النفط ومستقبل الطاقة

الطاقات الجديدة والمتجدّدة: مصدرٌ آمن ومُستدام للتنمية الزراعية العربية

تُـمثّل الطاقة الجديدة والمتجدّدة إحدى أكثر الوسائل فعاليةً لتنمية الزراعة في العالم العربي، فهي لم تعُد ترفًا، بل ضرورة تُحتّمها الظروف. والطاقة الجديدة والمتجدّدة هي الطاقة المُستمدّة من الموارد الطبيعية التي لا تنفد وتتجدّد باستمرار مثل الشمس والمياه والرياح. وتختلف الطاقة المتجدّدة عن مصادر الوقود الأخرى من نفطٍ وفحمٍ وغازٍ طبیعيّ، بأنّها لا يصدر عنها مخلّفات ملوّثة للبيئة، كما أنّها متوفّرة في الطبيعة وتتلاءم معها.

الطاقات الجديدة والمتجدّدة: مصدرٌ آمن ومُستدام للتنمية الزراعية العربية

تُعتبر المنطقة العربية أكبر مناطق العالم إنتاجًا للوقود الأحفوري حيث تمتلك 58% من احتياطيّ النفط وحوالى 26% من احتياطي الغاز الطبيعي. ويعتمد العالم العربي على النّفط لتلبية حوالى 98.2% من احتياجاته من الطّاقة، كما أنّه يعتمد بصورةٍ أساسيةٍ على عائدات صادرات النّفط والغاز كمصدرٍ للدخل القومي والعملة الصعبة، ويُـمثّل هذا الوضع مشكلةً في ظلّ أن النّفط والغاز سيتعرّضان للنّضوب بالإضافة إلى كونهما من ملوّثات البيئة، ويتجه العالم للاستغناء عنهما أو تقليل استخدامهما، الأمر الذي سيؤثّر في اقتصادات الدول العربية.

مع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وأضراره البيئيّة، اتجهت العديد من دول العالم إلى تطوير تكنولوجياتٍ جديدةٍ وغير مُكلفةٍ لتعظيم الاستفادة من الطاقات الجديدة والمتجدّدة كبديلٍ آمنٍ ومُستدامٍ للطاقة. وهنا يبرز تساؤلٌ حول قدرة الطاقات الجديدة والمتجدّدة على منافسة النفط كمصدرٍ رئيسيّ للطاقة وأن تصبح البديل المستقبلي لها.

تتمتّع المنطقة العربية بموارد هائلة نظرًا لموقعها الجغرافي المُتميّز ضمن ما يُعرف بـ"الحزام الشمسي"

يمكن القول إنّ الطاقات الجديدة والمتجدّدة ليست بديلًا فوريًّا أو كلّيًا، لكنّها بديل استراتيجي وتكميلي متوسط وبعيد المدى. وإضافةً للبُعد الاقتصادي، تُساهم الطاقة المتجدّدة في تحسين جودة الهواء وتقليل انبعاث الغازات الدفيئة، كما تُقلّل من تلوّث التربة والمياه التي تحدث نتيجة عمليات استخراج واستهلاك الوقود التقليدي، علاوةً على ذلك تُسهم في الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري.

المقاربة السّليمة تعني ضرورة توجّه العالم العربي إلى الطّاقات الجديدة والمتجدّدة من خلال الاستثمار في مشاريع تنمويةٍ تعتمد على سياساتٍ وطنيةٍ شاملةٍ وبرامجَ دعمٍ موجهةٍ لقطاعات البحث العلمي ونقل التكنولوجيا والبنية التحتيّة اللّازمة للتحوّل إلى استخدامات هذا النوع الجديد من الطاقة.

وتُوفّر الإمكانات والموارد الطبيعية للمنطقة العربية فرصًا كبيرةً لنجاح تلك المشاريع حيث تتمتّع المنطقة بموارد هائلةٍ من الطاقة الشمسيّة نظرًا لموقعها الجغرافي المُتميّز ضمن ما يُعرف بالحزام الشمسي حيث تتراوح مصادر الطاقة الشمسية في المنطقة ما بين 1460 و2000 كيلووات في الساعة للمتر المربع في السّنة، وهو ما يُوفّر ميزةً نسبيةً للمنطقة مقارنةً بالعديد من دول العالم ويؤهّلها لتكون من أكثر المستفيدين من الطاقة الشمسية.

ولقد دفع ذلك العديد من الدول العربية لإطلاق العديد من المشروعات لإنتاج الطّاقة الشمسيّة في إطار السّعي لتوليد الطاقة النظيفة ومواصلة الدور القيادي للمنطقة العربية في سوق الطاقة العالمية.

من أبرز تلك المشروعات محطّة إنتاج الطاقة الشمسية في أسوان في جمهورية مِصر العربية والتي تُعدُّ من أكبر المحطات على مستوى العالم حيث أقيمت على مساحة 37 كيلومترًا مربعًا وبقدرةٍ تصل إلى 1.7 غيغاوات وكذلك محطّة الطاقة الشمسية في المغرب بقدره 510 ميغاوات، بالإضافة إلى مشاريع تحلية مياه البحر في المملكة العربية السعودية ومشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال الخلايا الشمسية في كلٍّ من الإمارات ولبنان.

وحاز القطاع الريفي على النّصيب الأكبر من تلك المشاريع التي ساعدت على توفير الكهرباء وتشغيل أنظمة الريّ الحديثة وكذلك توفير مصادر مياهٍ إضافيةٍ للزراعة في المناطق الصحراوية والقاحلة، بخاصة في المملكة العربية السعودية ومصر، كما تمّت الاستفادة من مشاريع الطاقة الشمسيّة في تشغيل الآلات الزراعية وأنظمة التجفيف والتبريد للمحاصيل الزراعية.

تعزيز توجّه المنطقة العربية لإنتاج الطاقات المتجدّدة يحتاج إلى دعم البحوث العلمية وتعاون عربي مُشترك

وهناك العديد من المشاريع الناجحة للاستفادة من طاقة الرّياح مثل تلك الموجودة في خليج السويس بمصر حيث تبلغ سرعة الرياح 11.8 مترًا في الثانية، وكذلك في الأردن حيث تبلغ سرعة الرياح 7.5 أمتار في الثانية.

ويمكن استخدام طاقة الرّياح في توفير مياه الريّ بشكلٍ مباشرٍ من دون استخدامها في توليد الكهرباء كمرحلةٍ وسيطةٍ وذلك في المناطق البعيدة عن شبكة الكهرباء عبْر ما يُعرف بـ"مضخّات الرّياح" لرفع المياه من الآبار. كما يتمّ استخدام طاقة الرّياح في تشغيل أنظمة التهوية في مزارع الانتاج الحيواني.

واهتمّت أيضًا الدول العربية بطاقة الغاز الحيوي "البيوغاز" كمصدرٍ للطاقة يجمع بين إنتاج الطاقة والسّماد العضوي كناتجٍ ثانويّ يعمل على زيادة خصوبة التربة وتعتمد تقنية إنتاج الغاز الحيويّ على التحضير اللّاهوائي للمخلّفات الزراعية والمنزلية باستخدام محتويات بسيطة يمكن إلحاقها بمنازل المزارعين في المناطق الريفيّة حيث يُوفّر لهم وسيلةً ومصدرًا آمنًا للطاقة يمكن استخدامه في الطهي والإضاءة والتدفئة.

وخلال الفترة الأخيرة، اتّجهت بعض الدول العربية خصوصًا غير المنتجة للنفط إلى مشاريع إنتاج "البيوديزل" والذى يُصنّع من مخلّفات الزيوت النباتية ويتميّز بكونه بديلًا آمنًا ورخيصًا للديزل، إذ يمكن استخدامه في تشغيل مضخّات الريّ والجرّارات الزراعية وآلات الزراعة والحصاد، بالإضافة إلى أنه يقلّل من الانبعاثات الكربونية الملوّثة للبيئة، وقد قامت هذه الدول بالعديد من الدراسات التي تهدف إلى تبسيط تكنولوجيا إنتاجه والتوسّع في دورِه، بخاصة في المناطق الرّيفية وحديثة الاستصلاح.

من الأهمية بناء صناعة عربية محلية في مجال معدّات الطاقات الجديدة والمتجدّدة وعدم الاكتفاء باستيرادها

وعلى الرَّغم ممّا سبق، فإنّ هناك حاجةً لتعزيز توجّه المنطقة العربية لإنتاج الطاقات المتجدّدة، ولكن هذا يحتاج لدعم البحوث العلمية في هذا المجال والتعاون العربي المُشترك في هذه البحوث خصوصًا أنّ تعزيز فعّالية هذه الطاقات يحتاج لدراسة الظروف البيئيّة لكلّ منطقة (مثل سرعة الرياح أو مقدار الطاقة الشمسية) وهو ما يجعل البحث العلمي أكثر أهميةً مقارنةً بحالات استخدام الوقود التقليدي.

كما يحتاج نشر الطاقات الجديدة إلى تعزيز دور الإرشاد الزراعي لتدريب المُزارعين على هذه التقنيّات، وتمويلهم بقروضٍ مُيَسَّرَةٍ، ومن الأهمية بمكان بناء صناعةٍ عربيةٍ محليةٍ في مجال معدّات الطاقات الجديدة والمتجدّدة، وعدم الاكتفاء باستيرادها، لتقليل نزيف العملة الصّعبة وتوفير فرص عملٍ محلية، كما أنّ خلق مثل هذه الصناعة وما يرتبط بها من صيانةٍ وتطويرٍ مستمرٍ يُرسِّخ هذه التّكنولوجيا محليًا ولا يجعلها معلقةً بمعارف وخبرات مستوردة ما يجعلها أكثر فعالية.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن