صحافة

إسرائيل وتحديات وقف الضربات الأميركية على "الحوثيين"

طارق فهمي

المشاركة
إسرائيل وتحديات وقف الضربات الأميركية على

تشير كل المصادر الإسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية فوجئت بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف شن ضربات على "الحوثيين"، وأنه لم يشر إلى موقف الجماعة من استهداف إسرائيل، أو استمرار الضربات "الحوثية" على إسرائيل، أو الرد الإسرائيلي المحتمل.

مبدئياً، تسعى الإدارة الأميركية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة مع زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج في 13- 15 مايو الجاري، والتأكيد على انتهاء الخطر "الحوثي"، وعودة الهدوء إلى البحر الأحمر، ومنطقة الخليج باعتباره مطلباً خليجياً، وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاق، فالاتفاق يكشف عن اتساع الفجوة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويظهر تحوّلاً نسبياً في الموقف الأميركي من النزاع بين إسرائيل و"الحوثيين"، كما يؤكد الاتفاق أن ترامب ليس خاضعاً لنتنياهو، وأنه يضع الحسابات الأميركية الداخلية نصب عينيه، وهو يتعامل مع ملفات المنطقة وحتى الوقت الراهن من غير الواضح أن الإدارة الأميركية ستشمل إسرائيل في سياق الاتفاق مع الجماعة "الحوثية"، ما يشير إلى أن الاتفاق أميركي في الأساس.

في هذا الاطار، يسعى الرئيس ترامب لتخفيف الأعباء المالية، والإنفاق على الضربات، خاصة أن الاقتصاد الأميركي يعاني في الوقت الراهن تداعيات، وإرث الإدارة الأميركية السابقة خاصة، وأن استمرار الحرب معناه مزيد من تعرض المصالح الأميركية للخطر، كما أن الرئيس الأميركي ترامب يحظى بدعم تيار "ماجا"، الذي يتبنى العزلة التامة في السياسة الخارجية، والخروج من النزاعات في الشرق الأوسط لتقليل التكلفة الاقتصادية لذلك، فإن هذا الاتفاق يظهر أن ترامب لا يتجاهل الحسابات الداخلية، وهو يتعامل مع نتنياهو الذي يحاول بوضوح توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران، خصوصاً وأنه تزامن مع تصعيد إسرائيلي كبير ضد "الحوثيين". وفي ظل وجود قناعة للرئيس ترامب بتقليل النزاعات والتوترات في المناطق المشتعلة.

ولا شك أن هناك مخططاً أميركياً بضرورة استثمار الوضع الراهن للمفاوضات مع الجانب الإيراني، ورغم أنها ما تزال مستمرة، ولم تصل بعد لإطار مكتوب أو محدد، إلا أن التوصل لاتفاق مبدئي مع الجماعة "الحوثية" بوقف الهجمات معناه التسريع بالتوصل لاتفاق مع إيران، واعتبار خطوة وقف الاستهدافات بين الإدارة الأميركية والجماعة الحوثية مقدمة وخطوة نحو التوصل لاتفاق مع إيران(الانتقال من الجزئي/ الجماعة الحوثية إلى الكلي/ إيران يدفع بهذا التصور).

في السياق الراهن والمحتمل سيؤثر الاتفاق بين الولايات المتحدة والجماعة "الحوثية" على إسرائيل من أمور عدة، فقد تسعى الإدارة الأميركية لتضمين إسرائيل في الاتفاق، والتأكيد أن إسرائيل مشمولة في إطاره، ما سيوقف أي تهديد او استهداف صاروخي لمنشآت مدنية أو عسكرية داخل إسرائيل، مع التوقع بأن توقف الجماعة "الحوثية" ضرباتها الصاروخية مع تفكيك المسار مع قطاع غزة بالفعل، ما قد يمثل أهمية مؤقتة لإسرائيل، مع التأكيد أن هذا الاتفاق مربح للطرفين بالنسبة للولايات المتحدة/ الجماعة "الحوثية"، وأن كل طرف من الأطراف له أهدافه من تبني موقف التهدئة.

وفي ضوء وجود تجاذبات كبرى في إسرائيل من تأثيرات الاتفاق على أمن إسرائيل القومي، ومدى بقاء القدرات الصاروخية للجماعة "الحوثية" قائمة برغم ما تعرض له اليمن من ضربات موجعة، واستهداف البنية الأساسية من موانئ وطرق وممرات ومقرات أمنية ومدنية. ولاشك أن هناك تخوفاً إسرائيلياً حقيقياً من أن هذا الاتفاق مع الجماعة "الحوثية"، سيكون مقدمة للاتفاق مع إيران، ما قد يؤدي لتبعات أخطر، الأمر الذي يتطلب استعداداً إسرائيلياً للتعامل مع التطورات الأميركية الإيرانية، وهو الأهم لإسرائيل خاصة في ظل احتمالات توصل إيران لمرحلة العتبة النووية، خلال الفترة المقبلة، وسيتطلب توجهاً إسرائيلياً تجاه الإدارة الأميركية لتقليل تبعات أي اتفاق أميركي إيراني على إسرائيل..

إن ما سيجري بين إيران والولايات المتحدة الأميركية من جانب، والجماعة "الحوثية" والولايات المتحدة من تطورات (أي كان توصيفها) سيكون له تبعاته الكبرى على إسرائيل بصرف النظر عما يمكن أن تجنيه إسرائيل من مكاسب بوقف المواجهات مع الجماعة "الحوثية"، وتخليها التدريجي عن دعم المقاومة الفلسطينية إذ إن خطر الجماعة "الحوثية" سيظل قائماً في امتلاكها قدرات صاروخية قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي.

ستظل هناك تخوفات كبرى لدى الحكومة الإسرائيلية في تخليها، ولو التكتيكي عن الالتزام الأميركي بأمنها وبرغم توافر الدفاعات الأميركية والبريطانية لأجواء إسرائيل، إلا أن الإشكالية الكبيرة تكمن في التعامل مع إيران، ولهذا فإن ما يطرح في المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل قد يكون صحيحاً بالتأكيد على أن إسرائيل وليست الولايات المتحدة، هي من تدافع عن أمنها القومي في مواجهة أية تهديدات، وإنْ كان من المهم التأكيد على أن إسرائيل لن تقوم بعمل عسكري في ظل أي تطورات محتملة على إيران من دون دعم عسكري أميركي لإتمام أي ضربة على المنشآت الإيرانية.

ويبدو أن هذا أمر مستبعد في التوقيت الراهن في ظل المشهد الراهن بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، كما أن توقيع الاتفاق لا يعني تباينات كبرى بين الأميركيين والإسرائيليين، لأن المصلحة الأمنية الإسرائيلية لا تزال تمثل أولوية أميركية، لكنها تعكس طريقة مختلفة في التعامل السياسي والدبلوماسي.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن