الوسطاء في عملية الوساطة بين حركة "حماس" وإسرائيل، واضعة ذلك في خانة "الأكاذيب التي تمثل حلقة جديدة في مسلسل التضليل وتشتيت الانتباه عن المعاناة الإنسانية والتسييس المستمر للحرب".
ولم تختلف وجهة نظر صحيفة "الأهرام" المصرية التي أوضحت أن "تعثر جهود استئناف المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" يبعث بمخاوف متزايدة من حالة عدم الاستقرار الممتدة التي ستتجه إليها منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة". وخلصت الى أن "ما تقوم به إسرائيل في غزة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويشعل فتيل الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما يتطلب وقفة حاسمة من المجتمع الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية والمسجد الأقصى".
أما صحيفة "الدستور" الأردنية، فاعتبرت أن "ما فعلته إسرائيل حتى الآن، وما تسعى لتحقيقه ينصب باتجاه تهيئة الظروف الموضوعية لتنفيذ "وعد بلفور 2" الذي سيطلقه ترامب قبل نهاية العام الحالي". وقالت: "بروفة غزة سيتم نقلها إلى الضفة الفلسطينية، ترويض "حزب الله" في لبنان سيمتد إلى ترويض أو تحجيم أو تفكيك شبكة تنظيمات "الإسلام السياسي" كما هو الحال في سوريا واليمن، أو على هامشه كما هو الحال في العراق وغيره، سيتم، أيضًا، تحييد إيران؛ سواء بضربة عسكرية أو بثورة داخلية أو بإعلان الاستسلام السياسي للشروط التي قدمها ترامب".
بدورها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "المنطقة العربية تشهد واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العصر الحديث؛ وهي قيام الصهاينة بارتكاب حروب إبادة جماعية، بالغة القسوة والدموية، ضد الفلسطينيين، رداً على هجوم 7 أكتوبر". وقالت "إن قيام إسرائيل، وفي وضح النهار، بارتكاب جريمة القرن في غزة، ومهاجمتها لسوريا ولبنان، هو أمر كان يجب أن يُحرك بعض الشعوب العربية، لمساعدة أشقائهم، سيما أنهم جميعاً مستهدفون من قبل التحالف الصهيوني - الاستعماري".
ونبهت صحيفة "الوطن" العُمانية الى أن "نتنياهو لا يريد لحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني أن تتوقف، بل يريد أن تبقى مشتعلة مع ازدياد سعارها، حتى لو طالت كل المنطقة، وهو ما يجري عمليًّا من خلال استهدافات تتم في فلسطين ولبنان وجوارهما"، مبدية استهجانها لـ"حالة العجز العربي أولًا وأساسًا، والدّولي ثانيًا، عن القيام بالدور المطلوب لوقف الإبادة ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة".
في إطار منسجم، أكدت صحيفة "الراي" الكويتية، في تقرير خاص، أن رد "حزب الله"، أو عدمه، يعكس ضبط النفس المدروس، على الرغم من انتهاكات إسرائيل المستمرة للقرار رقم 1701، إلا أن الحزب قد تراجع إلى حد كبير ويركز على حماية السكان في جنوب لبنان، مع إعطاء الأولوية لسلامة المدنيين وإعادة الإعمار". وتابعت: "يبدو أن ضبط النفس الذي يتبناه "حزب الله" جزء من إستراتيجية أوسع للحفاظ على التماسك الداخلي والاستعداد وهذا لا يعني التخلي عن الردع، بل يُعاد ضبطه ليتناسب مع الواقع الراهن"، وفق وصفها.
(رصد "عروبة 22")