حملت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية وقطر والإمارات، التي وصفت بالتاريخية مفاجأة لم تكن ضمن التوقعات، وهى قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية. قبل وصول ترامب للمنطقة، لم تكن سورية ضمن الحسابات، فقد كان الجميع بانتظار اختراق في محادثات الدوحة بين الوسطاء وإسرائيل يحقق وقفا لإطلاق النار في غزة، ويضمن تبادلا للأسرى. كان ذلك ليكون بمثابة انجاز كبير سعى ترامب ومبعوثه الخاص ويتكوف لتقديمه للعرب بالتزامن مع الزيارة.
خذل نتنياهو حليفه في البيت الأبيض، ورفض تقديم أي تنازل يسهل إبرام الصفقة. بدا ذلك واضحا قبل الزيارة بيومين، وهو ما دفع بترامب إلى استثناء إسرائيل من جولته في المنطقة. ماذا تبقى إذن ليقدمه ترامب للدول العربية بعد فشل جهود وقف إطلاق النار في غزة؟
المرجح وفق مراقبين أن موضوع سورية طرح على الطاولة كإنجاز بديل للفشل الذي تسبب فيه نتنياهو، والإحراج مع الحلفاء العرب. ترامب عبر عن ذلك بطريقة غير مباشرة، حين وافق القيادة السعودية بموقفها حيال عدم الانضمام للاتفاقيات الإبراهمية في ضوء الموقف الإسرائيلي الرافض لحق الشعب الفلسطيني بالدولة المستقلة. الدبلوماسية السعودية تصرفت بذكاء حين قررت استغلال الموقف لتخليص الملف السوري في لحظة غضب ترامب من سلوك نتنياهو المتعالي.
في المقابل، يدرك ترامب أن الحصول على عقود واتفاقيات بمئات المليارات، لم يكن ليمر دون تقديم مواقف سياسية تخدم المصالح العربية. فكان هذا التحول من نصيب سورية. الأكيد أن حكومة نتنياهو المخنوقة والغاضبة من سياسات ترامب تجاه إيران واليمن وحماس، تشعر بالاستياء من قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، بالنظر لموقفها المتشدد من نظام الشرع، وسعيها المعلن لتأليب مكونات سورية عليه، والدفع باتجاه تقسيم سورية لدويلات طائفية متصارعة.
قرار ترامب منح قوة استثنائية للنظام السوري في مواجهة خصومه في الداخل والخارج، وأضعف من قدرة اللاعبين في الملف الطائفي على التحرك لتنفيذ مخططاتهم. إسرائيل متضررة أيضا لأن القرار يمنح الحكومة السورية عناصر القوة الاقتصادية، ويفتح الباب لتعاون أمني وعسكري مع الولايات المتحدة في المستقبل، رغم الحذر الذي أبداه وزير الخارجية الأميركي في تصريحاته بعد اللقاء مع نظيره السوري في أنطاليا. الوزير روبيو حرص على التأكيد بأن رفع العقوبات سيكون متدرجا ومؤقتا في المرحلة الأولى بانتظار مدى التزام الحكومة السورية في تنفيذ الالتزامات المطلوبة منها.
يبقى السؤال، هل كانت إسرائيل حقا لا تعلم وفوجئت بالقرار الأميركي كما تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية؟ قد لا يستقيم هذا الانطباع مع ما كان يجري خلف الكواليس من مفاوضات سورية إسرائيلية جرت في ثلاث عواصم مختلفة. ربما تكون هذه المفاوضات قد سهلت على واشنطن اتخاذ قرارها. وفي المقابل ساعدت دمشق على تحصيل هذا المكسب وتمهيد الطريق أمام السعودية وتركيا لإحراز هذا الإنجاز.
على كل حال، ما تحقق ليس سوى خطوة على طريق طويل، يتعين على الحكومة السورية أن تسلكه لإلغاء العقوبات بشكل نهائي. لقد واجه العراق من قبل وضعا مشابها، وما يزال حتى اليوم يعاني من عقوبات أميركية كانت قد فرضت على نظام صدام حسين. العمل يبدأ من الداخل السوري، وتحديدا، التوافق الوطني على خريطة طريق للتحول السياسي، تضمن مشاركة جميع المكونات في كتابة مستقبل سورية الجديدة.
(الغد الأردنية)