ملفات هامة وحيوية ستكون مدار محادثات ستجمع الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الابيض اليوم. فالزيارة، التي أُعلن عنها على عجل وأتت بطلب أميركي، تأتي في وقت شديد الحساسية مع ما تمر به المنطقة من صراعات وأزمات، فمن ملف اليمن إلى ايران والتهديد المتعاظم بشنّ عملية عسكرية "غير مسبوقة" في حال فشل قنوات التفاوض الى الوضع المتأزم في غزة وضرورة اطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى "حماس" وصولًا الى المخاوف الاسرائيلية من تعاظم النفوذ التركي في سوريا ومطامع تل أبيب بأن تبقي على سيطرتها وتحافظ على الستاتيكو الراهن والذي يضمن تفوقها.
وقد برز في أروقة الحكومة الاسرائيلية تساؤلات وقلق من هذه "الدعوة" الأميركية المستعجلة وتوقيتها وما يمكن أن ينتج عنها، خاصة أن المحللين ربطوا بينها وبين امكانية فرض اتفاق لوقف النار في غزة خاصة أن مبعوث ترامب للشرق الاوسط، ستيف ويتكوف، الذي يتولى إدارة المفاوضات حول إنهاء الحرب، سيحضر الجلسات الى جانب نتنياهو وفق المعلومات التي تم تداولها. وعليه تتجه الانظار الى ما سيرشح عن هذا اللقاء في البيت الابيض الذي سيكون له دلالاته خاصة أن الاجتماع الاول بين الطرفين ترافق مع "قنبلة ريفييرا غزة" التي تبناها ترامب وشكلت صدمة حينها بعدما دعا الى تهجير الفلسطينيين.
وبإنتظار النتائج، تتأزم الاوضاع الميدانية في غزة حيث شنّ سلاح الجو الإسرائيلي، مساء أمس، سلسلة من الغارات العنيفة التي استهدفت مناطق متفرقة في وسط القطاع وجنوبه، وذلك ردًا على إطلاق رشقة صاروخية باتجاه عسقلان وأسدود، تبنتها "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس". وهذا التصعيد قابله أيضًا اصدار أوامر اخلاء جديدة الى سكان دير البلح ودعوتهم للانتقال فورًا إلى مراكز الإيواء في منطقة المواصي، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. أما نتنياهو فـ"أعطى أوامر بردّ قوي، ووافق على استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي المكثّفة ضد "حماس" في غزة".
وتغتنم تل أبيب أي فرصة لزيادة إجرامها ووحشيتها خاصة أن عملياتها العسكرية أخذة في التوسع والتمدّد لتجزئة القطاع الذي بات اليوم مقطع الأوصال فيما السكان يعانون الأمرين بين وحشية القصف المرّكز وبين الاوضاع المعيشية المأساوية والتي تنذر بكارثة اجتماعية غداة منع دخول المساعدات الانسانية منذ أكثر من شهر. ويعمل الوسطاء الى تبني مقترحات جديدة من أجل تأمين هدنة مؤقتة، الا أن كل المساعي حتى اللحظة لا تزال تصطدم بتعنت نتنياهو وشروطه المضادة ما يحول دون الوصول الى أي نتائج ايجابية توقف حمام الدم الجاري في غزة.
في المقابل، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن ما أسماه وثيقة عُثر عليها في أنفاق كبار مسؤولي "حماس" في غزة، تُثبت وجود علاقة مباشرة بين إيران ويحيى السنوار ومحمد ضيف (اللذين قتلا خلال الحرب)، لافتًا الى أن "حماس" طلبت مبلغ 20 مليون دولار شهريًا على مدى عامين وان طهران وافقت على ذلك عبر "الحرس الثوري الايراني" ليصل الى نتيجة مفادها أن "إيران هي رأس الأفعى"، متوعدًا ببذل إسرائيل "كل ما في وسعها لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ومواصلة ضرب وكلائها في المنطقة حتى سحق محور الشر الإيراني وهزيمته".
الى ذلك، بدا لافتًا الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر الى أبوظبي ولقائه نظيره الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الذي أكد "أولوية العمل من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وتجنب اتساع رقعة الصراع بالمنطقة". في حين خطفت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى القاهرة الاضواء، حيث من المتوقع اجراء محادثات رسمية بينه وبين نظيره المصري عبدالفتاح السيسي اليوم قبل أن ينضم إليهما ملك الأردن عبد الله الثاني في قمة ثلاثية تناقش التطورات في قطاع غزة. هذه المستجدات السياسية باتت أشبه بروتين يومي في حياة الفلسطينيين الذين ينتظرون بارقة أمل ويناشدون العالم لوقف حرب الابادة ويطالبون "حماس" بالخروج من القطاع عقب مظاهرات بدأت تتزايد وتيرتها يومًا بعد يوم، فيما كل المعطيات تشير الى أن مخطط التهجير في غزة والضفة الغربية المحتلة وضع على نار حامية ويتم تنفيذه بكل الطرق والاساليب.
تزامنًا، يمرّ لبنان في مرحلة دقيقة وحساسة بين الضغوط التي تمارسها الادارة الاميركية لنزع سلاح "حزب الله" وبين التهديدات الاسرائيليّة المستمرة والتعديات اليومية على اتفاق وقف إطلاق النار. وقد بات ذلك جليًا من خلال تصريحات نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التي جالت على المسؤولين اللبنانيين مؤكدة على 3 بنود رئيسية؛ نزع سلاح الحزب وكل المليشيات كي تبسط الدولة كامل سلطتها على كافة الاراضي اللبنانية، تسلّم الجيش اللبناني زمام الامور كما تطبيق القرار 1701 ووقف الاعمال العدائية في جنوب لبنان.
وهذه البنود ترفعها واشنطن بوجه لبنان على قاعدة إما التعاون والتنسيق وبالتالي توفير الدعم المطلوب للبدء بإعادة الاعمار أو تأزم الامور وفرض المزيد من العزلة في بلد يعاني أساسًا من أزمات داخلية متتالية تزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة اللبنانية التي تجد نفسها اليوم محاصرة بين ضغوط الخارج ومطالب الداخل المتفاقمة. وفي هذا الاطار، ذكرت مصادر رئاسية لـ"الشرق الأوسط" إن أورتاغوس تحدّثت مع رؤساء الجمهورية جوزاف عون والبرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام بـ"لغة هادئة كانت نقيضًا للتعابير التهديدية التي استخدمتها في لقاءاتها بزيارتها الأولى لبيروت، من دون أن تُسقط إصرارها على حصر السلاح بيد الدولة"، كاشفة أن أورتاغوس تبلغت منهم أن "لا جدال في حصريته، وأنه لم يعد قابلًا للنقاش وبات محسومًا".
أما الوضع في سوريا فلا يزال يلفت الانظار غداة التهديدات الاسرائيلية المستمرة والتصعيد العسكري والذي وضع في خانة توجيه رسائل الى الرئيس السوري احمد الشرع ومن خلفه انقرة بعد زيادة الدور التركي في البلاد. ونقلت وكالة "رويترز" عن وزارة الخارجية السورية، أن الشرع يعتزم القيام بزيارة إلى الإمارات وأخرى إلى تركيا، في إطار استمراره في حشد الدعم للإدارة السورية الجديدة. وستكون زيارة الشرع إلى الإمارات، هي ثاني وجهة خليجية بعد زيارة مماثلة قام بها إلى السعودية، في كانون الثاني/يناير الماضي. وتسعى الادارة السورية الجديدة الى رفع العقوبات وتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للانطلاق في عملية اعادة الاعمار خاصة ان قسم كبير من سوريا لا يزال مدمر بالكامل جراء الحرب التي استمرت اكثر من 12 عامًا.
وفي سياق متصل، رفض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبول إيران باتفاق مع الرئيس ترامب للتنازل عن برنامجها النووي على غرار تخلي ليبيا في العام 2003، مشددًا على تمسك بلاده بإجراء مفاوضات عبر الوسطاء كما جدّد التأكيد على رفض بلاده التفاوض المباشر مع "أطراف تنتهج التهديد بالقوة". هذا الموقف جاء ردًا على ما كشفه السيناتور الجمهوري توم كوتون، عبر منصة "إكس" بأن ترامب "يخطط لاتفاق مع إيران على غرار الاتفاق مع ليبيا 2003، لكنه سيقصفها إذا رفضت ذلك". يُذكر أن الرئيس الأميركي وضع إيران أمام خيارين: إما التوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي وإما مواجهة الحل العسكري ضدها.
على الصعيد الدولي، لا تزال الحرب الاوكرانية مفتوحة على مصراعيها خاصة بعد اتهامات وجهتها كييف مؤخرًا لموسكو بزيادة الهجمات الجوية، حيث أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين "لا يريد إنهاء الحرب، ويبحث عن طرق للحفاظ على خيار إشعالها في أي لحظة وبقوة أكبر". وتترافق هذه الهجمات مع مساعي تبذلها الادارة الاميركية إلى تحقيق وقف إطلاق نار جزئي في الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، لكن المعطيات الراهنة تشي بأن موسكو تريد قضم المزيد من الاراضي وتحقيق انتصارات ميدانية أخرى تضمن سيطرتها وتفوقها قبل الجلوس الجدي على أي طاولة للمفاوضات.
واحتلت رسوم ترامب الجمركية وحربه التجارية الى جانب الاوضاع في غزة سلم أولويات الصحف العربية الصادرة اليوم والتي نوجز هنا أبرز ما ورد في افتتاحياتها وعناوينها الرئيسية:
رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أنه "لا تزال أسواق المال حول العالم تترنح جراء الصدمة الهائلة التي تسببت بها قرارات الرئيس ترامب الأخيرة، التي أقر فيها سلسلة من التعرفات الجمركية على العديد من دول العالم أنهت بشكل عملي نظام التجارة الدولية الذي كان يُعرف بوصف العولمة"، مشيرة الى أن "ردة فعل الأسواق المالية كانت أبلغ اعتراف بأن هذه القرارات ستكون مضرة جدًا على مصلحة الدول والشعوب بدون استثناء".
الموضوع نفسه تناولته صحيفة "الراية" القطرية التي اعتبرت انه على الرغم من "أن حرب الرسوم الجمركية أطلقت بهدف "جعل أمريكا عظيمة مجددًا"، إلا أن نتائجها جاءت مختلطة، بين مكاسب استراتيجية على المدى الطويل، وخسائر قصيرة إلى متوسطة المدى تمس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي"، مشددة على أن " التحدي الأكبر أمام صناع القرار في واشنطن يظل هو كيفية إدارة هذا التوازن المعقد بين حماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على موقع الولايات المتحدة كقائدة للنظام الاقتصادي، وكيف ستتعامل الكتلة العربية مع ذلك".
أما صحيفة "الغد" الأردنية، فألمحت الى أن "علامات حرب تجارية لا تخطئها العين، تلوح في سماء العالم، وتهدد بتقويض قرن من نهج اقتصادي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يطال التحالف الأميركي الأوروبي العابر للأطلسي الذي شكل هوية المعسكر الغربي في مواجهة المعسكر الشرقي المنهار على وقع نجاحات الغرب". واضافت: "نحن أمام تحول إستراتيجي في العلاقات الدولية، لن يتوقف بنهاية فترة هذه الإدارة، إنما سيستمر لعقود قادمة".
وعن الموضوع الفلسطيني، كتبت صحيفة "الوطن" البحرينية "لم يعد الرأي العام اليوم يشكل هاجسًا لا لأمريكا ولا لإسرائيل. فقد تجاوزت واشنطن حدود السياسة إلى أسلوب البلطجة الدولية العلنية، تفرض على العالم رؤيتها بمنطق الخصومة والعقاب، فإما أن تتماهى الدول والشعوب مع هواها، أو تواجه سياط العزل والتهديد"، مستنتجة أن "ما نشهده اليوم ليس مجرد حربٍ على غزة، بل محاولة لمحو شعبٍ بأكمله، بدعمٍ من قوةٍ عظمى فقدت كل مظاهر الأخلاق، وبمساندة كيانٍ لا يعرف للإنسانية معنى".
وأشارت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أنه "رغم كل العقبات التي واجهت مبدأ حل الدولتين ما زال يحظى بدعم واضح من جانب قوى دولية عديدة على مستوى العالم، ترى أن هذا المبدأ هو المفتاح الرئيسي للوصول إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط"، مؤكدة أن "مصر لم تتراجع أبدًا عن رؤيتها الشاملة للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. كما أنها وقفت باستمرار في وجه المحاولات الإسرائيلية المتكررة لتجاوز هذا المبدأ وتقليص أهميته على المستوى الدولي".
بدورها، توقعت صحيفة "القدس العربي" أن يكون سبب "استعجال" ترامب لنتنياهو لزيارة البيت الابيض واحد من خيارين: الأول، يقوم على محاولة الحدّ من الخسائر الأمريكية المتوقعة، عبر صيغة يمكن لدول الخليج العربي أن تلعب دورًا مهمًا فيها، وتقوم على تسوية، ولو مؤقتة، توقف حرب الإبادة على غزة وتطلق بعض الأسرى الإسرائيليين؛ وعلى ضبط التغوّل الإسرائيلي على سوريا ولبنان أو ترفع مستوى التغوّل الأمريكي ـ الإسرائيلي مما يسقط كل خيارات التسوية، ويتجه بحرب ضد إيران، ويفاقم الهجمات على سوريا ولبنان، ويصعّد النزاع مع تركيا، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")