صحافة

التفاوض الأمريكي الإيراني: أسبوع الحسم

بلال التليدي

المشاركة
التفاوض الأمريكي الإيراني: أسبوع الحسم

بدأت تتعالى أصوات ضربة عسكرية موجهة إلى البرنامج النووي الإيراني، أسبوعا قبل جولة الحسم في التفاوض الأمريكي الإيراني في مسقط. الولايات المتحدة الأمريكية بمختلف مسؤوليها الدبلوماسيين (الخارجية الأمريكية) والعسكريين (وزارة الدفاع) لوحوا بإمكان اشتعال حرب في المنطقة، وتوجيه إيران ضربات عسكرية إلى القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وقرروا مغادرة أفراد عائلات العسكريين الأمريكيين الشرق الأوسط، والرئيس الأمريكي، أجاب عن أسباب هذا القرار بالقول: "سترون" ملمحا بإمكان حصول ضربة عسكرية أمريكية إلى البرنامج النووي الإيراني.

من الواضح جدا، أن الرئيس الأمريكي يناور كعادته باستعمال لغة التهديد بعد أن وصل التفاوض إلى النقاط الحاسمة، أي موضوع التخصيب، الذي لحد الآن، لم تبد القيادة من أعلى مستوى في البلدين أي تنازل بخصوصها، سواء المرشد لقيادة الثورة الإيرانية علي خامنئي، أو الرئيس الأمريكي، فالأول يعتبر قضية الاستمرار في التخصيب خطا أحمر، والثاني يعتبر شرط التفاوض هو إيقاف التخصيب بشكل كامل.

قبل يومين، أعرب الرئيس الأمريكي عن خيبة أمله من الموقف الإيراني، وقال إن إيران أضحت أكثر تشددا في المفاوضات في الملف النووي، في الوقت الذي أكد فيه قائد القيادة الوسطى الأمريكية أنه قدم للرئيس ترامب ووزير الدفاع خيارات للتعامل عسكريا مع طهران إذا فشلت المفاوضات. من الواضح أن الأمريكيين بعثوا برسالة واضحة إلى طهران، مفادها الاختيار بين السيئ والأسوأ، أي بين التنازل عن خطوطها الحمر في التخصيب، وبين مواجهة ضربة أمريكية أو ربما ضربة عسكرية مشتركة أمريكية وإسرائيلية، فيما التقطت إيران الرسالة، وحاولت استعمال اللغة نفسها، أي التهديد بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وضرب المواقع النووية الإسرائيلية، التي سبق وأن نشرت إيران معطيات استخباراتية تفيد بحصولها على وثائق سرية ضخمة تتضمن معطيات حساسة عنها.

عمليا، إيران أبدت رغبتها في مواصلة التفاوض، لكن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت رفضها، حتى تنزل طهران من على الشجرة، بما يعني أن مستقبل الجولة الحاسمة سيبقى معلقا إلى أن تثمر لغة التهديد والتهديد المقابل تنازلات من طرف واحد أو من الطرفين. استراتيجيا، لا ترغب أمريكا في الحرب لأن من شأنها المجازفة بقواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، والحكم على نفوذها في هذه المنطقة بالتقلص، إذ لا يمكن توقع المآل الذي يمكن أن تذهب إليه المواجهة بين البلدين، فيما التقدير الاستراتيجي الإيراني نفسه، يسعى ما أمكن تجنب التورط في مواجهة عسكرية في المنطقة، لأن من شأن ذلك أن يعزز تراجعها الإقليمي، وأن يعيد اقتصادها سنوات إلى الوراء، وأن يدخل تفاهماتها في الشرق الأوسط إلى مرحلة التوتر.

التناقض والتقابل على مستوى الخطوط الحمر لا يترك مساحة كبيرة لتصور إمكان تنازل الطرفين، فالولايات المتحدة الأمريكية، لا تفتح المجال لتسقيف مستوى التخصيب كما فعلت إدارة باراك أوباما لحظة إبرامها للاتفاق النووي مع طهران سنة 2015، والتوافق الاستراتيجي على مستوى رفض الحرب، يحتم منطقة وسط بين الطرفين، لا تشجع لغة التهديد على تصورها، رغم أن التجربة تؤكد بأن الاتفاقات مع الرئيس الأمريكي، دائما ما تكون عقب تصعيد خطير واستعمال لغة التهديد.

من الممكن لإيران أن تقبل تخفيضا لمستوى التخصيب، لكن واشنطن ترى حصول اتفاق نووي من منظور مختلف، فمدير الوكالة الذرية خرج بتصريحات مثيرة، تشير إلى أن مستوى التخصيب في إيران بلغ مستويات عالية، وأن الوكالة لا تعلم على وجه التدقيق المآل الذي انتهى إليه البرنامج النووي، وأن إيران لم تقدم إجابات بخصوص بقايا اليورانيوم المخصب الذي وجدته الوكالة عالقا في إحدى المواقع النووية، وهو ما حفز ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بتقديم مسودة مشروع قرار يدين عدم امتثال إيران للاتفاق النووي، ويشدد على ضرورة تعاونها الكامل والفوري مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعني أن واشنطن لعبت كل أوراقها من أجل الضغط على إيران وعزلها دوليا، وتهديدها عسكريا.

تل أبيب، كانت تطمح منذ مدة طويلة لتوجيه ضربة استباقية للمشروع النووي الإيراني، وقد أعدت الخطط العسكرية لذلك، لكن واشنطن استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي ببرودة شديدة، ولم تخف خلافها مع تل أبيب في هذا الموضوع، بل أن الرئيس الأمريكي، حذر الرئيس الإسرائيلي من توجيه ضربة عسكرية طهران بقصد إفشال المفاوضات بين واشنطن وطهران.

الوقائع اليوم تغيرت بشكل كامل، فمن مصلحة واشنطن اليوم، أن تنشط، على الأقل من حيث الخطاب، إرادة تل أبيب لضرب المواقع النووية الإيرانية، وربما سيكون من مصلحة إيران هي الأخرى أن تستعمل لغة تهديد مقابلة، مثل ما استعملته عندما ظهرت بوادر الفشل في التواصل إلى اتفاق مع إدارة جو بادين حول البرنامج النووي، وذلك حين هددت بزيادة مستوى التخصيب، أو تسريع وتيرة التخصيب، أو إضافة طرود مركزية جديدة، وقد يكون في وارد خيارتها الإعلان عن منشأة نووية جديدة، هذا بتواز مع استعمال لغة تهديد مضادة ضد تل أبيب بتوجيه ضربات صاروخية مدمرة للمواقع النوية الإسرائيلية، وأيضا ضد واشنطن باستهداف القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط.

قد يكون من أوراق واشنطن في حال فشلت أدوات الضغط المتعددة أن تقدم الاعتماد لتل أبيب لتوجيه الضربة العسكرية إلى المشروع النووي الإيراني وأن تكتفي بمجرد تقديم الدعم اللوجستي، فواشنطن تدرك أن لا خيار بعد فشل المفاوضات سوى الخيار العسكري، لأن اللاخيار، يعني أن الوقت يخدم عمليا مصلحة إيران في الرفع من مستوى التخصيب، وتدرك أيضا أن تدخلها العسكري سيضر مصالحها في الشرق الأوسط، وإيران في المقابل، لم تحسم قرارها بعد، وتنتظر قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى ترتب جوابها، لكنها في الآن ذاته تدرك أن تهديدات واشنطن ليست جدية، وإنما هي جزء من تكتيك سياسي قديم متجدد لإجبارها على تقديم تنازلات، وأن الرئيس الأمريكي استعمل لغة التهديد هذه حتى قبل أن تبدأ المفاوضات.

في المحصلة، السيناريوهات المحتملة مفتوحة على ثلاثة اتجاهات، الأول حصول توافق بوساطة ما على منطقة وسط بين الطرفين، تماما كما حصل في صيغة الاتفاق زمن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تتنازل فيه إيران، وتقبل بخفض كبير لمستوى التخصيب، وفي هذه الحالة، سيتم استئناف التفاوض، وسيقدم هذا التوافق على أساس أنه انتصار للرئيس الأمريكي في إدارته التفاوض، وسيتم في المقابل التغطية على مقابل ذلك من التنازلات الأمريكية. والاتجاه الثاني، أن يفشل هذا التوافق والوساطة فيه، وأن يتم اللجوء إلى الخيار العسكري من طرف الجيش الأمريكي، لكن بطريقة سريعة وفورية، وربما غير حاسمة، حتى يتم احتواء التداعيات.

يقدم هذا الخيار العسكري هو الآخر على أساس أنه تنفيذ للتهديد الأمريكي، وانتصار لأسلوب الرئيس الأمريكي، فواشنطن تدرك أن إيران براغماتية، وأنه سبق أن ضبطت النفس في كثير من الحالات التي تم فيها توجيه ضربات شكلية أو على الأقل غير حاسمة وأن ردها سيكون هو الآخر شكليا ضد قاعدة من القواعد العسكرية الأمريكية، ثم ينتهي الأمر عند حدود إعطاب جزء من المشروع النووي وقبول إيران بهذا المستوى من الضرر. والاتجاه الثالث، وهو منح الضوء الأخضر للقيام بالمهمة بالمناولة، وهو الخيار الأخف ضررا لواشنطن مقارنة مع شن الجيش الأمريكي ضربة عسكرية ضد المشروع النووي الإيراني.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن