يُجوع قطاع غزة عمدًا ويموت سكانه أمام مراكز توزيع المساعدات أو اعياءً وتعبًا نتيجة سوء التغذية بعد نفاذ مخزون الطعام وتوقف معظم المؤسسات والمنظمات الدولية عن العمل نتيجة الحصار المطبق واغلاق كافة المعابر بينما يتلهى العالم بمتابعة تطورات مفاوضات الدوحة بين وفدي اسرائيل وحركة "حماس" والتي لا تزال ترواح مكانها، رغم تحقيق بعض التقدم، حيث العُقد هي نفسها وتشمل موضوع الانسحاب الاسرائيلي وعدد الاسرى الفلسطينيين المنوي الافراج عنهم.
وبينما تلوح في الافق محاولات جادة لوقف الحرب من قبل الوسطاء، تستكمل قوات الاحتلال الاسرائيلي اصدار أوامر اخلاء جديدة ومطالبة السكان بالتوجه نحو منطقة المواصي التي باتت تعج بخيم الفلسطينيين المحشورين في بقعة جغرافية ضيقة. ودخلت منطقة دير البلح لاول مرة ضمن خرائط الاخلاء بحجة وجود أنشطة لفصائل فلسطينية، ما يعني مفاقمة الاوضاع الانسانية سوءًا مع تحول الترحال والتنقل من مكان لآخر الى سمة حياة الغزاوي الباحث عن الأمان والامن في قطاع تغيب عنه كل مقومات الحياة الطبيعية بعد مرور 21 شهرًا على بداية القتال وتعثر كل جولات المباحثات نتيجة اختلاف في وجهات النظر وتراشق المسؤوليات واتهام كل طرف الآخر بالتعنت ووضع العراقيل والعثرات.
وفقد اهالي غزة ايمانهم بأي لقاءات او مفاوضات تُجرى لانها تصل بعد اشهر طويلة من الاخذ والرد الى خواتيم غير سعيدة ما يسلب منهم امالهم بإمكانية استعادة جزء من الحياة في بلد تحول الى كومة من ركام وألاف متراصة من الخيم التي تزيد بدورها من معاناتهم بسبب موجة الحر الشديدة وندرة المياه. وهذا الوضع ليس وليد صدفة بل نتيجة وجود مخطط اسرائيلي واضح المعالم بتهجير الفلسطينيين الى بلدان اخرى وطرح "حوافز" مالية عليهم لقبولهم بذلك بعد سلب كل الفرص المتاحة أمامهم. وفي آخر المعطيات الواردة، أكدت وزارة الصحة استشهاد أكثر من 900 فلسطيني، بينهم 71 طفلًا، بسبب الجوع وسوء التغذية، إضافة إلى 6 آلاف مصاب من الباحثين عن لقمة العيش منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع.
الى ذلك، سجلت 18 حالة وفاة بسبب الجوع خلال 24 ساعة ما ينذر بكارثة انسانية لا مثيل لها. وحاولت العديد من الدول، لاسيما الاوروبية منها، الضغط على نتنياهو من اجل وقف حرب الابادة الا انه كان دائم التحجج بمصلحة "حماس" وسطوتها على المساعدات من اجل تبرير خطوته الاجرامية هذه. ومع تعذر ادخال ولو كيس طحين واحد، نقلت شبكة "فوكس نيوز" عن مسؤول إسرائيلي أن مناقشات تجري حاليًا بين تل أبيب و3 دول إقليمية بشأن تنفيذ عمليات إنزال جوي للمساعدات الإنسانية الى قطاع غزة. وبحسب المسؤول، فإن إحدى هذه الدول بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات عملية للمضي قدمًا في تنفيذ هذه الخطة، التي بدأ العمل عليها قبل نحو 3 أسابيع. وتواكب هذه الخطوة المطالب الدولية والداخلية في اسرائيل بعقد صفقة فورًا تنهي معاناة الاسرى المحتجزين لدى "حماس".
أما في الشق السياسي، فبرزت تصريحات المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بولر الذي تحدث عن وجود مؤشرات لقرب احداث خرق ما. وقال "هناك شعورا جديدا بالقدرة على إنجاز شيء"، موضحًا أن أشياء كثيرة عُرضت على "حماس"، وأنه يريد منها اتخاذ إجراء، وإلا "سيتعين على اسرائيل"، على حد قوله. وكالعادة تقف الولايات المتحدة الى جانب المخططات الاسرائيلية الجارية على قدم وساق وتوفر لها كل مقومات الانتصار وتثبيت سطوتها وقوتها رغم توجيه بعض "الانتقادات" احيانًا الى نتنياهو. وفي السياق، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن "جهود صادقة تُبذل لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة"، مجددًا رفض بلاده السماح بـ "تهجير الفلسطينيين من أرضهم" باعتباره بمثابة "خط أحمر لن يتم السماح به تحت أي ظرف من الظروف".
من جهته، باشر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حملة اتصالات دولية واسعة مع قادة العالم والمنظمات الدولية لوقف جريمة التجويع التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بكل فئاته واطيافه. أما المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، فتحدت العقوبات الاميركية المفروضة عليها ووجهت اصابع الاتهام مجددًا لتل أبيب واصفة ما تقوم به في القطاع بأنه سعي الى"محو وجود الفلسطينيين من القطاع". في غضون ذلك، تحدث مكتب نتنياهو عن تعرضه الى تسمم غذائي، وأضاف أنه سيستمر في أداء مهامه خلال فترة الراحة في المنزل على مدى الأيام الثلاثة المقبلة. والمفارقة ان ايام الراحة المذكورة تتزامن مع موعد جلسة محاكمته بتهم فساد ورشاوي، ما يعني انه سيتغيب عن الحضور.
ومن الطبيعي ان يستمر نتنياهو في المراوغة والتهرب من المحاكمات بينما يشنّ حروبًا واعتداءات شبه يومية في عدد من الدول العربية. وبهذا الاطار، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول أميركي اشارته الى أن هناك شكوكًا متزايدة داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن رئيس الوزراء الاسرائيلي، لافتًا الى أن "الشعور بأن إصبعه على الزناد مزعج للغاية". واستهجن المصدر عينه القصف الإسرائيلي على العاصمة دمشق والذي فاجأ الرئيس ترامب، "إذ لا يحب مشاهدة قنابل تُلقى في بلد يسعى للسلام فيه وأصدر إعلانًا بشأن إعادة إعماره". وهذه الانتقادات تترافق مع تثبيت اتفاق وقف النار وانتشار القوات الامنية في محافظة السويداء بعد ايام طويلة من الاشتباكات التي خلّفت وراءها أكثر من ألف قتيل.
على خط موازٍ، دخلت أمس، الاحد، اول قافلة مساعدات إنسانية من "الهلال الأحمر السوري" الى المحافظة التي تشهد على اوضاع كارثية. بدوره، أكد المبعوث الأميركي لسوريا توم برّاك أنه لن يتم احتواء ما أسماه بـ"الاعمال العدائية" في السويداء إلا باتفاق لوقف العنف وحماية الأبرياء ووصول المساعدات، مشيرًا إلى أن التهدئة الدائمة أساسها التبادل الكامل للرهائن والمعتقلين، وهو ما يتم العمل على تنفيذه، وفق تعبيره. وكانت الولايات المتحدة دخلت على خط التهدئة وهو ما أكده وزير خارجيتها ماركو روبيو الذي قال إن بلاده "ظلت منخرطة بشكل مكثف خلال الأيام الثلاثة الماضية مع اسرائيل والأردن والسلطات في دمشق بشأن التطورات في جنوب سوريا".
وعلى امل ان يتم الالتزام الجدي بهذا الاتفاق لتهدئة الاوضاع بعد فشله في المرات الثلاثة السابقة، خاصة أن "الجمر تحت الرماد" رغم كل المحاولات من اجل رأب الصدع والتي تحتاج الى التزام جدي من قبل جميع الاطراف السورية. الى جانب ضرورة توقف اسرائيل عن بث التفرقة والفتنة بعد تدخلها بحجة "حماية الدروز" وشنها ضربات على 4 محافظات ناهيك عن مبنى الاركان وقرب القصر الرئاسي في العاصمة دمشق الأربعاء الماضي. وتستغل تل أبيب الفرصة من اجل اشعال الاوضاع خدمة لمصالحها ومآرب نتنياهو الخاصة بما لا يمت بصلة الى مصالح الدروز الذين هم أنفسهم يعيشون حالة من الانقسام الحاد والاختلاف الجذري في الآراء بين من يدعم حكومة الرئيس احمد الشرع ومن يعارضها وينادي بالانفصال.
ومن سوريا الى ايران التي تحاول التخفيف من الضغوط المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إنه ستعقد يوم الجمعة القادم محادثات نووية في اسطنبول مع دول الترويكا الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك بعد تحذيرات هذه الدول من أن عدم استئناف المفاوضات سيؤدي إلى إعادة فرض عقوبات دولية على طهران. وتأتي هذه المحادثات بعد أيام قليلة من إجراء وزراء خارجية الترويكا ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي كايا كالاس أول مكالمة هاتفية لهم مع وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي منذ الهجوم الإسرائيلي الأميركي على منشآت نووية إيرانية الشهر الماضي والذي بات يُعرف بحرب الـ12 يومًا.
تزامنًا، تسعى طهران للحصول على دعم موسكو بينما تخوض مناقشات "شاقة" مع دول الترويكا، وتجلى ذلك من خلال المباحثات التي عقدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع كبير مستشاري المرشد الإيراني في الشؤون السياسية علي لاريجاني والتي تركزت، بحسب المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف على "تقييمات الوضع المتأزم في الشرق الأوسط وحول البرنامج النووي الإيراني". وذكر بيسكوف أن بوتين أكّد مجددًا موقف موسكو الداعم لاستقرار المنطقة، وسعيها إلى حلّ سياسي للقضايا المتعلقة بالأنشطة النووية الإيرانية.
ونرصد ضمن جولة اليوم على الصحف العربية ابرز المقالات والعناوين على النحو التالي:
شددت صحيفة "الرياض" السعودية على أن "إعادة سورية إلى موقعها الطبيعي في النظام العربي لن تكون عبر التصريحات وحدها، بل من خلال مسار عربي مسؤول، يستثمر في السلام، ويحمي الدولة، ويُنهي زمن الفوضى". وقالت "وحدة سورية لم تعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة لحماية الأمن الإقليمي، ومنع تمدد الفوضى إلى حدود دول الجوار، وكلما تأخر الحل، ازداد تفكك المؤسسات، وتوسعت دوائر الانقسام، ولذلك فإن المسؤولية لم تعد أخلاقية فقط، بل استراتيجية تتطلب وضوحًا في الرؤية، وثباتًا في الموقف، وشراكة عربية فاعلة في رسم ملامح الغد السوري".
صحيفة "اللواء" اللبنانية دعت الرئيس أحمد الشرع الى "تغيير مناحي إدارته للوضع السوري وتعاطيه مع المكونات السورية بشكل خاص، واتخاذ اجراءات حاسمة وجازمة بحق كل الأطراف التي تمارس الممارسات المُهدّدة للاستقرار السوري". واضافت "لقد بات على الشرع أكثر من واجب ليس لحماية سوريا فقط بل حماية نفسه ونظامه أيضاً إذا أراد الاستمرار. ولا ننسى ان هناك المقاتلين الأجانب الذين اخطأ جدا بسعيه لتجنيسهم تحت حجج تكوين جيش سوري نظامي قوي. فالمقاتل الأجنبي قد يتحوّل الى مرتزق يخرق الاستقرار السوري ساعة يريد مشغّلوه وحسب توجهات من يوجّهه ويدعمه في الخارج"، بحسب وصفها.
وكتبت صحيفة "الجريدة" الكويتية "العنوان الأميركي في المنطقة هو إنهاء عصر السلاح المتفلت أو الخارج عن سيطرة الدولة، وهو ما تعمل واشنطن بعناية على تطبيقه وفرضه في سورية وتسعى إلى تحقيقه في لبنان. وعليه لا تبدو الولايات المتحدة مهتمة بالتفاصيل والآليات والكيفية، لكن ما يهمها هو اتخاذ القرار، وتحديد المهلة الزمنية لتحقيقه، ووضع المراحل التنفيذية مع الخطة التطبيقية"، موضحة أن "موقف الدولة اللبنانية سيكون مختلفًا عن موقف "حزب الله"، فالأخير الذي يرفض تسليم السلاح، تدور حوله نقاشات كثيرة بين من يشير إلى وجود انقسام بداخله، ومن يعتبر أن مثل هذا القرار يمرّ بطهران، والوقت لم يحن للحسم بشأنه".
من جهتها، استنكرت صحيفة "الوطن" العُمانية ما يحصل في قطاع غزة قائلة "لقد فقد العالم ما تبقى من انسانيته حين لم تعد الحرب في غزة صراعًا تقليديًّا تطلق فيه النار بين جبهتين، حيث تحولت إلى مسرح دموي مفتوح، تذبح فيه الانسانية بكل الطرق وأبشعها"، مؤكدة أن "الكيان الصهيوني الإرهابي أضاف التجويع والحصار كأسلحة حرب متكاملة، ولم يكتفِ بالقتل المباشر، ليؤكِّد أنه يهدف إلى كسر الروح، وإبادة ما تبقى من حلم بالحياة، الكلمات لا تصف المنحدر الأخلاقي الذي يقع فيه العالَم، فمصطلح حرب إبادة لم يعُد كافيًا لِيصف ما يحدُث".
في سياق آخر، رأت صحيفة "الصباح" العراقية أنه "قد تكون مجدية إذا ما تم تبني سياسة "النأي بالنفس" بوعي، وبصياغة عراقية مختلفة من حيث العنوان والمضمون، أو التفكير والممارسة، عمّا يمارسه الآخرون، ويمكن توظيفها أيضًا في بعض التحديات والصراعات التي تستدعي تجنّبها حماية لمصالح البلاد العليا"، جازمة أن "العراق عندما يرفع شعار "العراق أولاً" إزاء أحداث المنطقة، يعي ما يفعل، ولا حاجة له بوصايا الآخرين أو بسياساتهم القائمة على التوريط، فالبلد هو الأدرى بما يمثّل له سياسات ناجعة ووطنية، ولا يحق لأحد أن يُملي عليه ما يجب القيام به"، وفق تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")