صحافة

"المشهد اليوم"…ايران تسعى "للتقارب" مع الخليج وغزّة بإنتظار ترامبلبنان "يحارب" طرق "حزب الله" للتهريب وترحيب دولي بقرار وقف النار بين باكستان والهند

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال مباحثاته مع نظيره الايراني عباس عراقجي السبت (واس)

بدت جولة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والتي شملت المملكة العربية السعودية وقطر، محل رصد ومتابعة لأنها تأتي في وقت شديد الحساسية والتعقيد وذلك مع اعادة انطلاق جولة المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن برعاية عُمانية بعد تعليقها "لفترة قصيرة"، كما تستبق الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى المنطقة بين 13 و16 أيار/مايو الجاري، ما يعني عمليًا وجود مساعي حقيقية لتذليل العقبات والتقليل من حدة التوترات والصراعات المحتدمة في أكثر من دولة.

ويعكس "التقارب المستجد" في العلاقات التي تجمع بين الدول الخليجية وايران قراءة مختلفة عما ساد في السنوات الماضية، لانه يظهر أن "التوافق" يمكن ان يكون له انعكاسات ايجابية على العلاقات بين الدول لاسيما ان طهران تنتهج سياسة اكثر مرونة في التعامل مع الدول الخليجية في إطار مساعيها لايجاد بيئة حاضنة لها بعد احداث 7 أكتوبر وما تلاها من تطورات في المشهد اللبناني والسوري واليمني استهدفت بشكل خاص اذرع طهران ودورها في المنطقة لجهة تحجيمها وتقليص نفوذها الذي تباهت فيه لسنوات طويلة وادى حينها الى زيادة الشرخ والهوة بينها وبين محيطها العربي عمومًا والخليجي خصوصًا.

هذا دون ان ننكر أيضًا التغيرات التي طرأت على موقف دول الخليج التي أصبحت اكثر قناعة بأهمية "تنظيم" العلاقات مع ايران لما لها من تداعيات وتقبلها لفكرة اتفاق نووي جديد يمكن ان يُعقد بين واشنطن وطهران لاسيما ان ترامب يبدو حاسمًا وحازمًا في تخطي بعد "العراقيل" التفصيلية، وهو ما ستعكسه معطيات الجولة الرابعة من المفاوضات. الى ذلك، تأمل دول الخليج من زيادة الضغط الاميركي على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفعه نحو وقف الحرب على غزة وارساء هدنة فورًا مقابل اطلاق سراح الاسرى وادخال المساعدات المتوقفة منذ أكثر من شهرين.

عليه، يبدو ان ايران تجنح حاليًا نحو اعادة تموضعها اقليميًا وابراز حسن نواياها عبر مناقشة القضايا الإقليمية والسعي لايجاد حلول عملية وديناميكية لها عبر الحوار، وليس عبر المواجهة أو التصعيد الذي كان اساس سياستها الخارجية في ما مضى. فالتغيرات الحاصلة في المنطقة ألزمت طهران انتهاج سياسة جديدة تقوم على التشاور. وفي السياق، جدد الوزير عراقجي، في افتتاح مؤتمر الحوار العربي الإيراني في العاصمة القطرية الدوحة، على مبادىء بلاده الرافضة لان يكون الحوار مع "الولايات المتحدة هدفه حرماننا من حقوقنا النووية لأننا لن نتنازل أبدًا عنها". كما شدد، في الوقت نفسه، على أنه لا يمكن السماح لإسرائيل بحيازة ترسانة نووية.

