السلام لم يعد خياراً

تصاعدت وتيرة الهجوم الذي تشنّه حكومة بنيامين نتانياهو على قطاع غزة، لتبلغ درجة غير مسبوقة من الوحشية. ويعاين العالم حالة الدمار الكلي التي طالت القطاع والضفة الغربية، ويقف المجتمع الدولي على ممارسات مدمرة، شملت كل مناحي ومقومات الحياة ذاتها، وعصفت بأرواح عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.

ولم تفرّق آلة الدمار والقتل الإسرائيلية بين كبير وصغير، وبين رجل وامرأة، واستوى كل الفلسطينيين أمام إرادة حكومة اسرائيل في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، واقتلاعه من أرضه بكل الوسائل المتاحة لديه. ولا يبدو أن المجتمع الدولي لا يزال قادراً على السكوت أكثر على أبشع الجرائم التي تُرتكب في حق شعب لم يطالب إلا بما وفرته له الشرعية الدولية، على جورها، في حق الفلسطينيين التاريخي، وبدا أن هذا المجتمع الدولي، بصدد الاستنفار ضد حكومة نتانياهو الموغلة في التطرف.

ولعل موجة الإدانة الدولية التي تعاظمت وتعالت، تترجم محاولة تتفاوت قيمتها من دولة لأخرى، من أجل تجاوز الشعور بالخزي والعجز الذي لازمها طوال أحقاب، وهي ترصد عملية الإبادة التدريجية للشعب الفلسطيني الصامد، رغم تجاذباته الداخلية، وفقدانه لعنوان فلسطيني موحد، محكوم بأجندة وطنية لا لبس فيها.

وما يثير الانتباه، ويبعث على بعض الأمل، ما لوحظ من تحوّل نوعي في مواقف بعض الدول الفاعلة على الصعيد الدولي، ومن ذلك البيان الثلاثي الصادر الاثنين الماضي، عن فرنسا وبريطانيا وكندا. والذي يؤكد أن هذه الدول "ستتخذ إجراءات ملموسة، إذا لم توقف إسرائيل هجومها على غزّة، وترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية"، وقد شدّدت هذه الدول الثلاث، إلى جانب ذلك، على رفضها توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ولوّحت بإمكانية "اتخاذ إجراءات أخرى، قد تصل إلى فرض عقوبات"، واصفة أفعال حكومة نتنياهو بـ"الفاضحة".

بيان الدول الثلاث أدان بقوة ما وصفه بـ"اللغة البغيضة لبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، والتهديد بالترحيل القسري". ولم تقتصر رسائل التهديد الموجهة لحكومة نتانياهو على بعض الدول الأوروبية، بل شملت كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال بعض المؤشّرات والتسريبات، التي تفيد أنّ البيت الأبيض الأمريكي لم يعد باستطاعته تحمّل وِزْرَ أفعال وسياسات الحكومة الإسرائيلية.

وقد يكون تراجع نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، عن التفكير في زيارة إلى إسرائيل، مؤشراً جدياً، ومقدمة هامّة عن بداية تغيير فعلي في موقف الإدارة الأمريكية من سياسات بنيامين نتانياهو الموغلة في الهجوم ضد المدنيين الفلسطينيين. وهو مؤشر قرأ فيه الملاحظون تناغماً واضحاً مع إرادة ترامب غير المعلنة، في مزيد الضغط على حكومة نتانياهو، من أجل وضع حدّ لتوسيع عدوانها على غزة، ومن أجل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما قد يكون دفعه إلى عدم زيارة إسرائيل في جولته الخليجية الأخيرة.

وبقطع النظر عن صدقية وجدية ما رشح عن البيت الأبيض من "تهديدات" ضمنية، ومعلنة في بعض الأحيان، والتي وصلت حدّ "تخيير نتنياهو بين وقف هجومه على غزّة واستمرار الدعم الأمريكي له"، فإن المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. والتي تعاظم شأنها بعد جولة ترامب الخليجية الأخيرة، لم تعد تسمح باستمرار النهج العدواني لإسرائيل، لأن ذلك يقوّض في العمق أمن واستقرار المنطقة، وهو ما ترفضه بشدة أمريكا وحلفاؤها في الخليج العربي، وفي المنطقة عموماً.

إن ضرورة وقف الهجوم على غزة والضفة، لم يعد مطلباً فلسطينياً صرفاً، لأن مقتضيات السلم والأمن الدوليين، يفرضان ذلك، وهو ما يفسر "الانتفاضة" الدولية ضد سلوكيات نتانياهو وحكومته، ليصبح بذلك مطلب فتح المعابر دون قيد وشرط، وإدخال الحاجيات الإنسانية بالكامل قبل فوات الأوان، مطلباً دولياً، عبّر عنه بيان لوزراء خارجية 22 دولة، ومسؤولين أوروبيين، مطالبين "بتحرك عالمي دولي فوري لفتح المعابر".

ولأن تحديات الأمن والسلم في المنطقة لا تقتصر على معالجة تداعيات الهجوم الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزّة، فإنّ بيان القادة الأوروبيين، طالب "بعدم تقليص مساحة الأراضي الفلسطينية، أو إخضاعها لأي تغيير ديموغرافي، والعودة لوقف إطلاق النار والعمل على تطبيق حل الدولتين، كسبيل وحيد للسلام". إن السلام كل لا يتجزأ، وإن الحق يعلو دوماً ولا يُعلى عليه، وهذه الحقيقة بدأت تأخذ طريقها نحو التجسيد، وإن الحسّ السليم يقتضي الإقرار بذلك.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن