ما لا شكّ فيه أنّ هجرة القبائل والشعوب، ساهمت في تشكّل الحضارات والإمبراطوريات والحواضر والثقافات وانتشار الأديان. وكانت أسباب هجرة الإنسان القديم، بسبب البحث عن مَواطِن آمنةٍ ومتوفّرٍ فيها الصيد وكذلك بسبب قساوة الطبيعة، وفي العصور الحديثة أصبحت الهجرة بسبب الحروب والمجاعات والبحث عن الأمان والاستقرار.
وفي الوقت المعاصِر، فإنّ الهجرة أصبحت بشكل مكثّف وسريع ولأسباب متعدّدة، ومن ضمنها كما تقول إيمي بوب مديرة المنظمة الدولية للهجرة، النزاعات والكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيّرات المُناخية والأزمات الاقتصادية، التي تُكْرِهُ ملايين النّاس على الانتقال إلى مناطق أخرى. ويُلاحظ ذلك من جمهورية الكونغو الديموقراطية، حيث اضطرّ حوالى 500 ألف إلى الهجرة بسبب النّزاع في شرق البلاد، وذلك في شهر يناير/كانون الثاني 2025.
هناك دول تُصدّر عمالة غير مؤهّلة ودول تُصدّر الأدمغة والكفاءات ودول مُصدّرة للاجئين
وتميّزت مرحلة الخمسينيّات بهجرة عددٍ من الأوروبيين إلى أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، فكانت بذلك أوروبا أهمّ جهة في العالم آنذاك، يهاجر منها المهاجرون. لكن فيما بعد ظهر اتجاه آخر للهجرة، وهو من الجنوب إلى الشّمال، ومن ذلك هجرة الأفارقة إلى أوروبا، وسكّان المكسيك إلى أميركا الشمالية والجنوبية، والفقراء من دول الهند وبنغلاديش والفيليبين نحو آسيا وغيرها.
صنّف الباحث الفرنسي جيلداس سيمون، أنواع الدول التي يُهاجر منها المهاجرون، فهناك النّوع الأول من الدول التي تُصدّر عمالةً غير مؤهلةٍ وذلك من دول آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية. وصنفٌ ثانٍ من الدول "يُصدّر" الأدمغة والكفاءات، بسبب العوْلمة واتّساع نطاق الشركات العالمية الكبرى، ومن ذلك الهند، التي يهاجر منها المهندسون المتخصّصون في المعلوميّات وبعض مجالات التّكنولوجيا. أمّا الصنف الثالث، فهو يتكوّن من دولٍ "مُصدّرةٍ" للاجئين، إذ يُقدّر عددهم إلى حدود منتصف عام 2024، حوالى 38 مليون شخص حسب المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأغلبهم من أفريقيا والشرق الأوسط (وبخاصّة من سوريا وأفغانستان والعراق)، إضافةً إلى اللاجئين من فلسطين وهي هجرة بسبب النزاعات والأزمات السياسية الحادّة.
أمّا الدول التي تستقبل المُهاجرين، فهناك أولًا الولايات المتحدة الأميركية التي استقبلت ما بين 2015 و2019 حوالى 1.3 مليون شخص كل سنة؛ ثم بعدها كندا وكولومبيا (حوالى 300 ألف كل سنة)، وكل من روسيا وألمانيا (حوالى 100 ألف شخص سنويًا)، وبريطانيا وأستراليا وإسبانيا (حوالى 200 ألف كل سنة)، بينما استقبلت فرنسا حوالى 120 ألف شخص كل سنة.
الحديث عن مسارات الهجرة المهمّة في العالم يؤكد على وجود حركة للهجرة في كلّ القارات
وإذا تمّ ربط عدد المهاجرين بنسبة السكّان، فإنّ قطر تحتلّ المركز الأوّل بحوالى 3%، ثم الكويت بـ2%، وأيسلندا بحوالى 1.5%، ونيوزيلندا (1.4%)، وكندا وأستراليا والتشيلي (0.9%)، والسويد (0.8%)، والنمسا (0.7%)، وسويسرا (0.6%)، وبلجيكا وألمانيا والنروج وإسبانيا (0.5% لكل واحد منهم)، والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا (0.4)، وروسيا (0.2)، وفرنسا (0.1%).
أمّا المسارات الرئيسيّة للهجرة الدولية خلال سنة 2024، فتتمّ أوّلًا من المكسيك إلى الولايات الأميركية، حيث نتحدّث عن رقمٍ يتجاوز العشرة ملايين، ثم المسار الثاني من سوريا إلى تركيا (حوالى أربعة ملايين)، ثم المسار الثالث ويهمّ الهجرة من أوكرانيا إلى روسيا (حوالى ثلاثة ملايين)، ثم المسار الرابع من الهند إلى الإمارات، فالمسار الخامس من روسيا إلى أوكرانيا، والمسار السادس من الهند إلى الولايات المتحدة، ثمّ المسار السابع من أفغانستان إلى إيران، ويليه المسار الثامن من بنغلاديش إلى الهند، والمسار التاسع من روسيا إلى كازاخستان، والمسار العاشر من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية، والمسار الحادي عشر من بولونيا إلى ألمانيا، والمسار الثاني عشر من الفيليبين إلى الولايات المتحدة الأميركية. بالنّسبة للمسار الثالث عشر فمن ميانمار إلى تايلاند، ثم المسار الرابع عشر من تركيا إلى ألمانيا، والمسار الخامس عشر من فنزويلا إلى كولومبيا، والمسار السادس عشر من إندونيسيا إلى المملكة العربية السعودية، والمسار السابع عشر من الجزائر إلى فرنسا، والمسار الثامن عشر من أفغانستان إلى باكستان، وأخيرًا المسار التاسع عشر ويهمّ الهجرة من أوكرانيا إلى بولونيا.
لا يعني هذا عدم وجود مسارات أخرى، وإنّما تمّت الإشارة إلى أهمّ المسارات، استنادًا إلى تجاوز المليون شخص والمصدر، حسب تقريرٍ للمنظمة الدولية للهجرة.
ومن المُلاحظ أنّ أكبر مسارٍ للهجرة يهمّ خط المكسيك والولايات المتحدة الأميركية، الذي يتجاوز عشر ملايين مهاجر. كما أنّ أوروبا بدورِها بدأت تعرف هجرةً داخليةً مكثفةً، من أوكرانيا إلى روسيا، ومن روسيا نفسِها إلى أوكرانيا، ومن بولونيا إلى ألمانيا، ومن أوكرانيا إلى بولونيا، من دون الحديث عن المسارات المتوسطة والصغرى داخل أوروبا من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية.
وتُعتبر الهند من الدول التي تعرف هجرةً مكثّفةً لمواطنيها إلى الولايات المتحدة ودول الخليج العربي (الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أساسًا). أمّا داخل آسيا فهناك هجرة مكثّفة من أفغانستان إلى إيران، وأخرى من بنغلاديش إلى الهند، وثالثة من ميانمار إلى تايلاند، ورابعة من إندونيسيا إلى السعودية، وأخيرًا هجرة مكثّفة من أفغانستان إلى باكستان.
عدد المهاجرين من بلدانهم إلى بلدان أخرى يُقدّر بحوالى 283 مليون شخص، ممّا يعني 3.6% من سكّان العالم
أمّا أهم مسارَيْن نحو أوروبا، فهناك مسار تركيا إلى ألمانيا ثم مسار الجزائر إلى فرنسا. أمّا في داخل أميركا الجنوبية، فهناك مسار من فنزويلا إلى كولومبيا.
يؤكّد الحديث عن المسارات المهمّة في العالم والمتعلّقة بالهجرة على وجود حركة للهجرة في كلّ القارات. ومن الملاحظات المهمّة أنّ عدد المهاجرين الذين انتقلوا للعيش من بلدانهم إلى بلدان أخرى، يُقدّر بحوالى 283 مليون شخص، استنادًا إلى إحصائيات 2020، ممّا يعني 3.6% فقط من سكّان العالم.
ومن الملاحظ كذلك، أنّ أكبر عددٍ من المهاجرين في العالم، يندرج ضمن صنف الذين ولدوا في الجنوب وانتقلوا إلى دولٍ من الجنوب ويقدّر ذلك بحوالى أكثر من 100 مليون، بينما الصّنف الثاني من المهاجرين هو من الذين وُلدوا في الجنوب وهاجروا إلى الشمال (أوروبا وأستراليا وأميركا...)، ويُقدّر بأقل من 100 مليون. أمّا الصنف الثالث فهم الذين هاجروا من الشمال إلى دولٍ في الشمال وعددهم حوالى 60 مليونًا، وأخيرًا الصنف الرابع والذي يتكوّن من الذين ولدوا في الشمال ويعيشون في دول الجنوب، حيث إنّ عددهم لا يتجاوز 20 مليونًا وذلك استنادًا إلى إحصائيات 2020. (أنظر العدد الخاص حول الهجرة، لمجلّة "ديبلوماسي" الفرنسية).
(خاص "عروبة 22")