وجاءت تصريحات عراقجي قبل يوم من جولة أخرى من المحادثات النووية المقررة بين إيران والولايات المتحدة اليوم، الأحد، في عُمان. ومن المتوقع أن يناقش الجانبان إطارًا عامًا للمضي قدمًا، وفقًا لما أوردته شبكة "سي إن إن"، على الرغم من ان "الخطوط الحمر" التي ترفعها طهران وواشنطن هي نفسها لم يطرأ عليها اي تبدلات او تغيرات تشي بإمكانية اعتماد "الليونة" في المواقف. هذا وكان المبعوث الأميركي الخاص للشرق الاوسط، ستيف ويتكوف، قد حذَّر من أنه إذا لم تكن المحادثات مع إيران مثمرة، "فلن تستمر، وسنضطر إلى اتخاذ مسار مختلف". وقال "لا يمكن أن يوجد برنامج تخصيب داخل إيران مجدداً. هذا هو خطنا الأحمر. لا تخصيب. وهذا يعني التفكيك، وعدم التسلح، ويعني أن منشآت (نطنز)، و(فوردو)، و(أصفهان)، وهي المنشآت الثلاث الخاصة بالتخصيب، يجب أن تُفكَّك".

ومن الجولة الايرانية والمباحثات في الرياض والدوحة الى تفاقم الجوع في غزة حيث أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن القطاع يشهد موجة موت صامت يحصد أعدادًا متزايدة من أرواح كبار السن والأطفال، لافتًا الى أن 14 مسنًا قضوا خلال أسبوع جراء سياسة التجويع الحاصلة. من جهته، أوضح مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن 70% من السكان موجودون الآن في مناطق عسكرية إسرائيلية أو تحت أوامر بالنزوح أو كليهما. وحتى الساعة، لم تفلح كل الدعوات الدولية والمناشدات الاممية بتخفيف الحصار وفتح المعابر لان اسرائيل تصر على الربط بين ادخال المساعدات واتمام صفقة مع حركة "حماس" تعيد الاسرى المحتجزين لديها.

وتبدي الحركة استعدادها لاطلاق سراح الرهائن دفعة واحدة مقابل وقف طويل الامد للنار في غزة وهو ما ترفضه اسرائيل التي تصر على "هدنة مؤقتة" يُعاد بعدها استئناف الحرب. ولا تبدو حكومة نتنياهو في وراد التراجع عن مخططاتها، والتي اعترف بها رئيس الوزراء الإسرائيلي في "فورة غضب" حين قال، في معرض رده على ضباط انتقدوا سياقات الحرب الجارية، "إن التدمير في غزة لم يأتِ ردّ فعل على عمليات "الإرهاب" الفلسطيني، بل هو ضمن مخطط مدروس يهدف إلى تهجير أهل القطاع". بالتزامن تظاهر آلاف الإسرائيليين مساء أمس، السبت، وسط تل أبيب للمطالبة بانهاء الحرب فورًا ورفض خطط توسيع العملية العسكرية، بينما وصفت عائلات الأسرى نتنياهو بأنه "العدو الحقيقي لإسرائيل وليس حركة "حماس".

وتتخوف العائلات من فقدان الاسرى "الاحياء" حياتهم جراء التصعيد العسكري خاصة ان الفيديوهات التي تنشرها الفصائل الفلسطينية للرهائن توحي بحالات نفسية وظروف صعبة يعانون منها واخرها الفيديو الذي نشرته "كتائب القسام" والذي وجه فيه أحد الأسرى انتقادات لاذعة لسارة نتنياهو (زوجة رئيس الوزراء)، متطرقًا للاوضاع التي يعيشونها جراء قلة المياه والطعام واستمرار الضربات العسكرية. في غضون ذلك، لا تتوقف مساعي الوسطاء من اجل وقف الحرب الدموية وايجاد حلول عملية، ولكن الوقائع، حتى اللحظة، لا توحي بإمكانية اي تقارب الا في حال تدخل اميركي جدي وضغوط يمكن ان يمارسها ترامب على نتنياهو خاصة بعدما عبّر عن إحباطه من عدم التوصل لاتفاق، قائلاً إنه من الصعب التوصل إلى حل لأنهم "يتقاتلون منذ ألف عام".

أما في سوريا، فقد أعلنت وزارة الداخلية السورية عن انتشار عناصرها على مدخل محافظة السويداء جنوبي البلاد، تنفيذا لاتفاق جرى توقيعه قبل أسبوع بين الحكومة ووجهاء المحافظة، على خلفية توترات أمنية شهدتها منطقتا جرمانا وصحنايا ذات الاغلبية الدرزية. وتجهد الادارة السورية الجديدة لمنع تفاقم الاوضاع الداخلية والانصراف نحو تثبيت الامن واعادة الاستقرار كمدخل لاستعادة ثقة الخارج بها وبالتالي تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يرزح تحتها المواطن السوري جراء الحرب التي عصفت بالبلاد. في حين واصلت اسرائيل اعتداءاتها وذلك بعدما توغلت قوة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي داخل قرية صيدا الحانوت في القطاع الجنوبي من محافظة القنيطرة، في خطوة تُعدّ من أكبر التحركات الميدانية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية خلال الأشهر الأخيرة.

لبنانيًا، كرر الرئيس جوزاف عون، قبيل زيارة رسمية يبدأها اليوم الى دولة الكويت، الموقف المعُلن لجهة أن "الدولة موجودة في كل لبنان وقرار حصر السلاح اتخذ ويبقى موضوع كيفية التنفيذ"، مشدّدًا على أن "تحل بالتشاور ولا نريد أي صراع عسكري". بدورها، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين أمنيين وعسكريين لبنانيين كبار أنه تم "فصل" العشرات من موظفي مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت للاشتباه في انتمائهم لـ"حزب الله"، كما تم إحباط محاولة تهريب أكثر من 22 كيلوغرامًا من الذهب للحزب عبر المطار. ويحاول الحزب، الذي يجد نفسه محاصرًا، تمويل التزاماته ونشاطاته بعد فقدانه "الشريان الحيوي" لتهريب الأسلحة الرئيسية، التي كانت تمتد من إيران عبر سوريا، بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الاول/ ديسمبر الماضي.

على المقلب الدولي، نجحت الوساطات والتدخلات الدولية الرفيعة المستوى بوقف الحرب بين باكستان والهند بعد 4 أيام من المواجهات المسلحة الدامية. وأكد وزير الخارجية الباكستاني إسحق دار أن إسلام آباد ونيودلهي وافقتا على "وقف إطلاق نار بمفعول فوري". أما على الجانب الهندي، فقد أوضح مصدر حكومي في نيودلهي أنّه تم التوصل إلى الاتفاق بعد تفاوض مباشر بين البلدين، مشيراً إلى أنهما لم يُخطّطا لمناقشة أي شيء آخر غير وقف إطلاق النار، ما يعني ان الامور الاخرى لا تزال عالقة لاسيما ما يتعلق بمعاهدة مياه نهر السند. وتوالت ردود الفعل العربية والدولية المرحبة بالقرار حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن أمله في أن يقود وقف إطلاق النار إلى "سلام دائم".

وبما يتعلق بالحرب الاوكرانية، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا يوم 15 أيار/مايو الحالي في العاصمة التركية إسطنبول، موضحًا أن بلاده "لم ترفض أبدا الحوار مع كييف، ولكننا نرغب في إجراء محادثات جادة ومباشرة ودون شروط مسبقة". من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده تتشاور مع شركائها بشأن إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا لدعمها في الصراع مع روسيا، دون أن يوضح آلية وماهية هذا الانتشار العسكري. يُشار الى أن ماكرون انضم إلى زعماء بريطانيا وألمانيا وبولندا في زيارة إلى كييف، يوم أمس، أجروا خلالها مكالمة هاتفية مع ترامب وأيدوا فيها الخطة الأميركية الداعية لوقف إطلاق النار دون شروط.

ونرصد في جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:

رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "الموقف الأمريكي حاسم في الأزمات الدولية الكبرى، ومنها القضية الفلسطينية، التي سيبقى مصيرها معلقًا على واشنطن، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على فرض الحلول، خصوصاً على إسرائيل". واضافت "إقامة الدولة الفلسطينية مفتاح السلام في المنطقة، وفي حال اعترف ترامب بها، فسيمنح الولايات المتحدة قيمة مضافة ويوفر ضمانة تمتد عشرات السنين لمصالحها وشراكاتها مع دول الإقليم. أما اذا تعذر ذلك، فسيعني مزيداً من التوتر والحروب في المستقبل، ولن تعرف إسرائيل الأمن الذي تتوهمه بقتل الشعب الفلسطيني وتهجيره".

من جانبها، تطرقت صحيفة "الوطن" القطرية الى أهمية انعقاد مؤتمر "الحوار العربي الإيراني" الذي يسعى "لتذليل العقبات في العلاقات الإقليمية، والتأكيد على أهمية الحوار في صياغة رؤى جديدة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل"، مشيرة الى انه ينعقد "في ظل ظروف إقليمية معقدة وتحولات كبرى، سواء بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا، أو بسبب المفاوضات التي انطلقت منذ فترة بين أميركا وإيران، حيث تنعقد الآمال على التوصل إلى حل من شأنه نزع فتيل التوتر الحالي، وبدء صفحة جديدة في العلاقات".

صحيفة "الرياض" السعودية، بدورها، أكدت أن "المشهد الاقتصادي السعودي يستعد هذا الأسبوع بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي لاستقبال حدث استثنائي يتمثل في منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي، الذي يُتوقع أن يكون محطة مهمة في مسار الشراكة الاستراتيجية"، موضحة أنه "وبالنظر إلى ما سيتم طرحه من موضوعات تتناول قطاعات الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والصناعات الدفاعية، والخدمات الصحية، فإن ما يلفت النظر هو التركيز المشترك على بناء تحالفات استثمارية عميقة تتمحور على تبادل المعرفة وتعزيز الابتكار وتكامل سلاسل الإمداد".

في اطار اخر، نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصادر متابعة، تأكيدها أنه "لا جدوى للبنان من انتظار مسار التفاوض الإيراني - الأميركي، لأن إيران ستكون مجبرة على تقديم التنازلات الكاملة التي تطالب بها الولايات المتحدة، بما فيها التخلي عن حلفائها أو أذرعها في المنطقة"، لافتة الى ان الضربة الإسرائيلية الاخيرة على مدينة النبطية حملت رسالة واضحة، بأنه في حال لم تقدم الدولة اللبنانية على تفكيك بنية "حزب الله" العسكرية شمال نهر الليطاني، فإن إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية وقد تصعّدها أكثر".

وكتبت صحيفة "عُمان" العُمانية "العالم العربي اليوم أبعد ما يكون عن تشكيل رؤية جماعية أو بناء موقف موحد تجاه التحولات الدولية. وتعيش المنطقة العربية منذ سقوط النظام الإقليمي العربي بعد الغزو الأمريكي للعراق حالة تفكك مستمرة يمكن قراءتها من عمق التدخلات الإقليمية في الشأن العربي من أطراف غير عربية". وتابعت "لن يكون العرب مجرد ضحايا لتاريخ لا يشاركون في كتابته، بل سيكونون شهودا صامتين على ولادة عالم لا يعترف بوجودهم؛ فأن تفوتك فرصة المساهمة في تشكيل النظام الجديد، هذا يعني أنك تفقد لاحقا حتى حق التظلم من ملامحه ومبادئه وقيمه".

على المقلب الاخر، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "زيارة الرئيس الصيني شى جين بينج لروسيا، كتبت الأسطر الأخيرة في التقارب الروسي الأمريكي، فالزيارة لم تكن عادية، ليس لطول فترتها ولقاءاتها فقط، بل تخللها الكثير من الاتفاقيات التى تزيد متانة العلاقات الروسية الصينية، الصلبة أصلًا". وقالت "إن ما شهدته موسكو من لقاءات واتفاقيات جديدة مع الصين، كان دليلا لا يقبل الشك بأن العلاقات بينهما لا يمكن الرهان على إضعافها، وأنهما سيواصلان معا العمل على تحقيق الهدف المشترك، وهو إنهاء الهيمنة الأحادية القطب، وإنتاج واقع دولي جديد يقوم على التعددية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن