لعبة خطيرة وقابلة للانفجار في وجهي طفلين أحدهما مندفع والآخر سفاح ومجرم حرب، توصيف بسيط ربما يلخص المشهد العبثي في مسرحية الجنون التي يتصدر بطولتها دونالد ترامب وبنيامين نيتانياهو، فالأول لا يزال يعبث بمستقبل أمريكا بقراراته، وأوصل اقتصاد الدولة العظمى إلى حافة هاوية مدمرة، بعد أن ارتفعت خسائر الأسواق إلى نحو 10 تريليونات دولار في أقل من أسبوع، بعد قراره الذي دخل حيز التنفيذ برفع الرسوم الجمركية على سلع عدد كبير من الدول حول العالم.
وهو ما أثار موجة من السخط العالمي وترتيبات عاجلة للرد على هذه القرارات وبشكل عاجل، فاتخذت الصين واليابان وكندا ودول أوروبا قرارات مضادة، لم تكن بالطبع في مصلحة واشنطن التي مُنيت بخسائر متلاحقة، بل وتنفتح في وجهها موجة عاتية من الاضطرابات الاقتصادية جراء هذا العبث، والذي لم يتوقف، ليصنع حربًا موازية لوقود الحرب المشتعل في الشرق بالدعم الأمريكي الخالص، سواء بالمناوشات مع إيران للحيلولة دون الوصول إلى مشروعها النووي، وهناك أنباء عن جسر جوي من روسيا والصين لنقل مستشارين ومعدات عسكرية إلى طهران، استعدادا لمواجهة هجوم أمريكي- إسرائيلي محتمل.
كما تواصل واشنطن ضرب أهداف حيوية ومدنية في اليمن، توازيا مع استمرار حرب الإبادة الممنهجة التي يتزعمها المتطرف نيتانياهو، والذي تنوي بعض دول أوروبا ضرب عرض الحائط بقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه لتقديمه للمحاكمة وفق حكم سابق لها، وضرب عرض الحائط كذلك بالتظاهرات حول العالم، والاحتجاجات المنددة بالحرب الوحشية المستمرة على قطاع غزة، والتي بلغت حدًا لم يحدث من قبل في تنويع الإجرام، وقد رأى العالم كله القذائف التي سقطت على المنازل وطارت أجساد الشهداء متتالية بمستوى أعلى من البنايات، ورأى العالم، حرق الناس أحياء في مخيمات النزوح.
ورأوا استهداف طواقم الإسعاف، والاستيلاء على رفح الفلسطينية وقطع أي إمداد للغذاء والماء والمساعدات، واستهداف المنظمات الإنسانية في غزة، دون أي احترام أو وضع اعتبار لقانون دولي أو إنساني، فقط "لغة الغابة" تتحكم، مع استمرار دعوات المتطرفين بالتوسع الاستيطاني وهو ما يروج له المتطرف بتسلئيل سموتريش وزير مالية الكيان بالتمدد في الأراضي السورية واللبنانية. وأمام الدعم السياسي والعسكري غير المحدود وغير المشروط من قبل واشنطن للكيان المحتل، يتواصل الضغط الأقرب إلى التطهير العرقي على الفلسطينين بالقتل والتجويع والتشريد والمنع من العلاج لإجبارهم على مغادرة وطنهم إلى دول يقول نيتانياهو إنها ترحب باستقبالهم.
يحدث كل ذلك بإمعان في جر المنطقة إلى الاشتعال، بينما تتحرك الدولة المصرية تحركًا سياسيًا متزنًا وقويًا وثابتًا، منذ الإصرار والالتزام إلى الآن برفض دعوات التهجير التي تسعى إلى محو الهوية الفلسطينية والقضاء على القضية الفلسطينية وهي قضية العرب، وقد جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر استكمالا لافتا لهذا التحرك السياسي المصري القويم الذي دفع عدة دول لتأييد مصر في موقها الرافض بشكل قطعي وصارم لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين عن وطنهم، وأن السلام هو الخيار الأبقى لإنقاذ العالم.
وقد تجول رئيس فرنسا في أعماق القاهرة وبين المصريين، ورأى ولمس معنى الأمان والسلام في شوارع مصر، كما زار العريش القريبة من قطاع غزة ومعبر رفح، ليطالع عن قرب الدور المصري التاريخي والمستمر في دعم القضية الفلسطينية والجهود الإنسانية تجاه القطاع، وبعد تلك الزيارة مباشرة التي التقى فيها عددًا من الجرحى الفلسطينيين جراء الحرب، الذين يتلقون العلاج بالمستشفيات المصرية، أعلن ماكرون أن بلاده قد تعترف بدولة فلسطينية مستقلة بحلول يونيو المقبل. لتكون تلك الخطوة وثبة مصرية جديدة في الحفاظ على أمن وسلام المنطقة والعالم بعيدًا عن النزاعات والحروب، وهو ما سيتحقق عاجلًا أو آجلًا، ولا عزاء وقتها لمجرمي الحرب والأغبياء أعداء السلام في الأرض.