العرب وطموح الوحدة

جامعة الدول العربية... جدل القيادة والبحث عن ميثاق جديد!

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

يُثير الجدل الدائر حول رغبة عددٍ من الدول العربية، نقل المقرّ الدائم للجامعة العربية من القاهرة إلى الرياض، وما يتبع ذلك من أحاديث متواتِرةٍ حول اسم المرشح المُقبل لمنصب الأمين العام، تبايُنات واسعة في أوساط سياسية وديبلوماسية، ما بين مؤيّدٍ يرى ضرورة فتح المجال العام العربي أمام اختيار أمين عام جديد للجامعة، ومُعارضٍ لا يرى ضرورةً في إدخال تعديلات على عُرْفٍ ترسّخ منذ نشأة الجامعة في أربعينيّات القرن الماضي، وظلّ خلاله اختيار الأمين العام، يذهب دائمًا باتجاه دولة المقرّ.

جامعة الدول العربية... جدل القيادة والبحث عن ميثاق جديد!

لا يفتح الجدل الدائر بقوةٍ في حقيقة الأمر، الحديث فقط حول اختيار الأمين العام وفترة بقائه في موقعه، بقدر ما يفتح أيضًا الحديث حول مستقبل المنظمة الأبرز في المنطقة العربية، وحاجتها الماسّة إلى عملية إصلاحٍ شاملة، باعتبارها السبيل الوحيد لأن تصبح الجامعة رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليمية الجديدة، وقادرةً على المواجهة الفعلية لما يُخطَّط للمنطقة من مؤامراتٍ تحت شعار "الشرق الأوسط الجديد".

يتصدّر ملف إنهاء احتكار القاهرة لمنصب الأمين العام للجامعة، اهتمامات دوائر ديبلوماسية عربية، وبخاصةٍ في عددٍ من دول المشرق العربي، التي لم تَعُد تُخفي رغبتها في ضرورة العمل على "كسر القوالب الجامدة"، ليس فقط بطرح موقع الأمين العام للجامعة في التداول بين الدول الأعضاء وفق نظامٍ واضح، ينطلق من مبدأ التداول العادل للمناصب القيادية، على نحو ما يجري في مختلف المنظّمات الإقليمية والدولية الأخرى، وإنما أيضًا بضرورة إعادة النظر في المخصّصات التي رُصدت لميزانية الجامعة ومنظماتها الفرعية، وهيكلها الوظيفي والإداري، والتي بلغت ـ حسب تقديراتٍ منسوبةٍ لقيادة عربية كبيرة ـ نحو مليار ونصف مليار دولار على مدار الخمسة عشر سنةً الماضية، وهو ما بات يفرض ضرورة إعادة النظر في هيكل رواتب موظفي الجامعة، بهدف تقليص النفقات التي تتحمّلها الدول الأعضاء، والتي يُنفق جزء كبير منها على منظّماتٍ تابعةٍ للجامعة، من دون أن تلعب تلك المنظمات (من بينها بعثات ومكاتب في الخارج يبلغ عددها 25 بعثة تستنزف ما يوازي ثلث ميزانية الجامعة) أي دور مشهود في متطلّبات العمل العربي المشترك!.

لا يختلف الكثير من الخبراء في تقييم أداء الجامعة العربية على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وفشلها الذريع في التعاطي مع العديد من الأزمات، التي عصفت بدرجةٍ أو بأخرى بالعلاقات العربية البينية، وهي في النهاية تدخل، حسبما يرى الدكتور ابراهيم المنشاوي، الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ضمن حزمةٍ ضخمةٍ من الأزمات الكبيرة التي واجهتها الجامعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأثبتت عجزها عن معالجتها لأسبابٍ متعدّدة.. بعضها يتعلّق بميثاقها وطبيعة العلاقة بين الدول الأعضاء، وبعضها الآخر يتعلّق بطبيعة المصالح الإقليمية والدولية، لكنّ هذه الأسباب مجتمعة ظلّت تقف وراء ضعف أداء الجامعة، ولعبت في بعض الأحيان دورًا كبيرًا في إفراغ ميثاقها من محتواه، على نحو أدّى في النهاية الى حالةٍ من التدهور في العلاقات العربية ـ العربية، بسبب طغيان الإرادة القُطرية لعددٍ من الدول الأعضاء، وما أدّى إليه ذلك من تأثيرات سلبية في أداء الجامعة في معظم القضايا العربية المهمّة.

يشبه أداء الجامعة العربية إلى حدٍّ كبير، التحوّلات الصعبة التي شهدتها المنطقة العربية على مدار العقود الماضية. فقد طال الجامعة، باعتبارها منظمة إقليمية، ما طال المنطقة من تحوّلات كبرى، بدءًا من احتلال العراق في مارس/آذار 2003، حتى "تسونامي الثورات العربية" عام 2011، وما خلّفه من تداعياتٍ مفصليةٍ على المنطقة بكاملها. وقد كانت تلك التداعيات كفيلةً وحدها، بضرورة البحث عن سيناريواتٍ جديدةٍ لمستقبل الجامعة، ربما كان أخفّها وطأةً هو سيناريو الإصلاح، الذي ينطلق من فكرةٍ رئيسيةٍ ترى أنّ منظومة العمل العربي المشترك لا ينبغي أن تظل حبيسة مفاهيم وأطر وهياكل لا تتغيّر أو تتطوّر مع تغيّر العلاقات الدولية. وعليه فإنّ تطوير وتحديث هذه المنظومة من حيث المفاهيم وآليات العمل، يصبح ضرورةً مُلحةً ـ حسبما يرى المنشاوي ـ لتحسين الأداء وبلوغ الأهداف المرجوّة. وهو ما يؤكد عليه ميثاق الجامعة بالفعل، إذ ينصّ في المادة 19 على مبدأ التطوير عبر تحديد آلية تعديل الميثاق نفسه، ما يعني أنّ مبادرات وأفكار واقتراحات التطوير لم تَغِب عن الجامعة، منذ التوقيع على ميثاقها عام 1945. ومن بينها تلك المبادرة التي انتهى إليها إعلان قمّة تونس عام 2004، بطرح عددٍ من نقاط الإصلاح، مثل إنشاء محكمة عدل عربية للنظر في مختلف القضايا العربية المهمّة من الناحية القانونية، وإنشاء برلمان عربي انتقالي، وتطوير معاهدة الدفاع العربي المشترك، لكن من المؤسف أنّ هذه المبادرة انتهت مثل سابقاتها إلى فشلٍ ذريع.

بنظرةٍ أكثر تشاؤمية، فإنّ السيناريو الثاني، يصبح في نظر الكثير من المراقبين هو الأقرب للتحقّق، إذا لم تنتهِ حالة الجدل الدائرة حاليًا إلى مقارباتٍ تحظى بتوافقٍ عربيّ كامل. فتصبح التجمّعات العربية الفرعية مثل "مجلس التعاون الخليجي"؛ و"اتحاد المغرب العربي"، هي البديل الطبيعي للجامعة، بعدما تأخرت كثيرًا في التعاطي مع العديد من المتغيّرات السياسية العربية، التي جرت خلال العقدَيْن الماضيَيْن على وجه الخصوص، وعلى نحوٍ أعطى انطباعًا للرأي العام العربي نفسه، بأنّها قد أصبحت غير مؤهلةٍ سواء سياسيًا، أو من حيث الآليات والأدوات للقيام بدورٍ فاعلٍ إزاء تلك المتغيّرات. وقد كان ذلك كفيلًا وحده، بفتح المجال واسعًا أمام مبادراتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ عدّة، تصاعد معها دور مجلس التعاون الخليجي، ليمتدّ تأثيره الواضح في القرار السياسي العربي الرسمي في مختلف القضايا العربية.

يبدو تعديل ميثاق الجامعة هو النقطة الرئيسية التي تنطلق منها العديد من المبادرات الداعية للإصلاح، وقد أصبح التعديل ضرورة، حسبما ترى الدكتورة الشيماء ابراهيم، الأستاذة في كلية السياسة والاقتصاد لجامعة بني سويف، فالميثاق الحالي لا يتماشى مع التحدّيات القائمة على الساحة العربية، ولا يمنح الجامعة أي آليات مُلزمة لتنفيذ قراراتها، وقد كان ذلك ولا يزال سببًا آخر لفقدان الجامعة هيبتها وأهمية وجودها. ومن ثمّ فإنّ محاولة تطوير الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للجامعة، يمكن أن يكون خطوةً عمليةً على طريق الإصلاح، تستطيع من خلاله الجامعة التعامل مع المهامّ الجديدة المطروحة على أجندة العمل العربي المشترك، خصوصًا ما يتعلّق منها بقضايا حقوق الإنسان.

لكنّ الدكتورة الشيماء ابراهيم ترى أنّ إجراء أي إضافات أو تعديلات على الميثاق، يجب أن ينطلق من تحكيم الأغلبية في اتخاذ القرار، مع إلغاء شرط الإجماع، مشيرةً إلى أنّ هذا الشرط بحدّ ذاته، كفيل وحده بتعطيل أي قرارات قد تنتهي إليها الجامعة، ومن بينها إقرار الاجتماع الدوري للقمم العربية!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن