منذ زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في إبريل/نيسان الماضي إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، توالت التكهنات حول نتائج الزيارة التي وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ"المحبطة"، واعتبرت مؤشراً على بداية توتر في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن نتنياهو كان أول زعيم أجنبي يستقبله ترامب في البيت الأبيض بعد إطلاق حربه التجارية، إلا أن نتنياهو عاد بخفي حنين، ولم يحقق أي تقدم في الملفات الثلاثة التي كانت على جدول المباحثات، وهي الرسوم الجمركية والملف الإيراني وملف غزة، وكان ذلك أول مؤشر على وجود تباين في المواقف الأمريكية الإسرائيلية.
لكن ينبغي الإشارة إلى أن ترامب قدم دعماً لإسرائيل لم يقدمه أي رئيس أمريكي آخر في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، غير أنه، بالمقابل، كان يأمل استجابة إسرائيلية تساعده في المضي قدماً في مشروعه السياسي عبر تسويات إقليمية وترسيخ استراتيجية بعيدة المدى تضمن مصالح الولايات المتحدة واستقرار المنطقة وازدهارها. وبدلاً من ذلك، وصلت الغطرسة الإسرائيلية إلى حد التدخل في الشأن الأمريكي الداخلي، ما فاقم التوتر وانعكس على العلاقات الشخصية بين الجانبين، وبالتالي أثار غضب ترامب ودفعه إلى قطع الاتصال مع نتنياهو، وعدم إدراج إسرائيل في برنامج زيارته إلى المنطقة.
قد تكون محاولة نتنياهو إقناع مستشار الأمن الأمريكي المقال مايك والتز بالدفع نحو اتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران، واتصاله ببعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين للغرض ذاته هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير، إذ تشير التقارير إلى أن مقربين من ترامب أبلغوا وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بأن "ترامب لا يكره أكثر من أن يظهر كشخص يتم التلاعب به". لكن سبق ذلك إشارات كثيرة تدل على التباعد بين الجانبين، منها الاتصال الأمريكي المباشر مع حركة "حماس" بشأن الرهائن، ما تسبب في انزعاج إسرائيلي كان واضحاً للعيان.
ثم توالت المفاجآت بفتح مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي على عكس ما كان يشتهي نتنياهو. ثم جاء الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين من دون علم تل أبيب أو التنسيق معها، لا بل إن الاتفاق لم يشمل وقف هجمات الحوثيين على إسرائيل. كما أن الوضع في غزة أظهر تبايناً آخر في المواقف الأمريكية الإسرائيلية، إذ بينما ترغب واشنطن في إبرام صفقة شاملة لإطلاق سراح الرهائن وإدخال المساعدات وإنهاء الحرب، ذهبت إسرائيل إلى التصعيد وحشد قواتها لعملية عسكرية شاملة رأت فيها واشنطن تهديداً جدياً لحياة الرهائن وضرباً للاستقرار الإقليمي.
هذه العوامل كلها لم تكن وليدة الصدفة، بقدر ما كانت تعكس إحباطاً أمريكياً دفع واشنطن إلى التحرك في المنطقة بصورة منفردة وفقاً لمصالحها، من دون أن يعني ذلك تخلياً أمريكياً عن إسرائيل، لكنه يشي بمزيد من الضغوط على تل أبيب لدفعها للاستجابة للمصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم.
(الخليج الإماراتية)