من العالم

"آخر معارك" خامنئي: هل يسقط النظام؟أميركا بين التدخل العسكري المباشر والقتال "عن بُعد"!

في عُمر الـ86 عامًا، يواجه مرشد إيران علي خامنئي، آخر معاركه في مواجهة إسرائيل، بينما لا تزال أميركا تتريث في الدخول العسكري المباشر في المشهد، كما فعلت لإنقاذ إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، إدراكًا منها اليوم بالتفوّق الإسرائيلي على إيران.

على الرَّغم من تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن تواجه إيران قوّة الجيش الأميركي "بمستوياتٍ غير مسبوقةٍ" في حال هاجمت مواقع أو قواعد أميركية، فإنّه إلى حدّ اللحظة يبدو واثقًا من أنّ "إيران لن تنتصر". وهذه الثقة مرجعها، وفقًا لمحلّلين عسكريين، إلى امتلاك إسرائيل أسلحةً وعتادًا عسكريًا أميركيًا يؤمّن لها التفوّق الجوي واستباحة سماء إيران على نحوٍ غير مسبوق.

وبينما يحرص الجيش الإسرائيلي على الادعاء بأنّ الهدف الحالي للحملة العسكرية ضد إيران ليس تغيير النظام الحاكم في طهران إنما تفكيك برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ الباليستية، غير أنّ بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية عبّر صراحةً عن أنّ الضربات الإسرائيلية "قد تُغيّر النظام الإيراني الضعيف جدًا، كنتيجةٍ لذلك".

التفوّق الجوي

نجحت إسرائيل في فرض سيطرة مُستدامة على الأجواء الإيرانية، وهو ما يعني أنّ إيران دفعت ثمنًا باهظًا للحصار المفروض عليها منذ عام 1979، وعدم السماح لها بامتلاك قوةٍ جويةٍ طوال السنوات الماضية وحظر التكنولوجيا عنها. لكن ثمّة شِقّ آخر في المسؤولية يقع على النظام الإيراني، الذي وفق ديبلوماسي عربي في القاهرة، لم يهتمّ بموازين القوى التقليدية "وراح يُغامر بحثًا عن السلاح النووي".

والنتيجة اليوم أنّ النظام الإيراني فقد السيطرة على سمائه وسيادته، بينما يعيش خامنئي أخطر أزماته منذ تولّيه السلطة عام 1989 بما يشمل سلامته الشخصية، ويجد نفسَه في مواجهة حصادٍ مريرٍ لتدخّلاته الخارجية في الدول المُجاورة، ارتدّت الآن إلى صدر الرجل الذي لم يغادر إيران منذ تولّيه مهامه، وتحيط تدابير أمنية مشددة وسرّية كاملة بتحركاته.

واشنطن بين الدعم وعدم التورّط

لكن مع تلويح ترامب بدخول الحرب، هناك في مجلس الشيوخ الأميركي والحزبَيْن الديموقراطي والجمهوري، مَن يسعى لمنعه من استخدام القوّة العسكرية ضدّ إيران من دون تفويضٍ من الكونغرس، باعتبار أنّ هذه ليست حرب أميركا.

ويظل الدعم الأميركي، عبر المساعدات العسكرية، أو المعلومات الاستخباراتية، أو الحماية السياسية في المحافل الدولية، العمود الفقري لتفوّق إسرائيل، التي من دونه قد تجد نفسَها في موقفٍ ضعيف.

ووسط مواقف متضاربة ومعلوماتٍ عن سعي ترامب لفتح قنوات اتصال مع طهران للتفاوض، يظلّ السؤال الحقيقي الآن: متى وكيف ستتدخّل أميركا لإنقاذ حليفتها؟!.

خطة مائير

السابقة التاريخية تُقدّم الإجابة، ففي حرب أكتوبر 1973، وعندما أدرك الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنجر، أنّ هزيمة إسرائيل أصبحت محتملة، سارعا إلى إطلاق عملية إنقاذ عاجلة. وعبر جسر "نيكل غراس"، الجوّي المكثّف، جرى نقل أكثر من 22.000 طن من الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل عبر 567 رحلةً جويةً خلال شهر تقريبًا، كما قدمت أميركا معلومات استخباراتية دقيقة عبر الأقمار الصناعيّة، مما ساعد إسرائيل على تتبّع تحرّكات القوات المِصرية والسّورية.

يومها، قال الرئيس المصري الرّاحل أنور السادات نصًّا "إنّ الولايات المتحدة تُقيم جسرًا بحريًا وجوّيًا تتدفّق منه إلى إسرائيل كلّ أنواع الأسلحة".

كان السادات يعني أنّ الدعم الأميركي لم يكن مجرّد إنقاذٍ عسكريّ، بل كان قرارًا جيوسياسيًا من واشنطن للحفاظ على إسرائيل كحليفٍ استراتيجي.

بحلول منتصف الحرب، شنّت إسرائيل عبر ثغرة الدفرسوار هجومًا مضادًّا عبر قناة السويس، مما أدّى إلى توازنٍ عسكري هشٍّ، مهّد لاحقًا لمفاوضات السلام. ووفقًا للسردية العسكرية المصرية، فلو لم تتدخّل أميركا لإنقاذ إسرائيل لكانت هزيمتها مروّعة وأكبر ممّا يتصوّر أحد.

بَيْدَ أنه لا يمكن إغفال أنّ إسرائيل فكّرت جدّيًا في استخدام السلاح النووي، عندما شعرت بالتهديد، إذ وافقت غولدا مائير، رئيسة الوزراء حينها، على خطّة طارئة لنشر صواريخ نووية تكتيكية في صحراء النّقب.

وبحسب تقارير أميركية، رفعت إسرائيل سرًّا جاهزية بعض رؤوسها النووية، ولوّحت بما يُعرف بـ"الإنذار النووي الإسرائيلي وسرّبته إلى واشنطن لدفعها للتدخل، بجسرٍ جويّ ضخم لمنع الانهيار".

هذه السابقة التاريخية تُلقي بظلالِها اليوم على الأزمة مع إيران، لكنّ السياق الحالي مُختلف، فاليوم يتّخذ التدخّل الأميركي أشكالًا أكثر تعقيدًا في مواجهة تحدّيات داخلية ودولية.

اكتفت أميركا بتعزيز جاهزيتها لأي تصعيدٍ محتملٍ مع إيران، بينما رفضت خطةً إسرائيليةً لاغتيال خامنئي، مع تحذير طهران من استهداف المصالح الأميركية.

والحاصل أنّ أميركا تكتفي حتى الآن بتعزيز دفاعات إسرائيل التي تسيطر على الأجواء الإيرانية، بينما يواجه خامنئي آخر مغامراته وأخطرها على الإطلاق، وسط مصيرٍ مفتوحٍ يهدّد بسقوط النظام الإيراني واحتمال اندلاع فوضى إقليمية قد لا تحتملها المنطقة!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن