قضايا العرب

"العنصرية" تطارد العرب في تركيا: ضربٌ وشتمٌ وذمّ!

في الأشهر الماضية، ارتفعت الرهانات التركية على تحقيق قفزة في نسبة السيّاح العرب هذا العام، ما دفع وزارة الثقافة والسياحة إلى الإعلان عن أنّ أنقرة تستهدف استقبال 60 مليون سائح، خلال العام الحالي، بينهم 6 ملايين من منطقتي الشرق الأوسط والخليج، بزيادة 20 بالمئة عن العام الماضي، وتحقيق إيرادات بقيمة 56 مليار دولار.

هذه الرهانات، كانت تعود بشكل أساسي إلى عودة الحرارة إلى العلاقات التي تجمع تركيا مع العديد من البلدان العربية، التي كانت تشهد توترًا بسبب الخلافات التي رافقت مرحلة ما يُعرف بـ"الربيع العربي"، خصوصًا بعد الجولة التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان على عدد من البلدان الخليجية. أما على أرض الواقع، فكانت المدن التركية تشهد إعتداءات عنصرية على مواطنين عرب، تسبّبت قبل مدة بمقتل مواطن مغربي نتيجة خلاف مع سائق أجرة تركي، بعد أن قام الأخير بدفعه إلى الأرض، ما أدى إلى إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين عرب تدعو لعدم زيارة تركيا.

شتم العرب: ليسوا بشرًا

وقبل ذلك، كانت قد انتشرت العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر مضايقات يتعرّض لها سيّاح أو مقيمون عرب على الأراضي التركية، أبرزها تلك التي تلت مشاجرة بين قاصر يمني وآخر تركي، بعد أن تجمّع عدد من الأتراك الذين بادروا إلى الإعتداء بالضرب على القاصر اليمني، ثم على شقيقه الأكبر الذي تدخّل من أجل الدفاع عن أخيه، إلى جانب إعتداءات أخرى وقعت في بعض الأسواق التجارية وفي وسائل النقل العام. وتداول ناشطون، في شهر أيار الماضي، مقطع فيديو لشاب تركي يهاجم العرب خلال مقابلة له مع إحدى القنوات التركية، متحدثًا عمن وصفهم بأنهم "10 ملايين مخلوق في بلادنا ليسوا بشرًا، من عرب وأفغان وباكستانيين"، قائلًا: "أنا أعمل في مجال الوراثة وأعي ما أقول، لديهم دماغ بدائي وفكر منحط".

على مدى سنوات، كانت تركيا تعتبر من الوجهات المفضلة للسيّاح العرب، نظرًا لسهولة الوصول إليها، بسبب مسافة السفر القصيرة وعدم الحاجة إلى تأشيرة، بالإضافة إلى تمتّعها بالمناظر الطبيعية الخلّابة والمناخ المعتدل، إلى جانب القيمة الثقافية التاريخية والقدرة على تأمين رحلات سفر بأسعار تُعتبر مقبولة نسبيًا للعديد من طبقات المجتمع. وهو ما دفع وسائل الإعلام التركية إلى التركيز على جذبهم، عبر مجموعة من التقارير الترويجية للسياحة في تركيا، لا سيما وأنّ السائح العربي، تحديدًا الخليجي، يُنفق خلال رحلته أضعاف ما يُنفقه السياح من الجنسيات الأخرى.

بالعودة إلى الإعتداءات العنصرية التي تعرّض لها سيّاح عرب، في الأشهر الماضية، سعت وسائل الإعلام والشخصيات التركية المؤثرة إلى الترويج لنظرية أنها "أحداث فردية"، في سياق السعي إلى الحدّ من تداعياتها السلبية على الاقتصاد التركي، متهمةً جهات "تريد الإضرار بالسياحة" بالترويج لها. إلا أنّ المتابعين للشأن التركي كانوا يلاحظون، منذ الإنتخابات التشريعية والرئاسية التي شهدتها تركيا مؤخرًا، تناميًا واضحًا في الخطاب المعادي للعرب، خصوصًا أنّ فئات من الشعب التركي تُحمّل اللاجئين السوريين مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية في بلدهم.

إنطلاقًا من هذا الجوّ المشحون، بات من الطبيعي أن تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي بالأنباء عن اعتداءات يتعرض لها عرب بين الحين والآخر، من قبل مواطنين أتراك، الأمر الذي ارتفعت وتيرته بشكل متزايد في الآونة الأخيرة. وهو ما دفع بالكثيرين إلى الدعوة لمقاطعة تركيا، طالما أنّ مواطنيها مُصرّين على هذه الممارسات العنصرية، ما سيكون له تداعيات سلبية على الواقع السياحي التركي. حيث كشفت منصة "TR99"، نقلًا عن إحدى الشركات السياحية الكبرى في تركيا عن قيام العديد من السيّاح العرب بإلغاء حجوزاتهم إلى الأراضي التركية، بسبب الأخبار المنتشرة عن عنصرية الأتراك وموجة العنف ضد المهاجرين والسياح، بحيث وصلت نسبة الإلغاء إلى ما يقارب 60% من الحجوزات.

هذا الواقع، كان قد دفع السياسي التركي ياسين أقطاي، في مقال له بعنوان: "الأتراك والعرب تاريخ مشترك وعداوة مستوردة" نُشر على موقع "الجزيرة مباشر"، إلى التشديد على أنّ "العنصرية ليست ناتجة عن نقص في المعرفة، بل منشؤها جهل أصيل". بينما كان رئيس حزب "البلد" في ولاية ريزة محيي الدين بيرق يتحدث عن "احتلال عربي" في مدينة ريزة، لافتًا إلى أنّ العرب يأكلون "أشهى المأكولات" في مطاعم المدينة، في حين أنّ "مواطنينا ينظرون إليهم ولا يستطيعون دخول تلك المطاعم بسبب الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها جميعاً".

وكانت أرقام وزارة السياحة التركية قد كشفت أنّ أكثر العرب توافدًا إلى تركيا، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2023، هم على الشكل التالي: العراق (352 ألفًا)، السعودية (170 ألفًا)، الكويت (111 ألفًا)، الأردن (100 ألف)، المغرب (92 ألفًا)، الجزائر (نحو 90 ألفًا)، لبنان (70 ألفًا)، ليبيا (66 ألفًا)، مصر (60 ألفًا)، تونس (59 ألفًا).

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن