ليست المرة الأولى التي يقف فيها الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم مهدداً ومتوعداً إسرائيل باستمرار مقاومة حزبه لها، بالرغم من التزام الأخير اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، لكنها حتماً المرة الأولى التي يخرج فيها قاسم عن السقف الذي حدّده منذ انتخاب العماد جوزف عون رئيساً، والقاضي بالتزام الحزب الدولة ودستور الطائف.
في خطابه الأخير، تناول ملف السلاح، متوجّهاً إلى رئيس الجمهورية، من دون أن يسمّيه، بقوله إنه لن يسمح لأحد بأن ينزع سلاح الحزب "وعليكم أن تزيلوا فكرة نزع السلاح من القاموس". وقد أعقب كلام قاسم كلام مماثل لوفيق صفا، الذي اعتبر أن كلمة نزع السلاح "مش موجودة إلا على الميديا وعند المحرضين"، داعياً جمهور المقاومة إلى عدم الأخذ بما يسمعه فـ"كله هوبرات، لا تتأثروا بها"، مؤكّداً أنه لا يوجد قوة تستطيع نزع السلاح. ويأتي كلام قاسم وصفا رداً على ما سبق وأعلنه رئيس الجمهورية بأن قرار حصر السلاح اتّخذ و"ننتظر الظروف المناسبة"، كاشفاً عن توجّهه لفتح حوار ثنائي مع الحزب حول سلاحه.
وكانت لافتة ردود الفعل في تفسير العبارات المستعملة، بين نزع السلاح أو حصره، في حين أن النتيجة واحدة ولا تحتاج إلى الكثير من التفسير أو التأويل. والسؤال: لماذا أثار قاسم هذه المسألة، بالرغم من أن المعلومات المتوافرة كانت كشفت عن أن الحزب يدرك جديّة هذا الموضوع، وقد بدأت الاتصالات مع قصر بعبدا عبر وسطاء في هذا الشأن، على ما أوضحت مصادر الرئاسة بأن لا لقاءات مباشرة بعد بل رسائل متبادلة عبر وسطاء. واللافت أن قاسم أرفق كلامه عن رفض نزع السلاح مع تهديد مباشر آخر يتعلّق بإعطاء الدبلوماسية خياراً. ولكن "هذه الفترة لن تستمرّ طويلاً، فلدينا خيارات، ونحن لا نخشى شيئاً".
والواقع أن تهديد قاسم بالخيارات الأخرى ليس جديداً، ولكن الجديد أنه وافق على منح الدبلوماسية وقتاً، بعدما كان الحزب هاجم بشدّة وزير الخارجية جو رجي، عندما قال إن الخيار المتاح أمام الدولة اليوم هو الدبلوماسية، إذ رفض الحزب هذا الخيار، معتبراً أن لا خيار غير المقاومة. وهذا يعني أن الحزب عاد إلى التهديد بالخيار العسكري، رغم التزامه الكامل باتفاق وقف إطلاق النار.
وقد جاء تحذير النائب السابق وليد جنبلاط من أن طبول الحرب تقرع من جديد، وقد تشتعل الجبهات بلمح البصر، ولن يكون بعدها شيء اسمه "حزب الله"، ليوجّه رسالة واضحة إلى الحزب للتوقف عن اللعب بالنار، ولا سيما أن اللهجة التصعيدية للحزب عادت مع بدء المفاوضات الأميركية - الإيرانية، مما يعني أن طهران عادت لاستعمال ورقة لبنان على طاولة التفاوض.
وفي رأي مراقبين أن الحزب وضع نفسه في مواجهة مع رئيس الجمهورية عندما رفض طرحه حصر السلاح بيد الدولة، واضعاً الرئاسة في المنزلة عينها مع إسرائيل، التي تعمل على نزع السلاح وتفكيكه وتدميره. كذلك يضع نفسه خارج الدولة ومؤسّساتها، مما يجعل الخيارات المطروحة ضيّقة جداً، بعدما انحصرت باثنين: إما قبول الحزب بالعودة إلى الداخل وتسليم السلاح وإتاحة الفرصة أمام الدبلوماسية لتحقيق انسحاب إسرائيل؛ وللمفارقة، هذا هو طرح المبعوثة الأميركية مورغان أورتيغاس القاضي بتشكيل لجان سياسية للعمل الدبلوماسي؛ وإما الذهاب إلى الحرب، وباتت نتائجها محسومة سلفاً، إذا ما أخذت في الاعتبار خلاصات حرب الشهرين الأخيرة!
(النهار اللبنانية)