صحافة

"المشهد اليوم"…واشنطن والرياض يدشنان "عصرًا جديدًا" وأول الغيث سورياترامب يلتقي الشرع اليوم ووفد تفاوضي في الدوحة لاستئناف مفاوضات هدنة غزة

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب في صورة تذكارية جمعتهما مع المشاركين في منتدى الاستثمار (واس)

تسير العلاقات الاميركية - الخليجية نحو مسار جديد تفرضه تحديات المرحلة المقبلة ودور واشنطن في تحديد سياسات الشرق الاوسط وصولًا الى المصالح المشتركة سواء في ما يتعلق بالاقتصاد والأمن والدفاع والتكنولوجيا وغيرها من القضايا. فالزيارة "المفصلية" التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من المملكة العربية السعودية أمس على ان يستكملها اليوم في قطر وغدًا في الامارات حملت الكثير من الرسائل السياسية "المدوية" وأبرزها تكريس الرياض كقوة دولية فاعلة ومؤثرة وذلك في خضم التغيرات الجيوسياسية الحاصلة من حولنا، والتي تبدأ من ملف ايران النووي والمفاوضات الجارية في مسقط الى الحرب الدموية المستمرة في قطاع غزة وصولًا الى المشهد السوري بعد سقوط النظام السابق.

وتأتي هذه الجولة في ظروف مغايرة ومختلفة عن زيارة ترامب الاولى في العام 2017، حيث الملفات والقضايا تأخد منحى جديد فرضته الوقائع الميدانية والتغيير الكبير في موازين القوى بعد تراجع "محور المقاومة" المدعوم ايرانيًا، والذي هيمن في السنوات الاخيرة وسطا على عواصم عربية في وقت تراجع فيه الدور العربي عمومًا والخليجي خصوصًا وخفت وهجه، الا ان التبدلات الاقليمية اعادت فرض حسابات جديدة تصب اليوم في صالح عودة العرب وتأثيرهم المهم في قضايا وملفات المنطقة. ويستدل على ذلك من خلال الدور الذي اضطلعت فيه السعودية في اطار المفاوضات الاميركية - الروسية لانهاء الحرب في أوكرانيا، كما الوساطة القطرية المتواصلة بين "حماس" واسرائيل لانهاء حرب غزة الى دور عُمان في تقريب وجهات النظر مع الحوثيين وابرام اتفاق لوقف النار او من خلال رعايتها للمفاوضات الايرانية - الاميركية. هذا دون ان نغفل نجاح الامارات عدة مرات في عقد اتفاقيات لتبادل الأسرى بين موسكو وكييف.

هذه المعطيات وغيرها تقودنا الى النتائج التي خرجت من الرياض وأعادت الزخم الى المنطقة، وتحديدًا من البوابة السورية، بعدما أعلن الرئيس الاميركي رفع العقوبات عن دمشق بناء على طلب من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، معلنًا أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو سوف يلتقي نظيره السوري أسعد الشيباني لاحقًا في تركيا. بينما سيكون الرئيس أحمد الشرع على موعد للقاء ترامب في السعودية وعرض رؤية بلده الساعي نحو توطيد العلاقات مع واشنطن ومعالجة ذيول الحرب الدموية التي حولت سوريا الى بلد مفكك ومديون واطلاق عملية اعادة الاعمار. وتعكس هذه الخطوة المهمة للسوريين الدور السعودي الضامن لاستمرار وتثبيت حكم الشرع وقيادة دمشق نحو دفة الاستقرار بما يمثل من تغيير جذري بعدما استولت طهران وميليشياتها المسلّحة في السنوات الماضية على القرار السياسي وقادت معارك لتحقيق تغييرات ديمغرافية. يُشار الى أن الرئيس الشرع سيصبح أول رئيس سوري يلتقي رئيسًا أميركيًا منذ لقاء الرئيس الأسبق حافظ الأسد ببيل كلينتون في جنيف من العام 2000.

خطوة ترامب لاقت ترحيب عربي عارم وسوري جارف حيث خرج أهلها في مسيرات حاشدة تطلع نحو فجر جديد يعيد دمشق الى العرب. وفي هذا الاطار، أعرب وزير الخارجية السوري عن جزيل الشكر والتقدير للسعودية قيادةً وحكومةً وشعبًا، على "الجهود الصادقة التي بذلتها في دعم مساعي رفع العقوبات الجائرة عن سوريا"، معتبرًا هذه الخطوة "انتصارًا للحق وتأكيدًا على وحدة الصف العربي". 

الى ذلك، جسدت الزيارة أيضًا توقيع اتفاقيات ومذكرات في مجالات مختلفة وصفها البيت الأبيض بأنها "عصر ذهبي جديد" في شراكة البلدين، حيث قال الرئيس ترامب، إن "السعودية هي قلب ومركز العالم"، وأن الاقتصاد الأميركي هو الأفضل في العالم، باستثناء السعودية، واصفًا ولي العهد السعودي بأنه "أفضل من يمثّل حلفاءنا الأقوياء، وأن الرياض في طريقها لتصبح مركز أعمال للعالم بأسره". أما ولي العهد السعودي، فقد أشار إلى أن حجم فرص الشراكة بين البلدين يبلغ 600 مليار دولار، وأن الاتفاقيات المُعلن عنها في "منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي"، الذي عُقد أمس على هامش الزيارة، بلغت 300 مليار دولار. كما شدد على أن "العمل المشترك بين الرياض وواشنطن لا يقتصر على التعاون الاقتصادي، وإنما يمتد إلى إحلال الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم".

هذا ولم تغب الملفات الاخرى عن الزيارة، حيث توقف الرئيس الاميركي عند الحرب الدائرة في غزة معلنًا ان اهلها "يستحقون مستقبلًا أفضل"، فيما اعتبر ان لبنان يمر بمرحلة جديدة بعدما "كان ضحية لسياسات إيران و"حزب الله"، مبديًا استعداده لمساعدته "على بناء مستقبل أفضل مع جيرانه والتنمية الاقتصادية". وعن ايران، لم تخلُ كلمته من التهديد المبطن حين لفت الى انه سيعود لمواجهتها عبر العقوبات في حال رفضت "غصن الزيتون"، مؤكداً أنه يريد عقد صفقة مع طهران، وأنها لن تحصل أبدًا على السلاح النووي.

وفي ما يتعلق بالحوثيين، انتقد ترامب قرار الرئيس الأميركي السابق جو بايدن رفعهم من قائمة الإرهاب. وقال إن قواته شنّت أكثر من 1100 ضربة على الحوثيين، وإن الجماعة لن تعاود استهداف أي سفينة أميركية في البحر الأحمر. وكان القرار "المفاجىء" بوقف النار في اليمن حظي بالكثير من الاهتمام والتحليل، الا ان المعلومات التي تتكشف يومًا بعد يوم تشير الى ان الحوثيين هم من بدأوا التواصل مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من اجل ايجاد مخرج للقصف الاميركي، بحسب ما أورده تقرير لوكالة "رويترز" وذلك نقلًا عن أربعة مسؤولين أميركيين.

الملفات العربية على سخونتها لم تحجب الاضواء عن تطورات المشهد في قطاع غزة، بعدما صعّد الاحتلال من عملياته العسكرية مستهدفًا، وفق وسائل اعلام اسرائيلية، القيادي بحركة "حماس" محمد السنوار في غارة شنّها على خان يونس بجنوب قطاع غزة. وفيما لم تصرح تل أبيب بعد عن نتائج هذه العملية، أدت غاراتها المكثفة على مناطق متفرقة في القطاع الى استشهاد ما يزيد عن 51 شخصًا من بينهم الصحفي حسن إصليح، الذي استهدفته عمدًا في غارة جوية على مستشفى ناصر جنوب غزة بينما كان يتلقى العلاج، ليرتفع عدد الشهداء الصحافيين منذ بداية الحرب الى 215. الوقائع الميدانية تأتي متزامنة مع استمرار التجويع ومنع دخول قوافل المساعدات الانسانية رغم كل التحذيرات والمناشدات الاممية والدولية، خاصة ان الارقام الصادمة تشير الى ارتفاع معدلات سوء التغذية لاسيما لدى الاطفال والنساء.

أما سياسيًا، فتنشط التحركات والمبادرات من أجل الدفع نحو هدنة دائمة في القطاع المنكوب، حيث بدأ المبعوث الاميركي ستيف ويتكوف في الدوحة، أمس، جولة مفاوضات جديدة بشأن اطلاق سراح الاسرى المحتجزين لدى "حماس"، وذلك بعد زيارة استمرت يومين في إسرائيل، ونجحت في إجبار نتنياهو على إرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة يضم منسق شؤون أسرى الحرب والمفقودين جال هيرش، ونائب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) ومستشار رئيس الوزراء للشؤون السياسية أوفير فالك. ومن المفترض أن يصل اليوم وفد صغير أيضًا من أهالي الأسرى إلى الدوحة للقاء الرئيس ترامب ورئيس الوزراء القطري محمد آل ثاني ضمن الجهود الآيلة للاستثمار بالموقف الاميركي الضاغط على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يوفر فرصة للحديث عن توسيع الحرب واستمرارها دون توقف.

ويبدو، بحسب الكثير من المحللين، ان واشنطن تريد تحقيق وقف تمام لاطلاق النار وايجاد حل دائم للحرب بعد التباينات المتزايدة في المواقف الاميركية الاسرائيلية. ومجددًا انتقد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ما يقوم به نتنياهو في غزة واصفًا اياه بـ"العار"، داعيًا الى الضغط على اسرائيل واعادة النظر في اتفاقيات الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي. من جهة ثانية، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بدعوة أوروبية، ودعم جزائري، بشأن الأوضاع الإنسانية في غزة. وشجبت المندوبة البريطانية بالمجلس في كلمة ألقتها نيابة عن الدول الأوروبية، "استخدام المساعدات الإنسانية كأداة سياسية أو تكتيكًا عسكريًا"، مطالبة إسرائيل برفع الحظر عن دخول المساعدات الآن، في وقت دعا منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر إلى اتّخاذ إجراءات "لمنع وقوع إبادة جماعية" في غزة.

وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم، من الطبيعي ان تتصدر الزيارة الاميركية وأهميتها العناوين والمقالات، حيث نرصد أبرز ما جاء على الشكل التالي:

تناولت صحيفة "عكاظ" السعودية زيارة الرئيس الاميركي الى الرياض التي تأتي "في لحظة دقيقة من التحولات الإقليمية والدولية، لتؤكد مجدّدًا أن الرياض تقف في قلب التوازنات الكبرى في المنطقة، بوصفها لاعبًا محوريًا وركيزة للاستقرار والتنمية"، مشددة على انها "تحمل أبعادًا إستراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ تنطوي على ملفات عميقة تلامس جوهر العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الشامل الذي لا يقتصر على المصالح الآنية، بل يرسم ملامح الشراكة المستقبلية بين الطرفين".

الموقف عينه تبنته صحيفة "الرياض" السعودية التي أوضحت أن "هذه الزيارة التاريخية تشكل محطة مفصلية في مسيرة العلاقات السعودية الأميركية، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، في ظل عالم تفرض تحدياته المعقدة تضافر الجهود وتكامل الرؤى بين الحلفاء والشركاء الفاعلين"، لافتة الى أن "العلاقة بين الرياض وواشنطن لم تكن يومًا علاقة مصالح آنية، بل هي علاقة من أجل عالم يسوده الأمن والاستقرار والنماء".

وألمحت صحيفة "الخليج" الاماراتية، من جانبها، الى ان الزيارة الاميركية تأتي "في إطار التحولات التي يشهدها العالم والمنطقة، وتأثيرها في مجرى العلاقات بين الدول، وفي ظل ما نشهده من تطورات أمنية وسياسية واقتصادية قد تحدد مصير النظام العالمي لسنوات طويلة مقبلة"، مؤكدة ان لقاءات الرئيس الاميركي "مع قادة دول المنطقة تهدف الى رسم خريطة طريق جديدة بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، وتحدد سياسات ومواقف ثنائية تجاه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى الأوضاع الأمنية في المنطقة".

وفي السياق، رأت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن "الدبلوماسية الخليجية تبحر في آفاق التغييرات الإقليمية والدولية وتنظر الى الفرص الاستثمارية وخططها ومشاريعها التنموية، واضعةً بعين الاعتبار موقعها الاستراتيجي الذي يربطها باللاعب الإقليمي كالهند والصين، وغيرها من الطرق التجارية". وتابعت "واشنطن تراهن على الاستثمار، والرياض تبني الجسور الاقتصادية، وعلى الدول الفاعلة في حل النزاعات بالمنطقة أن تلحق بالرَّكب، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاستثمار في السلام".

من جانبها، أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "المخرجات المهمة لهذه الزيارة لا تنحصر فقط بتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية بين أمريكا ودول الخليج ولكن أيضًا في تأثيرها على تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وحل الصراعات في المنطقة وعلى رأسها وقف الحرب في غزة"، متحدثة عن وجود "مصلحة مشتركة أمريكية وعربية في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والذي بدوره سوف ينشئ بيئة للتعاون والازدهار وتعزيز التعاون المشترك، وهذا يتطلب تغيير البيئة الصراعية في المنطقة من خلال حل القضية الفلسطينية التي تظل هي مفتاح الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط"، على حدّ تعبيرها.

وعلّقت صحيفة "الراية" القطرية على قرار رفع العقوبات عن سوريا، معتبرة أن هذا القرار التاريخي سوف يسرّع ببسط الأمن والاستقرار ومعالجة كل المشاكل التنموية لتظل سوريا المظلة الجامعة لكل السوريين من شتى المشارب". واضافت "فعودة الأمن والاستقرار لسوريا مصلحة قطرية عُليا لما لسوريا من دور كبير في توطين السلم بالمنطقة، وثقل كبير في القرار العربي وسيظل الدعم القطري لسوريا مستمرًا ولن تألوَ الدوحة أي جهد لصالح الأشقاء، وعلى المجتمع الدولي أن يمد يده لعون دمشق وأن يتم التعامل مع سوريا الجديدة بدون شروط مسبقة".

بدورها، تطرقت صحيفة "الثورة" السورية للأمر نفسه، واضعة اياه في اطار "الخطوة المشجعة نحو إنهاء معاناة الشعب السوري الذي عانى الكثير جراء فرضها طيلة السنوات الماضية"، منبهة الى أن تلك "العقوبات تضرر الشعب منها ولم تمس النظام السياسي الذي كان سببًا رئيسًا في فرضها نتيجة لسياساته التي أقلقت ووترت سوريا، وكانت عاملًا مدمرًا للسلام والازدهار في المنطقة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن