رغم خطورة ما يحدث في الجنوب السوري الذي تتصارع فيه قوى محلية عديدة ذات امتدادات خارجية والمساعي الدؤوبة من اجل ضمان عدم خرق اتفاق وقف النار وتثبيت مفاعيله، الا ان الوضع الانساني في قطاع غزة و"تساقط" السكان الواحد تلو الاخر نتيجة سياسة التجويع المُمنهج والحصار المُطبق من قبل العدو الاسرائيلي يتصدّر سلم الاولويات خاصة ان كل المؤشرات تؤكد أن الامور خرجت عن السيطرة وأننا امام موت محتم في حال لم يتم التحرك الجدي من اجل ادخال المساعدات الانسانية فورًا من قبل المنظمات الدولية والامم المتحدة.
هذا دون أن نغفل اهمية التوصل الى اتفاق خلال مفاوضات الدوحة المستمرة بين وفدي اسرائيل وحركة "حماس" والتي، حتى الساعة، تدور في حلقات مفرغة نتيجة العراقيل والعثرات المتعلقة بشكل رئيسي بخطط الانسحاب الاسرائيلي من القطاع وعدد الأسرى الفلسطينيين المُنوي الافراج عنهم، حيث تصرّ الحركة على العودة إلى مناطق الانسحاب التي نصت عليها تفاهمات اتفاق كانون الثاني/ يناير 2025، التي انسحب فيها الجيش الإسرائيلي لمسافة بعمق يتراوح بين 390 و1100 متر، كما تتمسك بعدد من الأسماء الفلسطينية المعروفة لتكون على قائمة التبادل التي ستشملها الصفقة. في وقت يحاول الوسطاء التوصل الى حلول وسط وهو ما سيكون محل اختبار خلال الايام المقبلة خاصة بظل وجود تقديرات اسرائيلية بامكانية تحقيق "خرق ما" خلال الاسبوعين المقبلين وسط توقعات بوصول المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف الى الدوحة خلال الايام المقبلة.
في غضون ذلك، أشار مصدر سياسي مطلع على المفاوضات لصحيفة "هآرتس" الى أن "إسرائيل تجري لأول مرة محادثات مع "حماس" بهدف إنهاء الحرب"، مؤكدًا أن الوفد الإسرائيلي المفاوض "يتمتع بهامش واسع ومرونة كافية للتوصل إلى اتفاق دون المساس باحتياجات إسرائيل الأمنية". وهذه "البشائر" الاسرائيلية، ان صح التعبير، لا يمكن أن توضع في السياق الرسمي لأن "الشيطان يكمن في التفاصيل" ولان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل وفق خطة قوامها تهجير الفلسطينيين والسطو عسكريًا على المزيد من اراضي القطاع. في حين تتزايد الضغوط المفروضة عليه سواء من الجانب الاميركي لعقد اتفاق بأسرع وقت ممكن أو من قبل عائلات الاسرى المحتجزين لدى "حماس"، اذ تظاهر الآلاف مطالبين بانجاز الصفقة واستعادة جميع الرهائن دفعة واحدة.
وكان نتنياهو "تحجج" بعدم امكانية ذلك رغم أن "حماس" سبق وصرحت مرارًا بأنها مستعدة لتسليم كل الرهائن لديها، الاحياء والاموات، دفعة واحدة مقابل وقف الحرب نهائيًا وادخال المساعدات الى الاهالي المجوعين الذين باتوا غير قادرين على توفير الحد الادنى من الاحتياجات بسبب الغلاء الفاحش وندرة المواد واستهداف منتظري المساعدات أمام مراكز توزيع المعونات من قبل "مؤسسة غزة الانسانية" المدعومة من الولايات المتحدة. وكانت اسرائيل التي أغلقت منذ شهر آذار/ مارس الماضي جميع المعابر مع القطاع استهدفت ايضًا منفس الغزاويين الوحيد وهو البحر حيث تمنع الصيد بشكل كامل في مياه غزة ويستهدف جيشها بالرصاص الحي أو الاعتقال من يحاول النزول اليه للحصول على قوته اليومي.
الى ذلك، تدأب القوات الاسرائيلية على قتل الفلسطينيين بشتى الطرق والوسائل، حيث سُجل أمس استشهاد 116 شخص، بينهم 38 من طالبي المساعدات. فيما ناشدت وكالة "الأونروا" العالم مساعدتها على إنقاذ أكثر من مليوني إنسان بينهم مليون طفل يواجهون خطر الموت جوعًا في القطاع، مشددة على أن لديها مخزونًا يكفي لإطعام كافة السكان لمدة 3 أشهر، لكنها عاجزة عن إدخاله. أما مركز الإعلام الحكومي في القطاع فلفت إلى أن 650 ألف طفل ونحو 60 ألف حامل يواجهون خطرًا حقيقيًا بسبب سوء التغذية والرعاية الصحية اللازمة. المخاوف عينها عبرت عنها منظمة "اليونسيف" التي ذكرت أن 112 طفلًا يدخلون المستشفيات يوميًا للعلاج بسبب نقص الغذاء والهزال الشديد، فضلا عن موت 620 شخصًا بسبب الجوع، 70 منهم قضوا منذ حزيران/يونيو الماضي.
وهذه الارقام المفجعة والصادمة في آن دفعت السكان في غزة الى الخروج في مسيرات ليلية مطالبة بوقف الحرب والتجويع وادخال المعونات الغذائية فورًا، فيما خرجت مظاهرات مشابهة في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة التي تعتبر شاهدًا حيًا على المخططات الاستيطانية الاسرائيلية بعدما دأبت خلال الأشهر الماضية على تنفيذ حملات اقتحام واعتقالات تعسفية واسعة النطاق الى جانب تنفيذ أوامر هدم وإحراق لعدد كبير من المباني السكنية في مخيمات جنين وطولكرم وعين الشمس. وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن إجراء انتخابات مجلس وطني جديد لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" قبل نهاية العام 2025. ويأتي هذا الاعلان لمواكبة المطالب العربية والدولية بضرورة اجراء تغييرات وإصلاحات سياسية في السلطة الوطنية و"منظمة التحرير" لمواكبة التطورات الحاصلة.
ومن غزة ومآسيها الى سوريا التي تشهد محاولات لضبط الامن وارساء الاستقرار بعد الاعلان عن اتفاق لوقف النار في محافظة السويداء، جنوب البلاد، وذلك بعد ايام من الاشتباكات وأعمال العنف بين عشائر بدوية ومسلحين من الطائفة الدرزية والتي خلفت وراءها عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى. وفي آخر المعطيات، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن توقف الاشتباكات وإخلاء المنطقة من مقاتلي العشائر وذلك بعد دخول قوات الأمن رسميًا للاشراف على تطبيق الاتفاق المُبرم الذي تم بعد جهود حثيثة بذلت على اعلى المستويات وبظل مساعي دولية ايضًا ضغطت في هذا الاتجاه. وإذ تعهد الرئيس السوري أحمد الشرع بمحاسبة المعتدين وسوقهم الى العدالة، طالبت الرئاسة الروحية للدروز الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بتحمل مسؤولياتها، والوقوف عند تعهداتها في حماية المدنيين.
ويشمل الاتفاق، بحسب ما جاء على لسان وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، في المرحلة الاولى "انتشار قوى الأمن الداخلي كقوات لفض الاشتباكات"، وأما المرحلة الثانية فتتضمن "افتتاح معابر إنسانية بين محافظتي درعا والسويداء لتأمين خروج المدنيين والجرحى وكل من يود الخروج من السويداء" على أن تشمل المرحلة الثالثة "تفعيل مؤسسات الدولة وانتشار عناصر الأمن الداخلي في المحافظة تدريجيًا وفق التوافقات التي تم التوصل إليها". في المقابل، فإن حسن الالتزام مرهون ايضًا باسرائيل التي دخلت بحجة "حماية الدروز" على خط الاشتباكات وشنّت ضربات عسكرية حساسة شملت مبنى الاركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق في تطور خطير استدعى ادانات عديدة. وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "جيرزواليم بوست" عن وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس قوله إن منطقة جنوب سوريا ستبقى منزوعة السلاح، مؤكدًا أن إسرائيل "لا تثق بالرئيس السوري الحالي" وأن "الجماعات التي تستهدف الدروز اليوم ستستهدف إسرائيل غدا"، بحسب مزاعمه.
وضمن الملف السوري أيضًا، أعلنت السفارة الأميركية في دمشق أن المبعوث الأميركي لسوريا توم برّاك بحث مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي تطورات الأوضاع وأهمية الانطلاق نحو الخطوات العملية من أجل الاندماج في دولة سورية موحدة لا تقصي أحدًا، واتفق الطرفان على أنه حان وقت الوحدة، بحسب البيان الصادر عن السفارة. وخلال الاشهر والايام الماضية، دأبت واشنطن على اتخاذ قرارات تهدف لدعم حكم الرئيس الشرع، من رفع العقوبات التي كانت تثقل كاهل البلاد الى قرار رفع "هيئة تحرير الشام" عن قوائم الارهاب الدولية وصولًا الى مطالبة تل أبيب بوقف هجماتها العسكرية والتصعيد في جنوب سوريا.
لبنانيًا، نفذ الجيش الإسرائيلي، أمس، عمليتي اغتيال منفصلتين في جنوب لبنان، استهدفتا عنصرين من "حزب الله"، مع استمرار الخروقات لاتفاق وقف النار. ويترافق ذلك مع زيارة مرتقبة للمبعوث الاميركي توم برّاك يوم غد، الاثنين، بهدف الاطلاع على الموقف اللبناني الرسمي تجاه الملاحظات الأميركية على الرد الذي سبق لبيروت أن أرسلته الى واشنطن ويتعلق بمسألة حصرية السلاح بيد الدولة، ومن اهمه سلاح "حزب الله" وضرورة اجراء اصلاحات اساسية كشرط لاعادة الاعمار. وتتصاعد الضغوط المُمارسة على لبنان من اجل التوصل الى حل لمسألة السلاح وهو ما لا يزال دونه الكثير من العقبات نتيجة تعنت "حزب الله" ورفضه التسليم وربطه أي نقاش في هذا الموضوع بالانسحاب الاسرائيلي من النقاط الخمس المحتلة، الافراج عن 16 شخصًا تحتجزهم تل أبيب ووقف الخروقات والاعتداءات على الأراضي اللبنانية.
على المقلب الايراني، ترفع طهران سقف المطالب حينًا وتهادن حينًا اخر وعينها على المفاوضات المجمدة بعد حرب الـ12 يومًا. وفي السياق، أكد المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الايراني، إبراهيم رضائي، أن "استمرار الضغوط الأوروبية، خصوصًا التهديدات بتفعيل آلية "سناب باك" قد يدفع طهران إلى مراجعة التزاماتها النووية جذريًا". فيما شدد وزير الخارجية عباس عراقجي على أنَّ بلاده لن تستأنف المفاوضات مع الولايات المتحدة ما لم تتأكد من جديّتها الحقيقية في التوصّل إلى اتفاق يُحقق الفائدة للطرفين. وجاءت هذه المواقف بعد تصريحات للرئيس الاميركي دونالد ترامب جدد فيها التأكيد على تدمير المواقع النووية الايرانية وحاجتها الى سنوات طويلة من اجل اعادتها الى الخدمة.
وفي جولة الصحف العربية تسليط على اهم ما ورد في تحليلاتها وعناوينها المواكبة للاحداث على الصعيدين العربي والدولي. وهنا أهمها:
تحت عنوان "انقاذ غزة واجب انساني"، كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية، "مشاهد الجياع الصادمة من قطاع غزة، وصور الأطفال الذين أنهكهم سوء التغذية ونقص الدواء، أبلغ شهادة على الأوضاع القاسية التي يعانيها المدنيون، ويفترض أنها كافية لممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لكف عدوانها وإجبارها على الخضوع لمقتضيات القانون الدولي والاستجابة إلى النداءات العربية والدولية"، معتبرة أن "وقف العدوان على غزة وإغاثة أهلها تحول كبير يمكن أن يؤسس لمرحلة تاريخية من الأمن والاستقرار تمتد من هذه المنطقة إلى بقية العالم".
من جهتها، رأت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "بين إسرائيل وإيران تنافسٌ على احتلال مساحات من الدول العربية للاستيلاء على طرق تجارية تصل الشرق بالغرب، مبنيٌّ على هدم أُسس الدولة وذلك بتمويل ميليشيات بدعوى حماية الأقليات، ذلك هو ملخّص ما نراه الآن في سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، وفلسطين". وتساءلت "ما فعلته إسرائيل بسوريا وغزة وما فعلته إيران بخمس عواصم عربية يجعلنا نُعيد النظر في تقييم مستوى الوعي والإدراك بالدولة الوطنية، هل هو على الدرجة التي نتمناها كي نأمن على أنفسنا وعلى دولتنا ألا تكون تلك الهويات مدخلًا وبابًا لدخول قوى أجنبية إسرائيلية أو إيرانية؟".
صحيفة "الأهرام" المصرية لفتت الى أن "سوريا لا تتحمل الفتنة التي تديرها إسرائيل تحت مسمى حماية الدروز، فسوريا دولة منهارة ومرشحة بامتياز لتعميق التقسيم الجغرافي والطائفي فما تفعله إسرائيل باسم الدروز ليس حماية، كما تدعي بل مخطط لضرب سوريا". وتابعت قائلة "فسيناريو إسرائيل في استمرار العنف وسقوط الضحايا من المدنيين بمحافظة السويداء في جنوب سوريا، ذات الأغلبية الدرزية، ليس سوى البداية لسيناريو التدمير بالتحريض الطائفي وإذكاء التوترات الطائفية بين مكونات الشعب السوري".
الموضوع عينه كان مدار بحث في صحيفة "الغد" الاردنية، التي نبهت الى أن "تأثيرات ما يحدث في السويداء ومناطق جنوب سورية خطيرة على الأردن، لاعتبارات كثيرة، وتعداد المخاطر يكشف مدى حدتها وأثرها النهائي"، مشيرة الى أنه "ليس هناك مصلحة أردنية لانهيار النظام السوري الحالي، لأن بديله سيكون تعريض كل سورية الى التقسيم، ونشوء 4 دويلات وفقا لمخططات سابقة، وانفلات الامن بشكل كامل، وانهيار اي ترتيبات أردنية سورية سياسية واقتصادية وامنية، بما يجعل سورية تعيد تصدير الأخطار الى جوارها، وسط مخاوف من حدوث احتلال إسرائيلي يصل الى دمشق ذاتها"، بحسب قولها.
بدورها، تناولت صحيفة "الثورة" السورية خطاب الرئيس الشرع واهميته بعد الاعلان عن رفض كل مخططات التقسيم او الانفصال، موضحة أن "السوريين اختاروا إعادة بناء مؤسسات الدولة وبناء ما دمرته الحرب، كل من موقعه، إلا فئة قليلة قد اختارت طريق الشيطان، واضعة يدها بيد أعداء الوطن، وراحت تعيث فسادًا في الأماكن التي تسيطر فيها، مستخدمة السلاح الذي وفره لها النظام البائد، لفرض رؤيتها خدمة لأجندات خارجية مشبوهة، مرتبطة بالاحتلال الاسرائيلي بشكل وثيق كما يفعل المدعو “الهجري” (في اشارة الى الزعيم الروحي للدروز) في محافظة السويداء، متخذًا من الطائفة الدرزية الأصيلة شماعة لتنفيذ رغبات الإرهابي نتنياهو".
(رصد "عروبة 22")