انطلقت المفاوضات النووية الإيرانية-الأمريكية "غير المباشرة" في مسقط، بوساطة عُمان، في 12 إبريل/نيسان الجاري، تلتها جولة ثانية التأمت في روما في 19 منه. وبرغم أن الإطار الجديد للمفاوضات النووية مع إيران يقلّص دور أوروبا (والأمم المتحدة)، فقد اختيرت روما كموقع رمزي للمحادثات، وسط توقعات بتأثير محتمل لرئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، على ترامب. ويُنظر إلى ميلوني على أنها "الجسر الجديد" بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وإذا كانت خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) لعام 2015 قد تم الوصول إليها بسبب رغبة إيران في التخلص من العقوبات الاقتصادية، فإنّ المحادثات الراهنة تتضمن مزيداً من الإلحاح بالنسبة لإيران، بسبب أزمتها الاقتصادية، وانكشاف دفاعاتها الجوية، وتقلص قدرات وكلائها الإقليميين، والتهديد بهجوم أمريكي أو إسرائيلي على منشآتها النووية. كما أنها تتضمن إلحاحاً بالنسبة للولايات المتحدة، نظراً لتطلع الرئيس ترامب إلى تحقيق إنجاز سياسي، ولاسيما في ضوء تعثر ملفات سياسته الخارجية الأخرى، وفي مقدمتها وقف حرب أوكرانيا، والتسوية السياسية للصراع في الشرق الأوسط، إلى جانب اصطدام حرب الرسوم الجمركية بعقبات جمة.
يمكن النظر إلى المحادثات النووية الحالية بأنها تتسم بفاعلية أكبر، كونها تجري بين طرفين اثنين فقط، مقارنة بالمفاوضات التي استغرقت عامين، وأفضت إلى إبرام خطة العمل المشتركة الشاملة في 2015 بين إيران والدول الست الكبرى مع قيام الاتحاد الأوروبي بدور الوسيط. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال "الشيطان الأكبر" بالنسبة لآية الله خامنئي، فإنها القوة القادرة على تقييد السلوك العدواني الإسرائيلي ضد إيران، وتأمين أية تسوية دائمة.
وقد أظهرت الجولة الأولى من المحادثات جديّة الهدف، وأنّ هناك جهداً مبذولاً من الطرفين لتجنب ما لا يريدانه، وهو حرب أخرى في الشرق الأوسط. وبرغم وجود خلاف داخل الإدارة الأمريكية حول الهدف من المفاوضات مع إيران، فإنّ خيار الضربة العسكرية الأمريكية (أو الإسرائيلية أو الأمريكية-الإسرائيلية) يبدو بعيداً. وقد كانت الجولة الثانية من المحادثات النووية في روما "بناءة"، وأحرزت تقدماً ملحوظاً تمثل في إعطاء الضوء الأخضر لبدء المباحثات التقنية في مسقط في 23 إبريل/ نيسان، تليها جولة مفاوضات ثالثة في 26 إبريل/ نيسان.
وبالنسبة للمباحثات التقنية في مسقط، فسوف تجتمع مجموعة من الخبراء الإيرانيين والأمريكيين لمناقشة التفاصيل الفنية، بما في ذلك تحديد المستويات القصوى التي يمكن لإيران تخصيب اليورانيوم إليها، وحجم المخزون النووي الذي يمكن لإيران الاحتفاظ به، ومصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وكم عدد أجهزة الطرد المركزي التي سيُسمح لإيران بمواصلة تشغيلها، إضافة إلى دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكيفية مراقبة أي اتفاق والتحقق من الالتزام به.
وقد توافق إيران على تخفيف مخزونها من اليورانيوم المخصب، أو نقله لروسيا والسماح للأخيرة بإعادته إلى طهران إذا انتهكت الولايات المتحدة الاتفاق. لكن ذلك سيكون من أجل حماية الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي ذات الكفاءة والسرعة العالية. وهناك احتمال إنشاء مشروع مشترك لإدارة منشآتها لتخصيب اليورانيوم، يضم الولايات المتحدة أو دولة ثالثة، ما يوفر ضمانات إضافية بأن البرنامج سلمي.
وتُمهد الجولة الثانية من المفاوضات الأمريكية-الإيرانية الطريق نحو التوصل إلى اتفاق شامل وطويل الأمد بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث استمر التفاؤل و"الأجواء الجيدة" و"المحادثات الفعّالة". وفي هذا الخصوص، أعرب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق "خلال أسابيع"، مشيراً إلى أن الجانبين "على استعداد لمناقشة القضايا الجوهرية". وسوف يشكل هذا الاتفاق، مناسبةً لعرض إنجازات ترامب، مع تسليط الضوء على الاختلافات بينه وبين اتفاق أوباما 2015، فيما ستسعى إيران إلى الحصول على ضمانة لتنفيذه والالتزام به من جانب ترامب، وأن يتلوه رفع للعقوبات الأمريكية والغربية عنها.
ويُرجح سيناريو التوصل لاتفاق نووي جديد أنّ تحديد الهدف "الحقيقي" للمفاوضات بالحؤول دون تطوير إيران لسلاح نووي، إذا تمسكت الإدارة الأمريكية به فقط، سيعزز بشكلٍ جاد من فرص نجاح المحادثات. كما أنّ ميل ترامب إلى عقد الصفقات واستعداده للانخراط شخصياً قد يفتحان الأبواب الدبلوماسية. وقد أثبتت إيران، خلال جولتي المفاوضات في مسقط وروما، أنها أكثر مرونة مما توقع منتقدوها، وأنّها تريد صفقة نووية تستمر، وتعتقد أن الرئيس ترامب سيكون أكثر قدرة على ضمان استدامة الصفقة التي يبرمها، وأنها تريد رفع موثوق فيه للعقوبات وعدم المخاطرة بمزيدٍ منها أو بالحرب، وأنّها لا تريد أن تُلام على فشل المحادثات.
وأخيراً، وليس آخراً، فإنّ من مصلحة كل الأطراف، بما في ذلك إيران والدول الغربية ودول مجلس التعاون الخليجي، توفير الدعم لإنجاح المفاوضات النووية الأمريكية-الإيرانية قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو تاريخ انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 وقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي يمثل المظلة الأممية له. ويعني هذا الانتهاء خروج إيران من إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإلغاء العقوبات الأممية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع الخطة بشكل كلي، وعدم جواز إعادة العقوبات مرة أخرى على إيران، بعد هذا التاريخ.
(الخليج الإماراتية)