بات واضحًا أن مستقبل قطاع غزة لن يكون كما كان الوضع عليه قبل أحداث 7 أكتوبر، وكذلك الوضع العام في المنطقة بأكملها. فما حققته الحروب الاسرائيلية من تغيير في موازين القوى وفرض أمر واقع جديد سيغلب على مجريات الاحداث والمستجدات، التي تشهد المزيد من الدعم الاميركي لاسرائيل وزيادة الضغوط الممارسة على ايران لدفعها للتفاوض حول ملفها النووي من جهة والتخلي عن المليشيات المحسوبة عليها من جهة ثانية، خاصة بعد المعلومات عن سعي فصائل عراقية تحظى بدعم إيراني قوي، للمرة الأولى، لدراسة التخلي الجدي عن سلاحها. وينتمي قادة هذه الفصائل إلى "كتائب حزب الله"، و"حركة النجباء"، و"كتائب سيد الشهداء" و"أنصار الله الأوفياء".
فايران التي سبق وتحولت الى "اخطبوط" من خلال تمددها القوي وتأثيرها المتعاظم في المنطقة تشهد اليوم نوعًا من "العزلة" بعد الضربات التي تلقتها سواء في لبنان عبر "حزب الله" وسقوط النظام السوري كما ما يجري اليوم في اليمن وغزة من محاولات للقضاء على الحوثيين و"حماس". ويساعد "جنون" الرئيس الاميركي دونالد ترامب في اطلاق يد اسرائيل اكثر في المنطقة وتمكينها من تحقيق مخطط "اسرائيل الكبرى"، خصوصًا ان كل المعطيات تؤكد أن تهجير الفلسطينيين بات حقيقة راسخة سواء في غزة او الضفة الغربية المحتلة مع استمرار العمليات العسكرية هناك، والتي لم تلق التغطية الإعلامية المناسبة مع فجاعة ما يجري.
وبينما كانت الانظار مشدودة الى البيت الابيض علّ ادارة ترامب تفرض على نتنياهو المضي قدمًا باتفاقية لوقف النار في غزة والقبول بالمقترحات المتداولة. جاءت التصريحات "مخيبة للأمال"، خاصة أن الرئيس الاميركي لا يزال يتبنى مشروع "ريفييرا غزة" من خلال اعادة قوله إن "السيطرة على القطاع وامتلاكه سيكون أمرًا جيدًا"، معلنًا في الوقت ذاته عن مشروع لتغيير اسم القطاع إلى "منطقة الحرية" بعد نقل السكان منه، ومؤكداً وجود دول "مستعدة لاستقبال سكان غزة"، من دون أن يسميها. لكنه تحدث ايضًا عن أن بلاده "تبذل جهودًا كبيرة للتوصل إلى اتفاق آخر لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجزين" لدى "حماس".
الموقف الاميركي الذي شدّد على استمرار الدعم العسكري لاسرائيل قابله حديث من جانب نتنياهو عن العمل على ما أسماه "اتفاق جديد" بشأن إطلاق سراح الأسرى في قطاع غزة، لاسيما أن الاتفاق السابق الذي نقضته تل أبيب ولم تلتزم بمراحله الثالثة بات حبرًا على ورق. ويسعى الوسطاء، ولاسيما مصر الى تبني مقترحات جديدة لوقف حمام الدم الجاري، وأخرها مسعى لتقليص الفجوات ويتضمن اطلاق سراح نحو 8 رهائن أحياء من غزة، مقابل هدنة لوقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 40 و70 يومًا، بحسب ما صرح به مصدر مصري لصحيفة "الشرق الأوسط".
ووفق "هيئة البث الاسرائيلية"، فإن المقترح "في مكان ما يوفق بين العرض الأصلي، الذي تضمن إطلاق سراح 5 أسرى أحياء، وبين العرض الإسرائيلي الذي تضمن سابقًا إطلاق سراح 11 محتجزًا حيًا في غزة". وبحسب التأكيدات الإسرائيلية، لا تزال "حماس" تحتجز 59 أسيرًا، يقول جيش الاحتلال إن 35 منهم لقوا حتفهم، فيما لا يزال 22 منهم على قيد الحياة. وفي السياق، عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قمة ثلاثية، أمس الاثنين، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يزور القاهرة حاليًا، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حيث جرى التشديد على ضرورة أن تتولى "السلطة الفلسطينية الممكَّنة" حصرًا مسؤولية الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، داعين إلى "عودة فورية" لوقف إطلاق النار.
وبرز خلال اللقاء أيضًا، الاتصال الهاتفي الذي أجراه الزعماء الثلاثة مع الرئيس ترامب حيث جرى البحث في "سُبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل في غزة" و"ضرورة استئناف الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية وإطلاق سراح جميع الرهائن على الفور"، وفق ما أورده بيان الرئاسة المصرية. هذه التحركات السياسية تزامنت مع مظاهرات واعتصامات لأهالي الرهائن الاسرائيليين أمام مقر نتنياهو بالقدس ومنازل الوزراء وصناع القرار في أماكن مختلفة، بينما عمَّ إضراب شامل وعام مختلف محافظات الضفة الغربية على وقع حراك عالمي شهدته العديد من المدن العربية والأوروبية تنديدًا بمرور عام ونصف العام على حرب الابادة.
هذا ولم يكن الموضوع الفلسطيني وحده على قائمة محادثات ترامب - نتنياهو، بل احتلّ ملف إيران صدارة النقاشات وبدا لافتًا الاعلان عن بدء "محادثات مباشرة" مع ايران رغم أن وزير الخارجية عباس عراقجي تحدث عن محادثات "غير مباشرة" رفيعة المستوى ستجري مع الولايات المتحدة في سلطنة عُمان يوم السبت المقبل. وبانتظار ما ستظهره الايام المقبلة من معطيات، أوضح ترامب على أن التوصل إلى اتفاق هو "الأمر المفضل لتفادي الصدام". واذ أكد أن نجاح هذه المفاوضات "سيكون في مصلحة إيران"، حذر من فشلها مجددًا موقف بلاده الداعي لعدم الموافقة على امتلاك طهران للسلاح النووي.
أما الموضوع الاخر، والذي شكل نقطة اختلاف في وجهات النظر بين الجانبين الاميركي والاسرائيلي خلال اللقاء، فكان حول تركيا ودورها المتزايد في سوريا والذي يقلق تل أبيب، اذ بدا ترامب واضحًا لجهة الثناء الكبير على العلاقة التي تجمعه مع الرئيس رجب طيب أردوغان، داعيًا نتنياهو الى "التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا". يُذكر أن القادة الاسرائيليين هددوا الادارة السورية الجديدة بعظائم الامور في حال السماح لوجود "قوات معادية على اراضيها" كما أكدوا أن وجود أنقرة المتزايد يشكل خطرًا ومن هنا كانت الضربات الاسرائيلية الجوية على دمشق ومحيطها الاسبوع الماضي في رسالة وصفها خبراء على أنها استهداف "غير مباشر" لتركيا.
وعليه، كانت الملفات الحساسة محور اللقاء الذي أيضًا لم يغب عنه العمليات العسكرية الاميركية المتواصلة على الحوثيين في اليمن والحرب الاوكرانية واستمرار الهجمات الروسية كما الرسوم الجمركية وتداعياتها الاقتصادية، حيث لوح ترامب بفرض "رسوم جديدة تصل إلى 50% إذا لم تتراجع بكين عن قرارها بفرض رسوم بنسبة 34% على المنتجات الأميركية"، ولكنه أعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاقات جديدة قبل نهاية أبريل/نيسان الجاري، موضحًا أن المفاوضات لا تتعارض مع إبقاء بعض الرسوم "دائمة".
الأجواء العامة المتشجنة وخاصة ما يتصل بالملف الفلسطيني عكستها الصحف العربية، حيث نركز في جولة اليوم على أبرز ما تما تداوله:
اعتبرت صحيفة "الوطن" القطرية أن "ما يحاول نتنياهو الترويج له عبر تكرار العبارة القائلة بأن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط، ينطوي على تفكير أرعن لن يقود سوى إلى المزيد من الدمار"، وأردفت: "إن ما هو ملح اليوم، ليس وقف الاعتداءات الإسرائيلية فحسب، وإنما استئناف مفاوضات السلام، وإطلاق حوار مباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإقامة دولة مستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبغير ذلك فإن كل ما يحاول نتانياهو التسويق له هو الفوضى، ولا شيء غيرها".
ورأت صحيفة "الوطن" العُمانية بأن "الأنظمة العربية الرسمية في مأزقٍ سحيق، طالما العدوان الإسرائيلي مستمرًّا على غزة، فهي محشورة بين قطبي الرَّحى، موقف دولي صامت تجاه ما يحدُث في فلسطين، وانحياز أميركي صارخ لـ "إسرائيل". وقالت: "ما أحوجنا لوحدة الصَّف، وتمتين اللُّحمة الوطنية، في مواجهة خطر خارجي يتربَّص بالدول العربية، فلا أرَى رصاصات تطلق إلا لسفك الدِّماء العربية، ولا صواريخ توجَّه إلا لتدمير الأرض العربية، عروبتنا مستهدفة، فلا حرائق مشتعلة إلَّا هنا، بعد أن توقفت الحروب في آسيا وأميركا اللاتينيَّة".
في الإطار عينه، كتبت صحيفة "الدستور" الأردنية "ليس صحيحًا ولا مقبولًا ان تكتفي دولنا العربية بجهود "وساطات"، ويترك أمر القضية الفلسطينية العربية بيد فصيل مقاوم، مهما كانت قوته وإخلاصه لقضيته"، معربة عن استغرابها من أن يتمترس "محور المقاومة خلف أكذوبة أنه محور، وأن له قرارًا مركزيًا محسوبًا، بينما هو باختصار محور يحمي إيران من مواجهة، وعلينا أن نتوقف عن تقديم اوطاننا وقضايانا لتكون مجرد أوراق تفاوضية، بيد أطراف متصارعة او متآمرة على موارد العرب وأراضيهم"، على حد وصفها.
صحيفة "الأهرام" المصرية، بدورها، تناولت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمصر والتي "تأتي لإعادة تموضع فرنسا وأوروبا في مشهد دولي مأزوم، وقد وجدتا مصر بوابة موثوقة للنفاذ إلى عمق الأزمة الفلسطينية"، مؤكدة أن "مصر ليست دولة جوار لغزة بل هي الطرف الوحيد الذي يملك مفاتيح التهدئة، وإدارة اللحظة المتفجرة، وماكرون أثبت أنه يدرك حجم التحولات فى موازين القوى العالمية، ويدفع باتجاه تحالفات ذكية تضع بلاده أوروبا فى قلب المعادلة الإقليمية لا على هامشها".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فتطرقت الى زيارة الموفدة الاميركية إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس الى لبنان، مشيرة الى أن هناك "تخوف من أن إسرائيل لن تنتظر حتى تقوم الحكومة والجيش بتفكيك سلاح "حزب الله"، وأنها ستستمر في تنفيذ هجماتها مع ما تحمله من مخاطر على المدنيين والبنى التحتية". ونقلت الصحيفة عن مصادر مواكبة إشارتها إلى أن المسؤولين اللبنانيين، ورغم أنهم إتفقوا مسبقاً على موقف لبناني موحد، إلا أن هناك خلافات كبيرة بينهم لجهة مقاربة موضوع السلاح".
وضمن سياق متصل بالاحداث العامة، لفتت صحيفة "الراي" الكويتية، في مقال، الى أن الضغوط التجارية الأميركية "ساهمت في تباطؤ التجارة الدولية، وارتفاع التكاليف على المستهلكين، وتعزيز التوجه نحو التكتلات الاقتصادية البديلة. كما دفعت بعض الدول إلى تنويع شركائها التجاريين وتقليل اعتمادها على السوق الأميركية"، مشددة على أن "السياسات التجارية الأميركية الحالية تعكس تحولات في موازين القوى العالمية، وتؤشر إلى حقبة جديدة من المنافسة الاقتصادية الشرسة".
(رصد "عروبة 22")