تابعت، على الشاشة الصغيرة، كغيري كثيرون، مراسم جنازة الرئيس الأمريكي، الأسبق، جيمي كارتر، التي أقيمت في العاصمة الأمريكية، واشنطن، بعدما وافته المنية عن عمر يناهز المائة عام. كان كارتر، الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة، وحاصلا على جائزة نوبل للسلام في عام 2002، نتيجة للدور العالمي العظيم الذي لعبه لتحقيق السلام، والذي شمل تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل، وبالتالي في الشرق الأوسط، وهو ما كان محور جميع الخطابات، في يوم جنازته.
وبينما تذاع مراسم الجنازة، انتقلت الكاميرات على وجه الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، فوجدتني أفكر فيما يدور في ذهنه، في تلك اللحظة، وتصورته يفكر في أنه أحد أكبر أغنياء العالم، ورئيس أكبر دولة في العالم لفترتين، ولعل ما ينقصه هو أن يحصل، هو الآخر، على جائزة نوبل، مثلما حصل عليها الرئيس كارتر، الذي رعى اتفاق السلام في كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
ومنذ تلك اللحظة وأنا أرى للرئيس ترامب أربع أولويات: اثنتان منها لتحقيق السلام، مرة في الشرق الأوسط بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين، ومرة بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا. أما الأولوية الثالثة، من وجهة نظره، فتكمن في استعادة قوة أمريكا، من خلال السيطرة على العالم اقتصادياً، خاصة بالتفوق على الصين. بينما رابع أولوياته تأسيس الإمبراطورية الأمريكية الجديدة، بضم جزيرة جرينلاند، وقناة بنما، وكندا، لتصبح الولاية رقم 51، وفقاً لتصريحاته، وبهذا تصير الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة في العالم، سواء من حيث المساحة، أو القدرة الاقتصادية، أوالقوة العسكرية، وهو ما سيؤهله، من وجهة نظره، للحصول على جائزة نوبل للسلام.
دعونا نستعرض، في البداية، البنود السبعة التى حددتها الولايات المتحدة للوصول لاتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، والتي يبدو أنه تم الاتفاق عليها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الزيارتين الأخيرتين لمبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، إلى موسكو. ينص المبدأ الأول على اعتراف الولايات المتحدة بأحقية روسيا في شبه جزيرة القرم، التي كانت تابعة، في الماضى، لروسيا قبل أن يمنحها خروشوف لأوكرانيا أيام الاتحاد السوفيتي، ثم أعادت روسيا ضمها لأراضيها، في 2015. أما البند الثاني فهو اعتراف أمريكا، شبه رسميا، بأحقية روسيا في المقاطعات الأربع التي ضمتها خلال حربها الحالية مع أوكرانيا، وهي لوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، على أساس التفاوض على شكل الحدود، مع السماح لأوكرانيا بوجود مسارات لها للوصول إلى نهر دينبرو كجزء من التسوية.
ويشترط البند الثالث على عدم انضمام أوكرانيا لحلف "الناتو"، كعضو فيه، في مقابل البند الرابع، بالنظر في إمكانية السماح لأوكرانيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي. أما خامس البنود فيشترط نقل السيطرة على محطة زابوريجيا للطاقة، أكبر المحطات النووية في أوكرانيا، من روسيا إلى أمريكا. مع تأكيد توقيع أوكرانيا صفقة المعادن إلى أمريكا، كسادس البنود. وأخيراً رفع كل العقوبات المفروضة على روسيا. مما لا شك فيه أنه لم يتم الاتفاق مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي على أي من تلك البنود، إذ تُشير الشواهد لإجباره على الرحيل إلى إنجلترا، لتشهد بلاده بعدها انتخابات رئاسية، وبرلمانية، جديدة، تتولى التصديق على معاهدة السلام المتضمنة لتلك البنود. لذا فمن المتوقع أن يتم وقف إطلاق النار، لفترة تمهيدية، لحين الانتهاء من الانتخابات الجديدة في أوكرانيا.
أما شق السلام الآخر، المؤهل للحصول على جائزة نوبل، فمن المنتظر إتمامه خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط في الفترة من 13 إلى 16 مايو، إذ من المقرر أن يزور السعودية والإمارات وقطر، للاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، على أن تسلم "حماس" جميع الرهائن وعددهم 59 رهينة، منهم 24 أحياء، والباقى جثامين. وسيتم وقف إطلاق النار لمدة 45 يوماً، تنسحب بعدها إسرائيل من كامل قطاع غزة، على أن يدير القطاع لجنة مكونة من 15 فرداً تكنوقراط من السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وليس بينهم أي فرد من "حماس"، بعدما تم إلغاء فكرة عملية التهجير تماماً. وهناك احتمال وجود عناصر فلسطينية من السلطة لتأمين قطاع غزة، سيتم تدريبهم في مصر وتحت سيطرة الولايات المتحدة. كما سيتم العمل باتفاقية المعابر التي تم توقيعها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على أساس السيطرة الفلسطينية على الجانب الفلسطيني من غزة، ومعها عناصر من الاتحاد الأوروبي.
وتبقى حالياً مشكلة واحدة، وهي نزع سلاح حركة "حماس" الذي يطالب به نيتانياهو ويؤيده بشدة الرئيس ترامب. وأعتقد أنه بعد إعلان الرئيس عباس في رام الله على ضرورة أن تلقي "حماس" سلاحها من أجل سلامة المواطنين في غزة، يمكن في هذه الحالة الموافقة على تحويل "حماس" إلى حزب سياسي. وعلى أي حال، مازالت هذه هي المشكلة الوحيدة. ويبقى الرهان، هل سيوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على الخطة الأمريكية، القائمة بالأساس على الخطة المصرية؟ وفي ظني أن نيتانياهو سيقاوم طلب الرئيس ترامب، وسيُجبر لقبوله، مما سيضطره، حينئذ، لترك منصبه كرئيس للحكومةالإسرائيلية، وهو ما قد يُصعب إنهاء الحرب على أرض غزة.
وفى حال تكللت مهمة الرئيس ترامب بالنجاح في الشرق الأوسط يوم 16 مايو، سيكون قد ضمن نصف جائزة نوبل، ليعود إلى الولايات المتحدة لاستكمال الاتفاق الروسي الأوكراني، ويستعد للاحتفال بتسلم جائزة نوبل في آخر عام، ويتحقق حلمه الذي رآه يوم جنازة الرئيس كارتر.
(الأهرام المصرية)