الأمن القومي العربي

العرب أوْلى بأن يكون لهم صوتٌ على هذه الطاولة!

كلّ عربي لا بدّ أن يشعر بالكثير من القلق والارتياب وهو يتابع المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. فالجلسة الأولى من المفاوضات بينهما بدأت في 12 نيسان الجاري في مسقط، ومن بعدها قيل إن الجلسة الثانية ستكون في 19 من الشهر نفسِه في مسقط أيضًا، ولكن تقرّر نقلها إلى روما وتمّ التوافق على ذلك على الرَّغم من اعتراض طهران في البداية على تغيير مكان الانعقاد. لم يشأ الطرف الأميركي أن يُخفيَ أنّ مفاوضات الجلسة الأولى مضت بشكلٍ جيدٍ جدًّا، وكان هذا هو الذي صرّح به الرئيس الأميركي بمجرّد فضّ أعمال الجلسة. أمّا الطرف الثاني فبدا مُتَحَفِظًا في التعليق على ما جرى في الغرف المُغلقة، وهذه هي طبيعة الإيرانيين في أيّ مفاوضات بالعموم.

العرب أوْلى بأن يكون لهم صوتٌ على هذه الطاولة!

الذين يتابعون التطوّرات ما بين الإيرانيين والأميركيين منذ دخل ترامب البيت الأبيض، وخصوصًا تطوّرات المرحلة السابقة من المفاوضات في عُمان، لا بدّ أنهم قد لاحظوا حدّة النّبرة الأميركية تجاه حكومة المُرشد علي خامنئي في طهران، ولا بدّ أيضًا أنهم لاحظوا هدوءًا في النبرة الإيرانية في المقابل، ولا شيء يدلّ على ذلك إلّا أنّ الأميركيين يضربون جماعة الحوثي منذ 15 مارس/آذار، بينما حكومة المُرشد ملتزمةٌ الصمت على غير العادة.

الموقف هو ضدّ أن تتطلّع حكومة المُرشد إلى عواصم عربية باعتبارها مناطق نفوذ لها

كلّ هذا في حقيقة الأمر ليس هو الذي يهمّنا كعرب في الموضوع، لأنّ ما يهمُّنا هو موقعنا على مائدة التفاوض التي تبدو خالية منّا، على الرَّغم من أننا طرف في الموضوع لأسبابٍ ليست في حاجة إلى شرح ولا إلى بيان، وعلى الرَّغم من أنّ غيابنا عن المائدة نفسِها في أيام التفاوض بين إدارة الرئيس أوباما والإيرانيين، تبيّن أنّه غياب في غير محلّه، وأنه أضرَّ بنا وبأمننا القوْمي بمعناه الشامل.

لا يوجد عربي يتبنّى موقفًا مسبقًا ضدّ إيران كدولةٍ جارة، فهي تقع على الشاطئ الشرقي من الخليج العربي، بينما نستقرّ نحن العرب على الشاطئ الغربي، وهذه مسألة من حُكم الجغرافيا، ولا سبيل إلى تعديل أحكام الجغرافيا ولا إلى التمرّد عليها لأنها لا تتبدّل.

ولكنّ الموقف هو ضدّ سياسات إيران في أنحاء الإقليم، وضدّ أن تتطلّع حكومة المُرشد إلى عواصم عربية مُحدّدة باعتبارها مناطق نفوذ سياسي لها. صحيح أنّ ما بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد بدّد الكثير من هذا النّفوذ، وصحيح أنّ نفوذ إيران في بعض عواصم الإقليم بعد الهجوم وتداعياته ليس هو النّفوذ الذي كان قبل الهجوم، ولكنّ هذه قضية لا يجوز أن تظلّ متروكةً للطوارئ من الأحداث تقضي فيها وتحكم.

لمّا جرى توقيع الاتفاق النووي في 2015 اتّضح بعدها أنّه كان على حساب الطرف العربي الغائب

في المرة الأولى من التفاوض مع إدارة أوباما (2013) غاب العرب عن الطاولة، فلمّا جرى توقيع الاتفاق في 2015 اتّضح بعدها أنّ الاتفاق كان على حساب الطرف العربي الغائب، وعاش العرب من بعدها يدفعون ثمن سياسات حكومة المُرشد في أنحاء الإقليم، وكان السبب أنّ سلوك هذه الحكومة في الإقليم لم يكن مطروحًا على المائدة، وأنّ كل ما كان مطروحًا هو اتفاق يخفّض درجة تخصيب اليورانيوم، حتى لا تصل إيران الى إنتاج القنبلة النووية.

لقد طمأن الاتفاق وقتها تل أبيب، وخفّف من مخاوفها من امتلاك الإيرانيين سلاحًا نوويًا، فكأنّ تهدئة خاطر الدولة العبرية هي كل الموضوع، وكأن عربًا ليسوا موجودين في المنطقة، وكأنهم لا حقّ لهم في أن تتعهد إيران بأن تكون ملتزمة في سلوكها الإقليمي وأن تكون مسؤولة.

هذا ما لا بدّ منه في التفاوض الجاري وصولًا إلى اتفاق جديد... فالاتفاق القديم ألغاه ترامب بعد مضي عامين في رئاسته الأولى.

أمّا القلق الذي أشرت إليه أوّل هذه السطور، فهو من أن يكون الاتفاق الجديد كالقديم فيما يخصّنا نحن العرب، وأمّا الارتياب فهو في الأمور التي تجري في غرفٍ مغلقةٍ ولا يُقال عنها شيء، وقد كانت الجلسة الأولى نموذجًا لذلك بامتياز، لأنّها كانت غامضةً من حيث موضوعها، ولأنّ كل الذي عرفناه كان شكلًا أو أقرب إلى الشكل.

يهمّنا ألّا يكون الاتفاق على حسابنا كما جرى أيام أوباما

لا يهمّنا أن يلتقي الطرفان بشكلٍ غير مباشرٍ كما قالت طهران وتمسّكت، ولا أن يلتقيا بشكلٍ مباشرٍ كما قال ترامب وردّد ثم لم يحدث ما قاله ولا ما ردّده، ولكن يهمّنا أن نكون حاضرين، وأن نشارك فيما سيتمّ التوصّل إليه إذا فاتنا الحضور المباشر في المفاوضات.

لا يهمّنا أن تنعقد في مسقط أو في روما أو في سواهما، ولكن يهمّنا ألّا يكون الاتفاق على حسابنا كما جرى أيام أوباما، وإذا كان الأوروبيون يعترضون على استبعاد ترامب لهم في المفاوضات الجارية، وقد كانوا حاضرين أيام اتفاق أوباما، فالعرب أوْلى بأن يعترضوا وأن يكون لاعتراضِهم صوتٌ يفرز نتيجةً على الطاولة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن