صحافة

قمة بغداد.. وتحديات أفول النظام العربي

محمد السعيد إدريس

المشاركة
قمة بغداد.. وتحديات أفول النظام العربي

تستضيف بغداد يوم السبت (17 مايو/أيار الجاري) القمة الدورية العربية، في وقت تبدو فيه التطلعات متناقضة، أو على الأقل "غير منسجمة". ففي الوقت الذي يأمل فيه العراق أن تكون هذه القمة إعلاناً قوياً لعودته إلى حاضنته العربية، بعد سنوات طويلة من انحسار الدور العربي للعراق قهرياً، منذ كارثة غزوه للكويت (أغسطس/آب 1990)، وبتحديدٍ أكثر، منذ الغزو الأمريكي للعراق وتدميره عام 2003، رغم وجود بعض القيود الداخلية التي تعرقل هذه الاندفاعة العراقية نحو العروبة، لكن، ولسوء الحظ، يجيء هذا التوجه العراقي والعروبة كدعوة وكحركة في أسوأ حالاتها، على نحو ما هو أضحى واقعاً أليماً مفروضاً لضغوط خارجية وصراعات داخلية أدت في مجملها إلى ما يمكن التوافق على وصفه بـ"أفول النظام العربي".

ولعل أبرز ما يؤكد هذا "الأفول" للنظام العربي هو عجز هذا النظام عن فعل شيء، أي شيء له أهميته واعتباره لوقف المقتلة التي تستهدف وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، ابتداء من قطاع غزة وامتداداً إلى الضفة الغربية، ناهيك عن امتداد هذا العجز إلى ما حدث وما يحدث في لبنان ومن ورائه سوريا التي باتت منطقة اختبار للمشروع الإسرائيلي للشرق الأوسط، وبالتحديد إعادة تقسيم وتفكيك سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية على نحو ما يُروَّج من دَعَاوَى إسرائيلية تبرر الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وفرض منطقة جنوب سوريا، ابتداء من جنوب العاصمة السورية دمشق "كمنطقة احتلال"، بـ"ضرورات حماية والدفاع عن الدروز" من قوات الأمن والجيش السوريين.

لم يستطع النظام العربي فرض قرار لوقف القتل والتجويع ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولم يستطع وقف العدوان العقابي الإسرائيلي على لبنان. وحدها الولايات المتحدة هي التي استطاعت ذلك، ولكن تحقيقه من منظور الأمن والمصالح الإسرائيلية، لذلك يقف النظام العربي عاجزاً عن وضع حد لانتهاكات إسرائيل لقراري وقف القتال في قطاع غزة ولبنان، كما يقف عاجزاً عن وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا التي قد تمتد في وقت لاحق إلى العراق عندما تقرر إسرائيل توسيع نفوذها من سوريا إلى العراق.

كما يؤكد أفول النظام العربي تعثره في التصدي للطموحات الإسرائيلية التي تسعى إلى فرض نظام إقليمي شرق أوسطي جديد بهوية إسرائيلية، وعلى أنقاض الهوية العربية التي تستهدف إسرائيل القضاء عليها عبر مشروع تقسيم الدول العربية إلى دويلات عرقية ومذهبية وطائفية تحمل هويات فرعية بديلة للهوية العربية الجامعة.

هذان التحديان إلى جانب سلسلة طويلة من القصور في الأداء وغياب فاعلية الأداء، يفرضان أسئلة وتحديات صعبة أمام قمة بغداد المقبلة، ابتداء من أجندة هذه القمة إلى مقرراتها المنتظرة. فالقمة تواجه تحدي وضع "البنود الشائكة" على أجندتها. ابتداء من الأزمات الساخنة المتأججة حالياً في قطاع غزة ولبنان وسوريا، وامتداداً إلى أزمة السودان، وأزمة العلاقات المغربية – الجزائية، ومن دون تجاهل للأزمتين المتأصلتين في ليبيا واليمن. كما تواجه القمة تحدياً ما يجب ألا يتجاهله البيان الختامي من مواقف وسياسات فاعلة لمواجهة الأزمات.

فهل سيكون في مقدور القمة تحدي خيار "الأفول" الذي يواجه النظام العربي أمام البدائل القوية المنافسة، ووضع نهاية لصيغ "البيانات التقليدية" للقمم العربية التي اعتادت "مناشدة" المجتمع الدولي للتدخل لحل الأزمات العربية، أم أن هذه القمة ستؤكد بأجندتها ومقرراتها حقيقة "أفول النظام العربي"، لتأخذ العرب نحو منطقة رمادية باهتة من المستقبل العربي لمرحلة "ما بعد الأفول"؟

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي انحاز ودعّم بقوة قراره لدعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد، متحدياً القوى الرافضة لهذه الدعوة، أكد في كلمته أمام "منتدى السليمانية" بحضور جمع من المسؤولين الحكوميين والسياسيين (2025/4/15)، أن "العراق يطمح إلى تفعيل دوره العربي والإقليمي من خلال استضافته القمة العربية"، كما أكد أن الحكومة (العراقية) تعمل على إنجاح القمة العربية لبحث قضايا المنطقة المهمة والحساسة، وإيجاد آليات مشتركة بما يتناسب مع دور بغداد الاستراتيجي في المنطقة، وأن العراق "أصبح محطة لصناعة الاستقرار، وهو مستعد لأن يكون شريكاً موثوقاً وعنصراً فاعلاً في تحقيق الاستقرار الإقليمي". هذا يعني أن العراق، وفقاً لتأكيدات رئيس حكومته عازم على "السباحة ضد التيار" فهل يستطيع؟

السؤال مهم، ويثير قضية مهمة باتت تعدُّ أحد معالم النظام العربي، وهي قضية أو مسألة نجاح دول عربية بعينها، في القيام بأدوار ووساطات فاعلة في حل الأزمات الإقليمية والدولية، مثل الوساطات في الأزمة الأوكرانية، وفي العلاقات أو أزمة العلاقات الأمريكية- الإيرانية، وغيرها، على عكس من عجز وفشل الدور الجماعي العربي من خلال النظام العربي ومؤسسته الإقليمية "جامعة الدول العربية" في القيام بوظائف وأدوار مميزة في حل الأزمات وتحقيق نجاحات يعتد بها في تطوير العلاقات العربية – العربية، والعلاقات العربية – الإقليمية والدولية.

فهل يمكن للعراق المتطلع إلى "النجاح" في اختبار القمة المقبلة في بغداد، أن يجعل من هذه القمة انطلاقة لمواجهة تحديات "أفول النظام العربي"؟... هذا هو التحدي الصعب الذي يواجه العراق والقمة العربية معاً.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن