تسعى الادارة السورية الجديدة الى دق كل الابواب وحصد الاهتمام والاحتضان، ولاسيما الاوروبي والاميركي منه، وذلك بعدما حصلت على "الشرعية" من قبل دول الخليج وتركيا. فبعد فرنسا واللقاء الذي جمع بين الرئيسين السوري احمد الشرع ونظيره ايمانويل ماكرون في الاليزيه، تتجه الانظار الى موقف الرئيس دونالد ترامب وما يمكن ان ينتج عن زيارته الى منطقة الشرق الاوسط الاسبوع المقبل، من حلحلة في هذا الملف الذي بقي يراوح مكانه رغم ان دمشق ردت بايجابية مطلقة على الشروط الاميركية.
ويكمن الاهتمام الرسمي السوري بالدور الاميركي انطلاقًا من الهدف الاساسي الكامن برفع العقوبات التي تحاصر دمشق وتمنعها من الانتقال لعملية اعادة الاعمار والحصول على التمويل اللازم للتخفيف من حدة الظروف المعيشية والاجتماعية القاسية التي يرزح تحتها اكثر من 90% من الشعب السوري نتيجة الحرب الطويلة التي استنزفت البلاد والعباد. ومن المعروف ان تركيا والسعودية وقطر، وهم حلفاء استراتيجيين لواشنطن، من بين الدول المشجعة على رفع العقوبات لتثبيت الاستقرار وانجاح المرحلة الانتقالية.
وعليه، يعول كثر على مقاربة اميركية مختلفة بعد زيارة ترامب للمنطقة خاصة ان الملف السوري سيكون الى جانب غيره من القضايا الشائكة على جدول اعمال اللقاءات التي سيعقدها هناك. وفي هذا السياق، كشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن أن الرئيس الشرع أوصل رسالة الى البيت الابيض يطلب فيها عقد اجتماع خلال زيارة ترامب لدول الخليج، مشيرة الى أن رؤيته لإعادة إعمار دمشق تتفوق فيها شركات أميركا والغرب على شركات الصين، حيث تسعى سوريا الجديدة لبناء علاقة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة بعيدًا عن الرؤية الاسرائيلية الرافضة لدعم الاستقرار في سوريا.
الى ذلك، تزداد نقاط التباعد بين واشنطن وتل أبيب، اذ نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مقربين من ترامب تأكيدهم أن العلاقة بين الجانبين وصلت لأدنى مستوياتها، وأضافوا "نتنياهو يتلاعب بنا ولا ينفذ ما اتفقنا عليه ولا يريد المضي قدمًا في توافقات". الموقف نفسه نقلته اذاعة الجيش الاسرائيلي التي تحدثت عن قرار ترامب قطع العلاقات مع نتنياهو حاليًا. وهذه "القطيعة" تأتي نتيجة تراكمات واختلافات في معالجة قضايا المنطقة من الملف الايراني مرورًا بالاتفاق مع "الحوثيين" في اليمن وصولًا الى "الرضى" عن الوجود التركي في سوريا وهو ما يزعج نتنياهو، الذي يجنح نحو التقسيم ونشر الفوضى واعتماد الحلول العسكرية بينما يريد ترامب انجاز الصفقات وانهاء الحروب.
وفي الاطار عينه، عكست مباحثات رفيعة المستوى بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تطابقاً في موقفي بغداد وأنقرة تجاه قضايا الأمن والتعاون في مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية، خصوصًا مع وجود مخاوف حقيقية من عودة تنظيم "داعش". وقد أكد الجانبان اهمية دعم عملية الاستقرار في سوريا وذلك خلال الاجتماع الرابع لمجلس التعاون الاستراتيجي الذي عُقد في العاصمة التركية أنقرة. ومن هنا يمكن القول ان المشهد السوري وتشابكاته سيطغى على غيره من الملفات انطلاقًا من وجود رغبة خليجية - أوروبية - تركية بدعم المرحلة الانتقالية الراهنة وكلٌ من اجل تحقيق مصالح وغايات معينة ستبلورها الظروف المستقبلية.
المستجدات السورية تزامنت مع تفاقم ازمة الجوع في قطاع غزة بعد اغلاق عشرات المطابخ الخيرية وتوقفها رسميًا عن العمل نتيجة نفاذ الامدادات بسبب الحصار القاسي الذي تفرضه اسرائيل على القطاع والذي تسبب ايضًا بغلاء فاحش في اسعار المواد الموجودة في الاسواق بشكل يفوق قدرة غالبية السكان على شرائها. بدورها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن التوصل إلى حلّ لإيصال المساعدات الغذائية "على بُعد خطوات"، لافتة الى أن "إعلاناً سيصدر قريباً"، لكنها لم تقدم اي تفاصيل بشأن الخطة. ومع استمرار التنديد والشجب الدولي والاممي للخطط الاسرائيلية وجرائم الابادة في القطاع، كثفت القوات الاسرائيلية عملياتها العسكرية التي حصدت 105 أشخاص، على الأقل، خلال الساعات الـ24 الماضية، في واحدة من أكبر محصلة للشهداء في يوم واحد خلال شهرين. أما سياسيًا، فقد بحث ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الامير فيصل بن فرحان مع نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ تطورات الأوضاع وسبل تعزيز العمل المشترك وتنسيق المواقف.
في غضون ذلك، نقلت شبكة "إن بي سي نيوز" عن مسؤولين أميركيين أن حجم خسائر الولايات المتحدة في العمليات التي شنتها ضد الحوثيين في اليمن، والتي انتهت بإبرام اتفاق "فجائي" بوساطة عُمانية، تُقدر بأكثر من مليار دولار منذ شهر آذار/ مارس الماضي. وتشمل تلك التكلفة آلاف القنابل والصواريخ المستخدمة في الضربات، إلى جانب إسقاط سبع طائرات مُسيّرة وسقوط طائرتين مقاتلتين في البحر. في وقت خرج زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي ليؤكد ان جماعته "لم تترج الولايات المتحدة لوقف غاراتها على اليمن" كما أعلن الرئيس ترامب، جازمًا استعداد الجماعة للتصعيد في أي وقت. وأكد أن الأميركيين لم يتمكنوا أبدًا من وقف عمليات الحوثيين ولا من تدمير قدراتهم ولا دفعهم للتراجع عن موقفهم الداعم لفلسطين.
أما في الشأن الايراني، فقد ارتفعت وتيرة التهديدات الاسرائيلية حيث توعد وزير الدفاع يسرائيل كاتس، أمس، إيران بمصير مماثل لـ"حماس" في غزة، مشددًا على "إنهاء أسلوب الحرب بالوكالة". فبعد الهدنة الاميركية في البحر الاحمر، وجدت اسرائيل نفسها وحيدة في محاربة الحوثيين وبعيدة عن الاتفاق المبرم ما فجر حالة من التوتر والغضب وتزايد الضغوط على نتنياهو من اجل ضرب ايران، التي تتهمها تل أبيب بأنها تقف خلف صواريخ الحوثيين المنهمرة عليها واخرها الصاروخ الذي سقط في مطار بن غوريون الأحد الماضي. في حين من المتوقع عقد الجولة الرابعة من المباحثات الايرانية - الاميركية التي ترفض طهران التنبؤ بمصيرها، ولكنها تؤكد اهمية ان تجري "في أجواء متكافئة وخالية من الإملاءات"، كما جاء على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان.
الاعتداءات والتهديدات الاسرائيلية لا تتوقف عند اليمن وايران، بل تمتد الى لبنان الذي شهد أمس، الخميس، تصعيدًا اسرائيليًا أعاد أجواء الحرب الى جنوب لبنان بعد استهداف قوات الاحتلال منطقة النبطية بسلسلة واسعة من الغارات المكثفة، بذريعة قصف "موقع بنية تحتية يستخدمه "حزب الله" في إدارة منظومته لإطلاق النار والدفاع". وبدا هذا التصعيد الخطير أشبه برسالة عسكرية، خصوصًا لجهة استخدام الجيش الإسرائيلي قنابل خارقة للتحصينات شمال الليطاني، لم يسبق أن استخدمها في لبنان الا في عمليتي اغتيال الأمينين العامين لـ"حزب الله" الأسبق حسن نصر الله والسابق هاشم صفي الدين.
دوليًا، لا تزال العمليات العسكرية بين الهند وباكستان ترخي بظلالها وسط مخاوف حقيقية من انزلاق البلدين النوويين نحو مواجهة مسلّحة واسعة. الى ذلك، دخلت الولايات المتحدة على خط التهدئة حيث حث وزير الخارجية ماركو روبيو، البلدين على ضبط النفس وخفض التصعيد. وأعرب في مكالمتين منفصلتين مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ووزير الخارجية الهندي سوبرامنيام جايشانكار، أمس، عن دعمه للحوار. الامر نفسه سارعت اليه طهران التي اوفدت وزير خارجيتها عباس عراقجي الى الهند لتحريك جهود نزع فتيل الازمة واعادة الهدوء.
على المقلب الأخر، تصاعد الدخان الابيض من الفاتيكان مبشرًا بانتخاب بابا جديد خلفاً للراحل فرنسيس الذي وافته المنية بعد صراع مع المرض. وتعالت صحيات الاحتفالات بتعيين الكاردينال الاميركي فرنسيس روبرت بريفوست (الذي سيحمل اسم ليو الرابع عشر)، ليكون أول أميركي يشغل هذا المنصب. وقال البابا من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان في أول كلمة علنية له بعد انتخابه لمنصب البابا "السلام عليكم جميعا".
وفي جولة الصحف العربية الصباحية ليوم الجمعة نرصد أبرز ما ورد في العناوين والافتتاحيات:
كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "لقد تفتت قوى "حماس" و "حزب الله" وتدمرت الآلة العسكرية اللبنانية والسورية على حد سواء، ومع ذلك يستمر الحوثيون المنشقون عن الحكومة الشرعية اليمنية بممارسة المزيد والمزيد من الاستفزازات، والتي لن تنعكس نتائجها إلا على الشعب اليمني نفسه". وخلصت الى القول "إن الصراع مع إسرائيل يعني ضمنًا الصراع مع الولايات المتحدة بسبب دعمها المنقطع النظير لها، والمجازفة في الصراعات العسكرية قد تكون وبالاً وتتسبب في قتل وتشريد الشعوب، فما هي المقدرات الاقتصادية والعسكرية التي يمتلكها الحوثيون لمواجهة الدول العظمى؟!".
وعن زيارة الرئيس الاميركي المتوقعة، اشارت صحيفة "الرياض" السعودية الى أن "اختيار ترامب المملكة محطة أولى في زياراته الخارجية للمرة الثانية تأكيد لمكانة المملكة في المجتمع الدولي، وثقلها السياسي والاقتصادي كزعيمة للعالم الإسلامي"، مشددة على ان "الزيارة تعزز من التعاون الشامل في كافة المجالات التي تربط بين البلدين، وتعطينا دلالات عدة على الدور المحوري الذي تقوم به المملكة ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، وإنما على الصعيد الدولي؛ كونها شريكاً موثوقاً يعمل من أجل إرساء الأمن والسلام، ويسعى إلى التنمية المستدامة ليس ضمن حدودها فقط، وإنما لتشمل الإقليم".
من جانبها، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "تخمينات عدة تدور حول إعلان ترامب المرتقب، ما بين المتفائلين والمتشائمين". وقالت "المتفائلون يتمنون أن يتضمن إعلان ترامب وقف الحرب فى غزة وادخال المساعدات إليها فيما المتشائمون لا يجدون في ترامب خيراً، وأنه ربما يحاول تجميل خطته بشأن إعمار غزة، والدمج بين الخطة العربية لإعادة إعمار غزة وخطته لتهجير السكان، ووضع تصور غير قابل عملياً للتنفيذ لكنه مجرد كلام فضفاض، وصيغ مطاطية، ووقف مؤقت للحرب في غزة، من أجل تمرير زيارته للمنطقة في هدوء".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية فاعتبرت أن "الأهداف مشتركة من الانفتاح العربي وبشكل خاص الخليجي على لبنان وسوريا، فالبلدان معبر الغرب الى الشرق وبالعكس، واستقرارهما حاجة إقليمية ودولية يسهم بوقف الحروب القائمة في المنطقة، واستقرار الوضع السوري يساهم في استقرار الوضع اللبناني". واضافت "لكن تبقى السرعة في إنجاز ما تم التفاهم عليه في السعودية بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري وتشكيل اللجان الوزارية لمتابعة معالجة المواضيع والملفات العالقة، عاملاً مهماً في تثبيت الاستقرار وعودة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها عبر مؤسساتهما الرسمية".
الى ذلك، تحدثت صحيفة "القدس العربي" عن أن "ربان السفينة في سوريا الجديدة يحاولون، بوضوح، بلورة مزيد من السعي الدبلوماسي مستفيدين من التوقيت المناسب لزيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط"، معتبرة ان "هذه الأحداث تشير إلى توجّه استراتيجي لدى السلطات السورية الجديدة يناقض بشكل جذري استراتيجيات نظام الأسد، وإلى إرادة براغماتية كبيرة لتجاوز العوائق الأيديولوجية المكرّسة حول تاريخ فصائلها الجهادي، وإلى إدراك واضح أن أخطار الداخل متراكبة بشكل كبير مع أخطار الخارج".
(رصد "عروبة 22")