الحوكمة والديموقراطية

الانتخابات العراقية: ما تغيّر وما لم يتغيّر!

العراق على موعدٍ مع الانتخابات التشريعية الجديدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتحمل هذه الدورة الانتخابية بعض ملامح الدورات الانتخابية السابقة منذ عام 2005، لكنّها في الوقت نفسِه تشهد بعض التمايُز عنها في ملامح أخرى. من القواسم المشتركة ذلك الصّخب الشّديد الذي يُحيط بالعملية الانتخابية. ومعلومٌ أنّ الصّخب يُحيط بالانتخابات أيًّا ما كانت الدولة التي تقام فيها، لكنّ الصخب المحيط بالانتخابات العراقية من نوعٍ مختلف.

الانتخابات العراقية: ما تغيّر وما لم يتغيّر!

حتّى أسابيع قليلة مضت كان ما زال النقاش دائرًا في العراق حول ما إذا كان سيتمّ تعديل القانون الانتخابي أم لا، ومسألة تحديد القانون الذي تجري وفقه الانتخابات مسألة واجبة الحسم قبل فترةٍ معقولةٍ من موعد الذهاب لصناديق الاقتراع، لأنّ القانون كما هو معروف يحدّد شروط الترشّح، ونظام الانتخاب، وضوابط تمويل الحملات الانتخابية... إلخ.

فريق يدافع عن استمرار القانون الساري وفريق آخر يُطالب بتعديله في اتجاه تقسيم المحافظة الواحدة لدوائر عدّة

لكنّ الجدل حول التعديل طال أمده في الحالة العراقية، فهناك فريقٌ يدافع عن استمراره على اعتبار أنّه سبق تطبيقه في انتخابات المحافظات العراقية وفي برلمان إقليم كردستان من دون مشاكل. وهناك فريقٌ آخر يُطالب بتعديل القانون السّاري في اتجاه تقسيم المحافظة الواحدة لدوائر عدّة، واستقالة المسؤولين التنفيذيين من مناصبهم قبل ستة أشهر من موعد الاقتراع.

ويستهدف طلب التعديل الحدّ من فرص الفوز لائتلاف "الإعمار والتنمية" الذي يتزعّمه رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، سواء بتفتيت أصوات مؤيّديه، أو لإبعاده عن الواجهة السياسية أثناء التحضير للانتخابات.

هناك أيضًا نوعٌ آخر من الصّخب يرتبط بموقف تيار السيد مقتدى الصّدر من خوض الانتخابات، وعندما نتكلّم عن الصّدر فإنّنا نتكلم عن رقمٍ أساسيّ وصعب في المعادلة السياسية العراقية ترجمه حصوله على 73 مقعدًا في انتخابات 2021، هذا بالإضافة إلى الوزن الرّوحي والدّيني الكبير الذي يستمدّه زعيم التيار من عائلته. وحتّى تاريخ كتابة هذا المقال، لم يعلن الصّدر عن خوض تياره المُعترَك الانتخابي، لكنّه طلب من مؤيديه أن يُحدّثّوا بطاقاتهم الانتخابية. وكما أنّ مشاركة التيار الصّدري في الانتخابات سيؤثّر في نتائجها، فإنّ غيابه أيضًا سيؤثر ويُفقد العملية السياسية مُكوّنًا أساسيًا من مكوّناتها. وكان الصّدر قد سحب نوابَه من البرلمان واعتزل الحياة السياسية في عام 2022.

من القواسم الأخرى المشتركة، عملية التركيب والتفكيك التي تتمّ في الجسم السياسي الكبير الذي يجمع عددًا من الأحزاب السياسية، الشيعية بالأساس مع بعض القوى من المُكونّات العراقية الأخرى. كان هذا الجسم الكبير هو الائتلاف "العراقي الموحّد" الذي تشكّل قبيل انتخابات يناير/كانون الثاني عام 2005 وتوسَّع مع انتخابات ديسمبر/كانون الأول من العام نفسِه. وعلى أنقاض الائتلاف العراقي الموّحد نشأ الائتلاف "الوطني العراقي" الذي خاض انتخابات 2010. أمّا "الإطار التنسيقي" الذي خَلَفَ الائتلاف الوطني العراقي فقد تشكّل بعد انتخابات 2021 رفضًا لمحاولة مقتدى الصّدر تشكيل حكومةٍ على أُسُسٍ سياسيةٍ غير توافقيّة.

وفي انتخابات 2025 التي يتّم التحضير لها حاليًا، تفكَّك الإطار التنسيقي إلى عددٍ كبيرٍ من الكتل والقوائم الانتخابية وظهرت تناقضاته على السّطح، فهناك قائمةٌ لـ"عصائب أهل الحق"، وأخرى لـ"منظمة بدر"، وثالثةٌ لـ"المجلس الأعلى الإسلامي"، ورابعةٌ لـ"دولة القانون"، وخامسةٌ لـ"تيار الحكمة" (قوى الدولة)، وسادسةٌ لقسمٍ كبيرٍ من "فصائل الحشد"... إلخ، وداخل معظم القوائم توجد كِيانات أخرى.

وتبدو هذه الظّاهرة لكن بشكل أضْيَق على الجانب السنّي، فتحالفا "تقدّم" و"عزم" (التحالفان السنّيان الأهمّ) خاضا انتخابات 2021 بقائمتَيْن مُنفصلتَيْن، ثم بادرتا إلى الاندماج في تحالفٍ واحدٍ قبيل عقد أوّل جلسات البرلمان العراقي في مطلع 2022، وها هما الآن يترشّحان للانتخابات الجديدة بشكلٍ منفصل. أمّا الحزبان الكرديان الكبيران "الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" فيترشّحان كما هي العادة بشكلٍ منفصل، كما لم تتمكّن الأحزاب الأصغر من التحالف.

إنْ حدثت مفاجأة وانضم الصّدر لتحالف السوداني فسوف يضمن ذلك تحقيق أغلبية برلمانية مُريحة

وبالانتقال إلى وجه الاختلاف الأساسي للانتخابات الوشيكة عمّا سبقها، نجد أنّ "الإعمار والتنمية" صارا هما عنوان التحالف الأكبر الذي شكّله رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، مُستثمرًا خبرته على مدار عامَيْن في تقديم الاقتصاد على السياسة. يضمّ التحالف إلى جانب تيار الفُراتَيْن - الذي يتزعّمه السوداني - مروحةً واسعةً من حيث الامتداد الجغرافي، ومن حيث القوى السياسية، فيكفي أن نذكر أنّ بين أعضائه تحالف "حلول الوطني" لرئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، وفي الوقت نفسِه "ائتلاف الوطنية" لرئيس وزراء العراق الأسبق إياد علاوي.

ومع أنّ كلّ شيء وارد في السياسة، إلّا أنّه من الصعب انضمام التيار الصّدري لتحالف السوداني لو قرّر المشاركة، وذلك لأن السوداني تولّى منصبه بترشيحٍ من الإطار "التنسيقي" الذي تشكّل ليواجه مقتدى الصدر، أمّا إنْ حدثت مفاجأة وانضم الصّدر لتحالف السوداني فسوف يضمن ذلك تحقيق أغلبيةٍ برلمانيةٍ مُريحة.

وللحديث بقية عن انتخابات العراق فهناك من المفاجآت ما لم يظْهر لنا بعد.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن