ضبط العلاقات الصينية الأمريكية

يعيد الاتفاق الأمريكي الصيني حول خفض الرسوم الجمركية العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول، ما يتيح للجانبين مراجعة العلاقات التجارية والعمل على ضبطها، إن أمكن، على أسس واقعية، وعلى قاعدة التنافس في إطار التعاون بدلاً من الحروب التجارية وتداعياتها الخطرة على الاقتصاد العالمي.

إذا سلّمنا جدلاً بما يقوله الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه لا منتصر في الحروب التجارية، بل إن الجميع خاسرون، كما يشي الواقع، فإن العودة لضبط العلاقات التجارية الأمريكية الصينية تعد نجاحاً لأكبر اقتصادين في العالم يمثلان معاً ما يقرب من 35% من الناتج الاقتصادي العالمي. لكن المخاطر تبقى قائمة ما لم يتم التوافق على كيفية إدارة المنافسة وإيجاد الآليات المناسبة لدفع الاقتصادين نحو التعافي بدلاً من الحرب.

ولعل التجربة القصيرة نسبياً التي أعقبت فرض ترامب الرسوم الجمركية في أوائل إبريل/ نيسان الماضي، أثبتت أن الجميع خاسرون بالفعل بعد النتائج الكارثية والخسائر بتريليونات الدولارات في الأسواق العالمية، وداخل الولايات المتحدة. وإذا كان المستهدف الأول من فرض الرسوم التي وصلت نسبتها إلى 145% هو الصين فإن الرد الصيني بفرض رسوم مماثلة بلغت 125%، وإبداء استعدادها للقتال حتى النهاية دفع الإدارة الأمريكية للتراجع في حقيقة الأمر والعودة للحوار.

وجاءت نتائج الحوار أخيراً بالاتفاق على خفض الرسوم الجمركية بنسبة 115% ولمدة 90 يوماً، أي أن الرسوم الأمريكية أصبحت 30% مقابل 10% رسوم صينية على الولايات المتحدة. وللوهلة الأولى يبدو الاتفاق لصالح الولايات المتحدة، إذ حافظت واشنطن على رسوم جمركية مرتفعة على السلع الصينية، لكن الواقع لا يبدو كذلك على الإطلاق، ذلك أن معظم الصادرات الأمريكية إلى الصين تتكون من مواد خام، بينما تتكون معظم الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة من سلع ذات قيمة مضافة عالية مثل الإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها. وهو ما يعني أن الصين بخفضها للرسوم الجمركية على السلع الأمريكية ستحصل على مواد خام أرخص، بينما يؤدي ارتفاع الرسوم على السلع الصينية إلى ارتفاع في التضخم.

لكن العامل الأهم هو أن أغلبية الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تمر عبر دول ثالثة، أي أن صادرات تلك الدول هي سلع صينية يتم تعبئتها وتغليفها في تلك البلدان فقط، أو على الأقل، تجميعها من مكونات صينية، وتذهب نسبة كبيرة من هذه الصادرات عبر الشركاء التجاريين إلى الولايات المتحدة.

وبالتالي فإن فرض رسوم جمركية أعلى على الصين يعني حروباً تجارية ومشكلات سياسية للولايات المتحدة مع العالم أجمع. وهناك، كما يبدو أوراق كثيرة تمتلكها الصين، لكن ما هو مهم الآن أن الاتفاق الأمريكي الصيني يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل حرب الرسوم، فيما يتطلع العالم إلى ما ستسفر عنه عملية ضبط العلاقات الصينية الأمريكية، وكيفية إدارة المنافسة على أسس عادلة وفي إطار التعاون الإيجابي بينهما.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن