بصمات

نحو "إصلاح السجون"... ماذا عن العالم العربي؟!

يمضي العالم إلى الأمام في ترتيب أوضاع سجونه في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وتأهيل الأماكن المُتاحة النادرة للغاية التي يجري تفريغها من نزلائها في السجون ورفض السجناء الجدد، وٳطلاق سراح الكثيرين بعد قضاء 40% من مدة عقوبتهم، وٳيجاد حلول لمشاكل سجون تعود الى عقودٍ من السنين.

نحو

يُقدّر ٳجمالي عدد السجناء حول العالم بحوالى 11.5 مليون سجين، وتتصدّر الأرقام الولايات المتحدة الأميركية والصين والبرازيل والهند وروسيا وإندونيسيا وتركيا وجنوب أفريقيا وأوروبا عمومًا، فيما معظم الدول العربية لا تنشر بياناتٍ رسميةً دقيقةَ أو شفافة. وتختلف السجون من حيث الظروف والمفاهيم الحقوقيّة كأداة قمع سياسي، والبعض الآخر يحاول تقليل الاعتماد عليها من خلال بدائل قانونية (الدول الاسكندنافية).

توجد لدى الدول الديموقراطية أساليب للتوصل إلى تسويات تتعلّق بالأمن وقضايا الحرّية السلبيّة، أي التحرّر من السجون والقيود، وتسمح للموقوفين بالسيطرة على حيواتهم كحدٍ أدنى، وفي أوضاعٍ لا يمكن قياسها بأوضاع مُعقّدة في السجون العربية، التي تتطلّب نظام مراقبة وسياسات مشحونة بالقانون والاستشارات النفسية والسيكولوجية في أسباب وخلفيّات هذا التعسّف في سلوكياتها وعبر تسييس القضاء.

المجتمع المدني الغربي أكثر تأييدًا لفكرة التعامل مع المعتقلين خارج السجون وإجراء إصلاح في مجال الأحكام

منذ التسعينيّات، تتنافس الحكومات الغربية على اتخاذ مواقف أكثر صرامةً بشأن الحرّية. العالم قد يكون مهووسًا بالسجون بدرجاتٍ متفاوتة. لكنّها حاليًا هي السجون النّاجحة والأقل بؤسًا، ويُعاد التفكير فيها بطريقةٍ مختلفة.

المجتمع المدني الغربي أكثر تأييدًا لفكرة التعامل مع المعتقلين خارج السجون، والقيام بإجراءات إصلاح أوسع نطاقًا في مجال الأحكام. وبلدان كثيرة مثل هولندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، كانت عاجزة عن خفض أعداد السجناء، ولديها الآن أفكار جريئة من خلال السماح للمحكومين بقضاء فترةٍ أطول من عقوباتهم في المجتمع.

الإجماع القانوني الذي دام ثلاثين عامًا خلص إلى أنّ السّجون في العالم فشلت. والعالم يُعيد التفكير في الأمر بدءًا من الولايات المتحدة الأميركية وفي دول أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وبلدان الشرق الأوسط. لكنّ أسوأ السجون سمعةً في " التلذّذ" بفنون التعذيب كان السجن السوري، الذي كُشف مؤخرًا عن 13 ألف عملية شنق فيه، من أصل مئة ألف معتقل، في عوالم جريمة عزّزت سلطةً استبداديةً وعيشًا جحيميًّا لاآدميًا.

تتفنّن دول شرق أوسطيّة كثيرة بوسائلها المُرعبة كأدوات السلطة الأكثر فعّالية في السيطرة على الأحداث، والتي تُمثّل السجون أبرز مظاهرها في مواجهة "الأعداء الداخليين والخارجيين"، وتمارس بعضها ضغوطًا لتخفيَ طبيعتها الباردة في مسألة حقوق الٳنسان والقواعد القانونيّة وما يتعلّق بمستقبل الناس. في المقابل، يمارس الغرب ادّعاءاتٍ متعلقةً بالسيادة والحرية غالبًا ما كانت غير متوافقة أو قابلة للمقارنة أخلاقيًا بمعاقبة البشر الآخرين بأدواتٍ محليّةٍ عبر نقل السجناء من أراضيها حينًا بالطائرات من سجونه في قصّة خداع عالمي لآلة قتل بيروقراطية.

عدم القدرة على التقييم كان أمرًا مُدبّرًا ٳلى درجة الشّعور بالغرابة من "سجن أبو غريْب" وسجن "غوانتانامو"، مرورًا بما ارتكبه بول بوت "دوتش" كمبوديا، وسلوبودان ميلسوسيفيتش في يوغوسلافيا.

ما عاد العالم اليوم مهجوسًا بالسجون باستثناء أميركا. فهي تحتجز ضعف عدد الأشخاص مقارنةً ببريطانيا وهولندا وألمانيا. وٳذا كان السجن ناجحًا على حدّ تعبير وزير الداخلية البريطانية الأسبق مايكل هوارد، فينبغي لبريطانيا أن تنعم بالفوائد لأنّ الجريمة انخفضت منذ التسعينيّات. هذا حدث في جميع البلدان الغنيّة تقريبًا لجعل السجون أقلّ بؤسًا.

الاهتمام الجديد بالسجون يُفترض أن يُغتنم كفرصة لدول عربية

تُبدي غالبية الحكومات استعدادها للتفكير بشكلٍ مختلف. لكنّ الأصوات التي تؤيّد التساهل مع الجريمة قليلة جدًا، وسيكون من الصعب كسب الدعم الشعبي لها. مع ذلك، صارت الحكومات تتمتّع بتفويضٍ وغطاءٍ سياسيّ كبيرٍ يمكن استخدامه في تخفيف الأحكام على جرائم الأحداث التي تقل عن 12 شهرًا، وتلك البسيطة وغير العنيفة مثل السرقة والسطو على المتاجر والمتهمين بالمخدرات.

أصبح الجمهور أكثر تأييدًا لفكرة التعامل مع هؤلاء خارج السجون ومعالجة مشاكلهم في أماكن أخرى تحافظ على سلامتهم، والأهمّ ردع المجرمين بعقوباتٍ أطول من التهديد بالقبض عليهم.

هذا الاهتمام الجديد بالسجون، يُفترض أن يُغتنمَ كفرصةٍ لدولٍ عربيةٍ ومن بينها لبنان لٳعادة التفكير في أمر المعتقلين في سجونها (سجن رومية)، والحفاظ على سلامتهم، بدلًا من أن تزيد من سجونها المركزية ومن الأحكام التي يجب تخفيفها.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن