بعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/يناير الماضي، تعزّزت الآمال في إنهاء الحرب في أوكرانيا والتوصل إلى تسويات للمشكلات السياسية الدولية العالقة، وفي مقدمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتعقيدات والحروب والمشكلات التي تسبّبت بها في العالم العربي ومع إسرائيل كما في العالم كله.
تابعت طهران هذه الأمور بكثير من التيقّظ والحذر، إذ خشيَت أن تُصبح أداةً معرضةً للكسر جرّاء المقايضات الممكنة أو المحتملة بين موسكو وواشنطن، ولا سيما بعد بدء المكوكيات الديبلوماسية بين ترامب وبوتين. تضاعفات هذه الخشية بعد المحادثة الهاتفية الأخيرة بينهما. والأكثر قلقاً لإيران كان تصريح البيت الأبيض أن بوتين وترامب "تشاركا" النظرة إلى أن إيران يجب ألا تكون إطلاقا في موقع المهدّد لسلامة إسرائيل وتدميرها. وبما أن هجوماً إسرائيلياً على البرنامج النووي الإيراني بدا وشيكاً أكثر من أي مرة في السابق، فإن الاستنتاج المبدئي منه هو استعداد موسكو للتضحية بطهران من أجل تحقيق الهدف الكبير، أي إعادة العلاقات الجيدة أو الجدية مع واشنطن.
ما مدى الحقيقة في هذا النوع من التكهنات والتوقعات؟ ليس هناك جديدٌ في تبادل الشكوك بين روسيا وإيران، يُجيب باحث في مركز أبحاث أميركي موجود في عواصم العالم الكبرى. فالحذر، وأحياناً الشكوك بين روسيا وإيران، أمرٌ واقع لا يمكن إنكاره. والحذر من نيات موسكو انتشر من زمان في أوساط النُخبة أو النُخب الإيرانية كما في المجتمع الإيراني كله. الأسباب كثيرة ومتنوّعة، منها التدخّل العسكري الإمبراطوري الروسي، ثم السوفياتي في إيران وأكثر من مرة. ومنها أخيراً رفض موسكو التصويت ضد قرارات الأمم المتحدة المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني. لذا ليس مستغرباً خوف إيران من محاولة موسكو بيعها لأعدائها. ومعلوم أن الوضع الحالي يختلف عن الوضع السابق، ولا سيما في السنوات الأخيرة منه.
فبعد جهود الغرب لعزل روسيا جرّاء اجتياحها أوكرانيا عام 2022، أصبحت العلاقة مع إيران أولوية عند الكرملين. وهي حالياً شريكٌ عسكري مهم لها وحاسم لعدد من المشروعات الدولية، قد يكون أهمها "كوريدور النقل بين الشمال والجنوب". إلى ذلك، يقول الباحث نفسه، تناسبت جيداً تدفئة العلاقات مع إستراتيجيا الكرملين خلال عقود سابقة، وأحد أبرز عناصرها إدارة الظهر للغرب. وقد جاءت حرب أوكرانيا لتُحيي ذلك وتعزّزه.
لا يبدو حالياً رغم كل الأخبار والمحاولات، أن هناك ضمانات لقيام علاقة جيدة روسيا مع الغرب، ولا سيما في حال بقاء روسيا هدفاً للغرب وعقوباته. واختبار إيران في ذاته يُظهر أن فرض العقوبات سهل ورفعها بالغ الصعوبة. حتى وإن عزم بوتين على عقد اتفاق مع ترامب، فإن روسيا لا تزال معاقبة من أميركا والاتحاد الأوروبي واليابان وكندا. يعني ذلك أن رفع العقوبات سيكون عملية طويلة جداً ومعقّدة.
ماذا عن روسيا؟ ليس محتملاً أن يبدأ الكرملين بالاعتقاد أن مستقبل روسيا في الغرب. طبعاً يعمل الرسميون الروس إلى رفع العقوبات عن بلادهم أو إغراء الشركات الغربية من أجل العودة إلى السوق الروسية. ولكن أيّاً تكن حصيلة التفاوض حول أوكرانيا فإن حجر الزاوية في السياسة الخارجية الروسية سيبقى "الاتجاه نحو الشرق". وما دامت العلاقات الوثيقة مع دول غير عربية هدفاً مهماً لروسيا فسيكون صعباً عليها التضحية بإيران المهمة جداً لها اقتصادياً ولوجيستياً، باعتبارها أرض اختبار لأشكال جديدة من التعاون الدولي.
لهذه الأسباب لا تشكّل مفاوضات ترامب - بوتين تهديداً للشراكة الطويلة بين موسكو وطهران. طبعاً قد تكون هناك عقبات على الطريق. فوضع إيران في الشرق الأوسط قد يتغيّر دراماتيكياً. واحتمالات ضرب إسرائيل المفاعلات النووية الإيرانية تتزايد يومياً. ورسالة ترامب الأخيرة لزعيمها خامنئي لمّحت إلى حصيلة صعبة، إذ أعطت واشنطن طهران شهرين لتوقيع اتفاق جديد معها حول مشروعها النووي أو مواجهة مضاعفات خطيرة.
ماذا لو تعرّضت إيران لضربات أميركية وإسرائيلية؟ ستدينها موسكو بالتأكيد من دون أي شك، خشية أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية أو تغيير للنظام في إيران. من شأن ذلك تشكيل خطر كبير على الاستثمارات الروسية فيها، فضلاً عن أن موسكو لا تريد أن تحصل إيران على سلاح نووي. الدخل أو الربح المثالي لموسكو هو تدخلها للتوصل إلى اتفاق نووي بين طهران وواشنطن. لكن هذه المحادثات بدأت وترامب لا يزال مستمراً في التهديد بالحرب، وذلك إذا حصل يُنهي الحاجة إلى تدخل روسي في هذا الموضوع.
هناك استحالة لمحاولة روسيا حماية إيران من أي هجوم، لأن خطر المواجهة المباشرة بينها وبين أميركا يُصبح كبيراً جداً، ولا سيما أن الأسلحة الروسية المبيعة لإيران لن يكون لها أي تأثير على المواجهة المذكورة. يعني ذلك أن روسيا ستسعى لطمأنة أميركا إلى أنها لن تتدخل إلى جانب إيران. ونظراً إلى عجزها عن التأثير على حصيلة الحرب فإن حيادها قد تعتبره واشنطن تنازلاً لها، فضلاً عن أن أي أزمة رئيسية تندلع في الشرق الأوسط لا يمكن أن تشارك موسكو في حلها لأن الحل سيقتصر على مثلث مؤلف من أميركا وإسرائيل وإيران.
(النهار اللبنانية)