صحافة

في مواجهة سياسة ترامب.. هجمات مرتدة

يوسف مكي

المشاركة
في مواجهة سياسة ترامب.. هجمات مرتدة

لم يحدث في التاريخ السياسي الأمريكي، أن وصل إلى سدة البيت الأبيض، رئيس يحمل الإشكاليات الكثيرة، المرتبطة بسياسات الرئيس الحالي، دونالد ترامب. فخلال حملته الانتخابية، وعد بتحقيق السلام، في ربوع العالم بأسره، وضمنها الحرب التي شنتها إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بحق أوكرانيا. والحرب التي تشنها إسرائيل، على قطاع غزة.

في مؤتمر صحفي، عقده ترامب بالبيت الأبيض، سألته إحدى الصحفيات، عن سبب تنصله من وعد تحقيق السلام، في العالم، فكان جوابه، أن ذلك كان سخرية من قبله، وأن من المستحيل لأي رئيس في العالم تحقيق ذلك. هذا النوع من التصريحات المتناقضة، وفي مجالات عديدة، لا يمكن وضعه في خانة خلط الأوراق، لأن التناقض في تصريحاته، لم يشمل موضوعاً واحداً، بل تضمن جلّ سياساته. فعلى سبيل المثال، ذكر أن إسرائيل، تقع في بقعة صغيرة، وأنها بحاجة إلى التوسع، ليس في الأراضي الفلسطينية وحدها، بل ينبغي أن تضمّ أيضاً مناطق من سوريا ولبنان والأردن.

وفي هذا السياق، أبلغ عن عزمه تهجير 2.2 مليون من البشر هم مجمل سكان غزة، من ديارهم. ثم تنكر لكلامه، وقال، إن تصريحاته قد أسيء فهمها. وأن ما دعاه لإطلاقها، هو أن قطاع غزة لم يعد صالحاً للحياة، لكنه لم يشرْ إلى أن ما عانى منه القطاع، ولا يزال، هو نتيجة حرب الإبادة والتدمير الممنهج للبنية التحتية في غزة، والتي شملت جميع مرافق الحياة، من ماء وكهرباء وصرف صحي، وما إلى ذلك. ومرة ثالثة، أكد عزمه، على احتكار إعمار غزة، لصالحه شخصياً، واعداً أن يجعل منها "ريفييرا الشرق الأوسط".

لم تشمل تصريحاته الاستفزازية الوطن العربي فقط، بل طالت القارة الأوروبية، وكندا، والمكسيك، وبنما. طالب بضمّ بنما والمكسيك وغرينلاند إلى أمريكا. وفرض ضرائب عالية على البضائع الصينية والأوروبية. وتصرّف كسلطان وحيد لزمانه. لقد بدأت الهجمة المرتدة، للدول على سياسات الرفع الضريبي، التي فرضها ترامب. فهناك مقاطعة كبيرة للبضائع الأمريكية، على المستوى الشعبي في القارة الأوروبية، ولعل الأكثر عنفاً في تلك الهجمة، هو الموقف الكندي، الذي فرض رسوماً تصل إلى 25 في المئة، على البضائع المتجهة، إلى ألاسكا، والتي لا سبيل إلى وصولها براً، عن طريق آخر، غير الممر الكندي.

الصين من جانبها، رفعت الضرائب، بما يوازي المستوى الذي طبقه ترامب بحق البضائع الصينية. وبالمثل تعاملت أوروبا في رفع ضرائبها بحق الواردات الأمريكية لأراضيها. وتدرس إدارة ترامب فرض قيود على السفر إلى بلاده، شملت أربعين دولة، وستقسّم الدول إلى ثلاث فئات، بحسب ما كشفت عنه، صحيفة "نيويورك تايمز". الفئة الحمراء، وتضمّ دولاً يُمنَع مواطنوها بالكامل، من السفر إلى أمريكا، وتضمّ أفغانستان وبوتان وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا، وخمس دول عربية، سوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال. أما الفئة البرتقالية، فستدرج فيها عشر دول، وستفرض على مواطنيها قيوداً صارمة، على التأشيرات، وسيتعين عليهم الخضوع لمقابلات شخصية للحصول على تأشيرات الدخول للولايات المتحدة.

والأنكى، هو إلغاء الإقامات، المعروفة بـ"الغرين كارد"، التي تم الحصول عليها بشكل قانوني، من إدارات أمريكية سابقة، بما يخالف نص الدستور الأمريكي، وقرارات المحكمة الدستورية العليا. ترامب في سلوكه، هذا يتنكر لمبادئ الشرعية الدولية، التي سطرتها بلاده، سواء تعلق الأمر بتأييده المطلق للعدوان الذي تمارسه حكومة نتنياهو، تجاه الفلسطينيين من جهة، ولبنان وسوريا، من جهة أخرى، حيث يمارس طيرانه ومدفعياته القصف الوحشي اليومي، بحق السكان المدنيين الآمنين، وتجريد سوريا بالكامل من قوتها العسكرية.

إن حالة غضب شديدة، تشهدها عموم المنطقة، من شأنها أن تتحول إلى نار محرقة، تأكل الأخضر واليابس، والحلم الذي ساد طويلاً، تجاه السياسات الأمريكية، المتواطئة، مع العدوان الإسرائيلي، والمتنكرة لقرارات الشرعية الدولية- وعلى رأسها قرارا مجلس الأمن الدولي 242,338- التي نصت على عدم جواز احتلال الأراضي العربية، بالقوة العسكرية. وأيضاً القرارات الدولية المتكررة، بأهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، فوق الأراضي التي تم احتلالها في حرب حزيران/ يونيو 1967، وتحديداً الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وقد تبنّى عدد من الرؤساء الأمريكيين، هذا المشروع، بينهم جيمي كارتر، وبيل كلينتون، وباراك أوباما، وجو بايدن، وعلى أساسه تم التوصل لاتفاق أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة ياسر عرفات، والحكومة الإسرائيلية، برئاسة إسحق رابين. إن التنكر لتلك القرارات والاتفاقيات، يعيد القضية الفلسطينية، إلى المربع الأول، ويضفي على قرارات أخرى، تم تجاهلها، مشروعية جديدة، كحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وقرار التقسيم، رقم 181 الذي صدر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1949، الذي قضى بتقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين، ووضع مدينة القدس تحت الوصاية الدولية. وقد تمّ نسف ذلك من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

المنطقة بأسرها، تمرّ بأوضاع صعبة، تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وما لم يتحقق الأمن والسلام، للجميع، فنحن على أبواب براكين عاتية، لن تستثني أحداً.. وقديماً قيل احذر غضب الحليم.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن