اتفاق "وقف النار": هل فشلت واشنطن أم استسلم الحوثيون؟!

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

إلى ما قبل وصول الصاروخ الذي أطلقه الحوثيّون إلى باحة مطار بن غوريون، كان الحديث عن فاعليّة الضربات الأميركية على الحوثيين وتأثيرها في قدراتهم موضع سجالٍ، خصوصًا أنّ الجماعة تفرض تعتيمًا إعلاميًا مُطلقًا على خسائرها.

اتفاق

الاتفاق الشفهيّ على وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين لم يُبيّن هل فشلت واشنطن أم استسلم الحوثيّون، واكتفى الوسيط العُماني بالتأكيد على أنّه يضمن وقف الضربات الأميركية اليوميّة على مواقع ومخابِئ الحوثيين الذين التزموا من جهتهم بوقف هجماتهم على السفن الأميركية في البحر الأحمر.

ومع فشل منظومة الدفاع الجوي الاسرائيلية والقبّة الحديدية في اعتراض الصاروخ الذي سقط في باحة مطار تل ابيب الرئيسيّة، زادت الأسئلة عن فاعليّة الضربات الأميركية، وزاد الغموض معها، وأثيرت الكثير من الاسئلة وبقيت من دون أجوبة حتّى الآن، وهل فعلًا كان الاتفاق حصيلة عجز أقوى جيشٍ في العالم عن تدمير القدرة الصاروخيّة لجماعةٍ مسلحةٍ في بلدٍ مزّقه صراع مستمرّ منذ عشرة أعوام؟ أم أنّ الحوثيين فعلًا استسلموا كما ذكر ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟.

مُسارعة الحوثيين إلى نفي ما جاء على لسان الرئيس الأميركي من أنّهم استسلموا، كان متوقعًا، غير أنّ هذا النّفي لم يكشف غموض ما جرى خلف الكواليس منذ أسابيع عدّة، بخاصة أنهم أكّدوا أنّ الاتفاق لا يشمل إسرائيل ولا يقترب من التزامهم بمساندة الشعب الفلسطيني، وسعيهم لإثبات ذلك بإطلاق صاروخٍ جديدٍ ومُسيّراتٍ على الدولة العبرية، لكنّ متابعين للشأن اليمني يعتقدون أن هناك صفقةً ستتبيّن ملامحها عقب الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي إلى المنطقة.

وبينما يقلّل بعض المهتمّين بالشأن اليمني من فاعلية الضربات الأميركية نتيجة افتقار المخابرات الأميركية لمعلوماتٍ دقيقةٍ عن مواقع الحوثيين ومخابئهم ومخازن أسلحتهم بعد أن استحدثوا العديد من هذه المواقع داخل وأسفل المرتفعات الجبلية وخصوصًا في محافظة صعدة معقلهم الرئيسي، بدلًا من المواقع السابقة التي كان قطاعٌ عريضٌ من المسؤولين والعسكريين اليمنيين يعرفُها، يرى آخرون أنّ الضربات الأميركية كانت مؤثّرةً وأنّها وفي ظلّ تربص الحكومة المُعترف بها دوليًا بالحوثيين وسعيهم لتنفيذ عملية "بريك"، كانت كفيلةً بتدمير قدرة الجماعة التي سعت من خلال هذا الاتفاق إلى الحفاظ على صورتها أمام مناصريها، وتقديم نفسها باعتبارها الطرف الوحيد عربيًا الذي واجه الجيش الأميركي ولم ينهزم.

المحلّل العسكري اليمني المتخصّص بملف الحوثيين، عدنان الجبرني، يؤكّد أنّه وخلال الخمسين يومًا من العملية الأميركية كادت القوة الصاروخية للحوثيين أن تخرج عن الخدمة، وأن الجماعة خسرت أبرز كوادرها مثل مسؤول عمليات القوّة الصاروخيّة ومسؤول الدراسات والمسؤول التقني ومسؤولي ورش التجميع ومتخصّصي إطلاقها وخبراء ومنصّات ومخازن أسلحة.

ويقول إنّ المعلومات التي بحوزته تفيدُ بمقتل قائد قسم الطيران المُسيّر زكريا حجر في أوّل يومٍ من الضربات الأميركية التي استهدفت حي الجراف في شمال شرق صنعاء مع اثنيْن من أبرز مساعديه في القسم؛ وذكر أنّ هناك خسائر موجعةً تعرّضت لها الجماعة بفعل بعض الغارات النوعيّة التي استهدفت أماكن وبنى لم يكن الحوثي يتوقّع أنّها مرصودة وهذا سبَّب إرباكًا كبيرًا للجماعة وخلافاتٍ بين أقسامها.

ويعتقد الجبرني انه وسط هذه الانقسامات والإرباك وفي أكثر لحظات الجماعة ضعفًا، وجّه عبد الملك الحوثي بضرب مطار بن غوريون لتجاوز هذه الحالة، وإبراز صورةٍ قويةٍ تعكس صورة الضعف الداخلي، وجزم بأنّ هذه العوامل كانت سببًا رئيسيًا في موافقتهم على ما عرضته سلطنة عُمان، وأكد أنّه لو كان وضع الجماعة أفضل لكانت استمرّت في المناورة وقتًا أطول.

لكن يبقى أنه وخلافًا لهذه الرؤية، يجزم باحثون وسياسيون يمنيّون بأنّ الضربات على مواقع الحوثيين لم تخرج عن إطار ضغط واشنطن على طهران ضمن سياق المفاوضات المرتبطة بالملف النووي، عبر استهداف آخر أقوى مرتكزاتها العسكرية في المنطقة، وأنّه في إطار التقدّم الحاصل في تلك المفاوضات جاء اتفاق وقف النار ليُعبّد الطريق أمام التوصّل إلى اتفاقٍ نوويّ جديد!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن