إنشغل السودانيون في اليومين الأولين بسؤال "كيف خرج البرهان؟" من ذلك الحصار المحكم الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مبنى القيادة العامة من كل الاتجاهات منذ اليوم الأول للحرب. وتوزّعت الاحتمالات بين خروج مخطّط له بدقة عالية وبمغامرة محسوبة غير معروفة التفاصيل، وبين خروج متفق عليه في إطار صفقة سياسية تحت رعاية بعض القوى الإقليمية والدولية.
كلّ الكتابات والأحاديث في الفضائيات العربية والأجنبية التي ظهر فيها سياسيون وخبراء ومحلّلون سياسيون سودانيون وأجانب خلت من المعلومات المؤكدة، واعتمدت على تحليل يميل لإحدى وجهتي النظر، قدّم خلالها البعض قراءة قوية ومقنعة إلى حد ما، وانشغل آخرون بترديد محصول وسائل التواصل الاجتماعي من الإشاعات والأخبار غير المؤكدة.
سينقل إدارة مكتبه إلى بورتسودان وسيدير شؤون الدولة والحزب من هناك
انتقلت التساؤلات الآن لنقطة جديدة هي "ماذا بعد الخروج؟"، وماذا ينوي البرهان أن يفعل خلال المرحلة القادمة. المؤكد الآن أنه سينقل إدارة مكتبه إلى مدينة بورتسودان التي صارت عاصمة إدارية مؤقتة، وسيدير شؤون الدولة والحزب من هناك.
لم يتحدث الرجل حتى الآن أو يعلن خطواته القادمة، وربما لن يتعجّل في ذلك، لكن يمكن التكهّن باتجاه الريح من خلال الخطوات العملية التي سيتخذها والرحلات الخارجية التي قام وسيقوم بها.
واقع الحال الآن يقول إنّ هذه الحرب لن تنتهي بنصر مؤكد لأي طرف، ولن تتغيّر فيها موازين القوى بدرجة كبيرة، كما أنّ استمرار الحرب سيؤدي لمزيد من الخسائر الكبيرة في البنيات الأساسية ومزيد من الانهيار للاقتصاد السوداني بتدمير القطاعات الصناعية والزراعية الكبرى، بجانب الخسائر في الأرواح والممتلكات للسكان المدنيين في مدن العاصمة الثلاث.
رغم وضوح هذا الأمر، إلا أنّ هناك اتجاهات سياسية وعسكرية ترى ضرورة الاستمرار في الحرب كخيار ليس له ثانٍ، وعلى رأس هذه الاتجاهات مجموعات حركة الإسلام السياسي المتمثّلة في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، فهي ترى في الحرب فرصة لاستعادة نفوذها وتقوية تحالفها مع المجموعة العسكرية. وهناك بالتأكيد اتجاه ثانٍ يريد وقف الحرب والاتجاه نحو حلّ تفاوضي، ويقف مع هذا الخيار القوى السياسية والمدنية المرتبطة بثورة ديسمبر التي أسقطت نظام المؤتمر الوطني.
بعد مصر سيزور المملكة العربية السعودية... وترجيح زيارته قطر وتركيا أيضًا
الأخبار المؤكدة تقول إنّ البرهان بعد زيارة مصر سيزور المملكة العربية السعودية، ومن المؤكد أن زياراته لو اقتصرت على هذين البلدين فإنه سيسمع تحليلات ونصائح تدفع نحو وقف الحرب بأسرع فرصة والاتجاه نجو الحلّ التفاوضي. تقود المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة مبادرة للحلّ التفاوضي نتج عنها لقاءات متعدّدة في "منبر جدة"، توصّلت لمجموعة من الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار التي لم تغيّر كثيرًا في واقع الحرب على الأرض، لكنها على الأقل لا تزال هي المبادرة الأصلح لاستئناف الحوار في نظر كثير من المهتمين بالحوار والتفاوض.
أما مصر، والتي يعتقد السودانيون منذ سنوات بأنها الداعم الرئيسي للبرهان، حتى في انقلابه على الوضع الانتقالي في أكتوبر 2021، فقد ظهر لها موقف أقرب لوقف الحرب والاتجاه نحو الحلّ التفاوضي. ظهر هذا في قمة دول جوار السودان التي عُقدت الشهر الماضي في القاهرة، ثم تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول جوار السودان. أكدت التصريحات بشكل قوى على ضرورة وقف الحرب والاتجاه نحو التفاوض، وانتقدت مواقف الطرفين من عدم الاستجابة لوقف إطلاق النار.
ويُعتقد على نطاق واسع أنّ مصر تضع في حساباتها أنّ استمرار الحرب يصبّ في مصلحة الحركة الإسلامية التي لديها كوادر مقاتلة مدرّبة تغري البرهان بالتحالف معها، ووضع مثل هذا سيزعج القاهرة بكل تأكيد.
لكن رجحت أخبار أخرى بأنّ البرهان سيزور أيضًا قطر وتركيا، والدولتان معروفتان بدعم جماعات الإسلام السياسي، وتحتضنان قيادات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وقدّمت الدولتان دعمًا ماليًا وعسكريًا للبرهان خلال هذه الحرب. وبالتالي يمكن أن تكون هذه الزيارات لضمان مزيد من المساعدات، ولتوسيع النقاش مع قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وخروج التحالف بينها وبين البرهان للعلن.
لن تحتاج صورة الموقف لوقت كبير لتتضح، فأيّ لقاءات تليفزيونية ستتمّ مع البرهان في بورتسودان، أو العواصم التي سيزورها، بالإضافة لجدول لقاءاته وزياراته ستكشف كلّ شئ في الأيام القليلة القادمة.
(خاص "عروبة 22")