قد يكون من المبكر معرفة كل الأسلحة الحديثة والتقنيات المتطورة التي استخدمتها إسرائيل في حربها على قطاع غزة، لكن من الثابت أن القطاع كان ولا يزال ميدان اختبار لشتى أنواع التكنولوجيا المتطورة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وفق ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز " مؤخراً.
والثابت أيضاً أنه في تاريخ الحروب الحديثة لم تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي على هذا النحو الواسع النطاق، كما استخدمتها إسرائيل في حربها على غزة، إلى الحد الذي بدأ يثير مخاوف من انتشار هذه التقنية عالمياً. ووفقاً للتقارير، فقد طورت إسرائيل تقنية الذكاء الاصطناعي، التي تشمل أنظمة لتحديد المواقع، وتوجيه الغارات، والتعرف على الوجوه، وتحليل المحتوى العربي بالصوت والصورة، قبل نحو عقد من الزمن، لكنها لم تستخدمها في ساحات القتال من قبل، وإن كانت قد طورت هذه التقنية في منظومات الدفاع الجوي مثل "القبة الحديدية" والمسيرات وغيرها.
وبحسب ما كشفته التقارير، فقد تسارعت عملية تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي بعد هجوم السابع من أكتوبر من خلال الوحدة المعروفة باسم 8200، مستفيدة من خبرات جنود الاحتياط الذين كانوا يعملون في شركات تقنية كبرى مثل غوغل، مايكروسوفت، وميتا. كانت نقطة البداية، وفق الصحيفة، عملية اغتيال القيادي في "حماس" إبراهيم بياري، بعدما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في تعقبه داخل شبكة الأنفاق، حيث لجأت إلى أداة صوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، سمحت بتحديد موقعه التقريبي استناداً إلى تحليلات صوتية لمكالماته، ومن ثم اغتياله بغارة جوية ومعه 125 مدنياً، بحسب منظمة "إيروورز" البريطانية المتخصصة في رصد ضحايا الصراعات.
وخلال الأشهر التالية، واصلت إسرائيل تسريع دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية، لكن هذه التكنولوجيا لم تكن خالية من العيوب، فكثيراً ما أخفقت في برنامجها اللغوي الضخم في فهم المصطلحات العامية، وإعادة صور غير دقيقة مثل "أنابيب" بدلاً من "بنادق" وغيرها، كما تشير التقارير. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو لماذا أخفقت هذه التقنية، حتى الآن، في تحديد مواقع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، وهو الأمر الأكثر إلحاحاً بالنسبة لإسرائيل، رغم ما تدعيه من نجاحات في هذا الميدان، والتزام غير موجود بالقانون الدولي والقواعد الأخلاقية.
ولعل هذا ما دفع مسؤولين أوروبيين وأمريكيين إلى التحذير من أن ما يجري في غزة قد يشكل نموذجاً أولياً لحروب المستقبل، التي تعتمد على خوارزميات يمكن أن تخطئ أو تساء إدارتها، ما يضع حياة المدنيين وشرعية العمليات العسكرية على المحك. هذه ليست نهاية المطاف، إذ ناهيك عن سيل الأسلحة المتطورة التي تتدفق من الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، فقد حولت إسرائيل قطاع غزة إلى حقل تجارب للأسلحة الجديدة، مثل صاروخ "بار" ومسيرات ومدافع ليزيرية وصواريخ تطلق عن الكتف وحتى ناقلات جند تستخدم الأسلحة الذكية وغيرها، وهي كلها تستخدم لأول مرة في قطاع غزة.
(الخليج الإماراتية)