حُلم رابين وتهجير غزة

بالتزامن مع استمرار الحرب المدمرة والقتل المتعمد بالتجويع والحصار المشدد، لم تتخلص إسرائيل من وهم تهجير سكان قطاع غزة المتشبثين بأرضهم بفعل إرادة الصمود التي لا تتزحزح، والرفض العربي المطلق لهذا المخطط الذي توسوس به المؤامرات لإنهاء الوجود الفلسطيني.

المتطرفون في تل أبيب لا يريدون إنهاء هذا العدوان، وبعضهم أسقط استعادة الرهائن من أهداف الحرب، وجعل الهدف الأكبر إعادة احتلال القطاع وتهجير سكانه "طوعاً" كما يزعمون. وبعد إحباط حملات الإغراء والتضليل ، يتم الترويج الآن لما يسمّى "مديرية التهجير"، وهي هيئة وضعها جيش الاحتلال، وتعمل على "تسهيل انتقال الفلسطينيين إلى بلد ثالث" عبر إعلانات مشبوهة، وسط حديث عن اتصالات مع دول أوروبية وإفريقية يمكن أن ترضخ للإغراءات الإسرائيلية.

وليس غريباً أن يتزامن الكشف عن هذا المخطط، مع اشتداد وطأة حرب الإبادة في غزة، وتعمُّد قصف وتدمير مستودعات الأغذية، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، ومنع إدخال تطعيمات شلل الأطفال، واستهداف كل مقومات البقاء بضرب المستشفيات ومراكز إيواء النازحين وطواقم الأطباء. وبموازاة ذلك يجري تسميم النسيج المجتمعي في قطاع غزة عبر نشر الشائعات لخداع مشاعر الناس واستغلال واقع الحرب، الذي لا يُطاق. وكل هذا يمكن أن يفسر الأهوال التي تقع في قطاع غزة، وغايتها دفع ما أمكن من السكان إلى مغادرة القطاع "طوعاً"، مقابل تذاكر سفر ومبالغ من المال.

المخطط الإسرائيلي الخبيث مفضوح من أوله، ولا يحتاج إلى إعادة اكتشاف أو اصطناع الدهشة، وهو سابق لهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتبرهن عليه الاعتداءات المتكررة على القطاع وتشديد الحصار، وربما هو سابق لكل ذلك أيضاً قبل عقود، حين تمنّى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين أن يصحو يوماً فيجد غزة قد ابتلعها البحر كأنها لم تكن، وإذا كان هذا هو حُلم رابين الذي وقّع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، وقد يكون دفع ثمن ذلك باغتياله، فإن أحلام المتطرفين، الذين لا يؤمنون بالوجود الفلسطيني، لا يريدون خيراً لغزة، ويعملون على إبادة أهلها وطمسها من الوجود.

المأساة الراهنة، لم تعرف المنطقة لها مثيلاً، وربما لم يشهدها وجه الأرض في التاريخ المعروف، بشهادات متطابقة من المنظمات الدولية والهيئات الأممية وزعماء وشخصيات عالمية. وهذه المأساة ستظل وصمة عار في جبين الإنسانية، إذا لم تتوقف هذه الحرب وحققت أهدافها الشيطانية؛ لأن المشروع المعلن لن يتوقف عند غزة، بل يتعداها إلى ما هو أخطر وأكثر قداسة، وقد عبّرت عن ذلك الدعوات الإسرائيلية المتطرفة لتفجير المسجد الأقصى، وهي دعوة مرفوضة ومدانة، ولكنها فرضية قائمة، إذا توفرت لها الظروف.

ومثلما نام حلم رابين إزاء غزة عقوداً ها هو يحاول أن يتجسد واقعاً بالمذابح والمحارق ومساعي التهجير والاجتثاث. وهذه الدوامة إذا حققت أهدافها في قطاع غزة فستنتقل حتماً إلى الضفة الغربية وفق الخطط المعلنة بضمّها وعمليات التدمير الجارية للمخيمات والقرى والمزارع، ومن غير المستبعد أن تتدحرج إلى خارج الحدود الفلسطينية إلى مناطق لبنانية وسورية، تجاهر إسرائيل باحتلالها، وتتبجّح بالبقاء فيها إلى أجل غير مسمى.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن