صحافة

إسرائيل في مواجهة فرنسا وأوروبا

رندة تقي الدين

المشاركة
إسرائيل في مواجهة فرنسا وأوروبا

حينما وصف الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها "معيبة"، وأن منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بأنه "أمر غير مقبول" اتهمه نتنياهو بأنه منحاز لـ"حماس". في العام الماضي عندما طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إعلان إصدار مذكرات توقيف بتُهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق نتنياهو ووزير دفاعه، صدر بيانٌ من الخارجية الفرنسية يقول: إن فرنسا تدعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب في جميع الحالات.

وفي الإثنين الماضي زاد الاستياء الإسرائيلي تجاه فرنسا بعدما أعلنت باريس ولندن وأوتاوا عزمَها الاعتراف بالدولة الفلسطينية مساهمةً في تحقيق حل الدولتين، هو ما وصفه نتنياهو بأنه خطأ جسيم وأعرب عن معارضته الشديدة له. وأكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن الرئاسة الفرنسية وراء المبادرة المشتركة. وحسب الصحيفة العبرية فإن إسرائيل بعثت برسائل حازمة إلى فرنسا مع التهديد بخيارات مُختلفة، منها إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس وفرض السيادة على يهودا والسامرة، أي ضم الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.

وتم استدعاء السفير الإسرائيلي مرتين من قبل السلطات الفرنسية في أكتوبر بعد إطلاق نار من قبل القوات الإسرائيلية على قوات حفظ السلام "اليونيفيل" في جنوب لبنان ثم في نوفمبر بعد مشادة بين درك فرنسيين في القدس وشرطة إسرائيلية كانت في كنيسة Pader Noster (موقع تابع لفرنسا) وذلك أثناء زيارة وزير الخارجية جان نويل بارو إلى الموقع. نتنياهو مستاءٌ أيضًا لأن ماكرون يعد لاجتماع في الأمم المتحدة لإعلان دولي بحل الدولتين (الفلسطينية إلى جانب إسرائيل).

لكن نتنياهو رافض لهذا الموعد، ولمثل هذا الإعلان بما أنه يرفض إنشاء دولة فلسطينية، وهو في الواقع يعد لإبعاد الفلسطينيين عن غزة وعن أراضيهم في الضفة والقدس، لكن هذا لن يحصل رغم كل ما يفعله من تطهير وقتل للشعب الفلسطيني. في هذا السياق تعرض عددٌ من الدبلوماسيين الأجانب بينهم فرنسي لإطلاق نار من قبل جنود إسرائيليين أثناء زيارتهم إلى مُخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، وباريس مثل روما ولشبونة سارعت إلى الاحتجاج واستدعت الخارجية السفير الإسرائيلي في فرنسا للتعبير عن عدم قبولها لهذه الأعمال. نتنياهو مستاء من الرئيس الفرنسي الذي يحرك الاتحاد الأوروبي لتجميد اتفاق الشراكة مع إسرائيل بسبب منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

تمرُ العلاقة بين فرنسا وإسرائيل بمطبات مُستمرة منذ زيارة الرئيس الراحل جاك شيراك الشهيرة إلى القدس، حيث حاولت القوات الإسرائيلية إذلال الضيف الفرنسي عبر عرقلة مروره في شوارع القدس القديمة، لأنه رفض مواكبة رئيس بلدية القدس الإسرائيلي لأن سياسة فرنسا أقل انحيازًا من الولايات المتحدة تُجاه إسرائيل.

في المقابل فإن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من السعودية وقطر والإمارات قد تكون مفيدة للملف الفلسطيني في ظل تصاعد الغضب الخليجي من استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة. فترامب بإمكانه لو أراد الضغط على نتنياهو لوقف الحرب على غزة، والبدء بقبول مبدأ الحل الوحيد الذي يرفضه وهو إنشاء دولة فلسطينية.

لكن منطق نتنياهو بعيد كل البعد عن ذلك وأيضًا الشلة المتطرفة التي تحكم معه. فالأمل ضئيل بأن يتبلور إعلان حل الدولتين -المُتوقع في يونيو في الأمم المتحدة- إلى مشروع حقيقي ما دام نتنياهو في الحكم، ومستمرًا في حربه الوحشية، وما دام بإمكانه الاعتماد على السلاح الأمريكي لإبادة الفلسطينيين. لكن ربما ابتعاد ترامب عنه بعض الشيء -عندما استثنى زيارته خلال جولته إلى الشرق الأوسط- تتحول إلى إدراك الرئيس الأمريكي أن حليفه الإسرائيلي يجب أن يوقف القتل والتجويع وتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه.

لكن هذا يظل ضمن الوهم والتمنّي البعيد عن الواقع، لأن ترامب اعترف لنتنياهو بضم الجولان ونقل سفارته إلى القدس -التي هي مبدئيًا في الخطة العربية للحل- ويجب أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية والغربية لإسرائيل لكن إدارة ترامب كانت قد اعتبرت القدس عاصمة لإسرائيل.

(الراية القطرية)

يتم التصفح الآن